رَقيمٌ عَاجل.. من آشور بانيبال إلى البغدادي

tag icon ع ع ع

من الملك العالم آشور بانيبال، ملك الرافدين وما حولها وما حوتْ من حضر وفلاةٍ وطير ووحش، إلى جَهُولِ عصره ومولى نفسه البغدادي، وبعد:

فلا يحمِلنّك قصور الفهم ورُعونة الأفكار منك على الاشتغال بالمهم مع ترك الأهم، بأن تحاول إدراك كيفية وصول رَقيمي هذا منّي إليك.

ما خبَر بلغني عنكَ؟ من صَولة غِلمانك في دياري وإفسادهم في بائد مُلكي وسلطاني!؟

“تماثيلُ تَشدّ الناظر وتعظّمكَ في نفوس الرّعية وتلقي الرّعبَ والفزع في قلب عدوّك وتُقرِضُك سنينَ زائدةً على حياتك من المجد والخلود”؛ هذا ما قاله لي كبير النحاتين في قصري، فلما سألته: سنين؟ أهي عشَرات؟ أجاب: أرجو أن تكون أكثر، ربّما فوق المئة.

ولم يخطر لي على بال أنها ستكون رفيقة القرون المتطاولة، فانشرح لذلك خاطري وأمرت بالمعازف والقيانِ وأخذتني سكرةٌ مضاعفةُ من خمرٍ وسلطة، «سَكرةٌ» لا بدّ أنّك تنال في أيام زمانك نصيبكَ منها.

ثم كان الذي كان مما لا يخفى على بشرٍ مثلكَ، وهو عليك لا مَحَالةَ قادمٌ، فأنا في مدفني وبرزخي منتظرًا قيامتي مطّلعًا على ما غاب عنّي، وقد خَلَت القرون إثر القرون فمَا راعَني إلا أمثالُك ممّن امتطوا ظهر الحقيقة، ليجْتَرحوا بعد ذلك ما لم نجتَرح -نحن معاشرَ الوثنيين- مثلَه على مَرّ الدّهور وتداوُلِ الدّول.

هي حجارةٌ تألّفنا بها أهل الدنيا وملأنا بها عقولًا قد خَوَتْ عن «الحق» الذي تدّعي حملَه.

فقل لي بربّكَ، ما الحقيقة العليا وما القيمة الرّاسخة التي أقمتَ بنيانها في قلوب النّاس وعقولهم مكان تماثيلي بعد أن أعمَلتَ فيها المعَاول؟ وهل ستمكث من الدّهر معشار ما بقيت حجارتي الصمّاء؟.

أمّا «الثّور المُجَنّح» فما أراك عمدتَ إلى تحطيمه إلا لِما قد علمت من وجوه الشّبه بينكما، فأقول نعم ولكنّ أغلبَ شبهك به هو أسفله، وما أراك شابهته إلا قليلًا في قسمه العُلوي البشريّ؛ على أنّ التّمثال «مجنّحٌ» وأنت لا تزال من أعمالك في انحطاطٍ من دَرَكةٍ لأخرى أسفلَ منها.

هذا رقيمٌ عاجل أرسِلُه لبقيّة عقلِك، أمّا قلبكَ فلا أظنّ تماثيلي -التي صَمَدت لقرون- أشدّ منه صلابةً وقسوة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة