محمد عبد الستار إبراهيم
بعد انطلاقة الربيع العربي في تونس وصولًا إلى سوريا، وما حدث من تدخل عسكري في ليبيا وفيما بعد في اليمن والدمار الذي حل بسوريا، وما لحق تونس ومصر من تعرجات سياسية وأمنية، حمّل الجمهور، الذي كان يقف على الحياد من الربيع العربي، الشباب الثائر من المغرب إلى المشرق نتيجة الدمار والخراب.
في كل مظاهرة تخرج بها شعوب المنطقة يتردد إلى مسامعنا: ألا يكفينا ما حصل في سوريا؟ أتريدون الخراب لبلادكم أيضًا؟! عجيب كيف ألصقوا هذه التهمة بجيل ثائر على الطغيان والاستبداد، وكيف حملوه ما حصل في الدول العربية الثائرة لا سيما سوريا!
لا ريب أن الاستخبارات العربية لعبت على الترويج لهذه النظرة، وصوّرت أن الربيع العربي لم يجلب سوى الدمار والخراب والتشريد لشعوب المنطقة، فضلًا عن التصريحات التي تخرج من أفواه المسؤولين بعد كل صيحة حرية، دون مبالاة: أتريدون أن تصبحوا كالشعب السوري؟ وكان آخرها تصريح رئيس الحكومة الجزائرية قبل إقالته، حيث خاطب شعب الجزائر الثائر ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة.
ويكفي رد الجزائريين على الرئيس المقال أنهم خرجوا بمظاهرات رافعين الورود، في إشارة إلى سوريا التي بدأت ثورتها بالورود أيضًا.
لن أخبر ذلك المسؤول عن مساسه بمشاعر السوريين، والإساءة لهم، لأني على يقين أنه بلا مشاعر، ولكن رسالتي إلى الجمهور الذين يحمّل الربيع العربي عبئًا وذنبًا هو بريء منه كبراءة الذئب من دم يوسف.
ما كان لشعب أن يثور وينتفض عن بكرة أبيه، لولا الظلم الذي بلغ مداه، ولولا الفساد الذي تفشى في جسد الدول كالوباء.
ما كان لشعب أن يثور لولا أن كرامته أهدرت، وحقوقه سلبت، والعدل أصبح ضربًا من الخيال، وعنصر الأمن يعبث كيف ومتى شاء، وأصبح المواطن عند أنظمته يعامل معاملة العبيد.
ومع بدء صيحات الحرية أيقنت الأنظمة أن تلك الجماهير تهدد مصالحها، فكان الرد على المنتفضين بالحديد والنار، وزجّوا كل ترساناتهم العسكرية والأمنية المكدّسة لقمع مطالب شرعية، تكفلها الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية الدولية، فأصبحت الجيوش -التي من المفترض أن تحمي المواطن- عدوًا في وجهه، والرئيس العربي هو من قلب الموازين، وغيّر عقيدة جيشه.
نحن كشعوب ما أردنا إلا ربيعًا زاهيًا، نحلم بأبسط حقوقنا المشروعة، وبالديمقراطية التي صدعت بها رؤوسنا أنظمتنا الديكتاتورية ذاتها، وبالعدل الذي نسمع عنه في شعارات أنظمتنا ودساتيرها، وبأن الوطن للجميع، وليس لفئة دون أخرى.
نحن الجماهير ما أردنا لنفسنا التشرد واللجوء والقهر والاعتقال، ولا اخترنا أن نُقتل تحت التعذيب، ولكن هذا ما أراده حكامنا على رقابنا، وأرادوا أن يختتموا أفعالهم بإنهاك الوطن وتدميره، تحت سياسة “نحن أو الخراب والإرهاب”.
وهذا الحال ليس من اليوم بل من خمسين عامًا، وصدق الراحل السوري نزار قباني في وصف حال المواطن العربي بقصيدته الشهيرة “الخطاب”، وهذا جزء من القصيدة:
أيّها السّادة: إني وارث الأرض الخراب
كلّما جئت إلى باب الخليفة
سائلًا عن شرمِ الشيخِ وعن حيفا..
ورام الله والجولان أهداني خطاب
كلّما كلّمته جل جلاله
عن حزيران الذي صار حشيشًا.. نتعاطاه صباحًا ومساء
واحتفالًا مثل عيد الفطر، والأضحى، وذكرى كربلاء
ركب السيّارة المكشوفة السقف.. وغطّى صدره بالأوسمة
ورشاني بخطاب.
فمنذ خمسين عامًا وهذا حالنا، نعامل بالاستعلاء والشعارات، فلا تحمّلوا الشعوب هذا الذنب القبيح، يكفيها ما نالته من الاستبداد والأسى.