عنب بلدي – مراد عبد الجليل | يامن مغربي
بتوجهات سياسية- اقتصادية جديدة ترسم سياسة الاتحاد الأوروبي في سوريا وتختلف عن النسختين السابقتين، أسدل الستار عن فعاليات مؤتمر بروكسل حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” بنسخته الثالثة، والذي انعقد بين 12 و14 من آذار الحالي، ليخرج بتعهدات مالية وصلت إلى سبعة مليارات دولار.
المؤتمر عقد بحضور 78 وفدًا من بينهم 56 دولة و11 منظمة إقليمية ومؤسسات مالية دولية و11 وكالة تابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت الذي غاب فيه السوريون سياسيًا، سواء من النظام أو المعارضة، حضرت بقوة منظمات المجتمع المدني السوري في جلسات مغلقة على هامش المؤتمر لتبادل وجهات النظر حول مستقبل سوريا والعملية السياسية في جنيف.
وعلى الرغم من أن الهدف العام الذي عقد لأجله المؤتمر هو تقديم مساعدات إنسانية للسوريين في الداخل والخارج، إلا أنه حمل رسائل سياسية، للنظام وداعميه، وخاصة روسيا، قد ترسم ملامح مرحلة جديدة بين الدول الأوروبية من جهة وبين موسكو من جهة أخرى، والتي تحاول ابتزاز الأوروبيين في قضية اللاجئين لإعادة تعويم النظام.
وإلى جانب ذلك كشف انعقاد المؤتمر الهوة بين منظمات المجتمع المدني على كامل الجغرافيا السورية، إذ حضرت المنظمات المؤتمر دون أهداف تسعى إلى تحقيقها أو رؤية واضحة تجاه سوريا المستقبل.
أوروبا تقف في وجه الابتزاز الروسي
“بروكسل 3” يكرس جنيف
وبالرغم من انعقاد النسخة الثالثة من المؤتمر، بالتزامن مع مسار “أستانة”، لم يتخذ سمة المسار، وبقي مؤتمرًا سنويًا يعقد بالتوافق مع الأمم المتحدة وبحضور مبعوثها الخاص إلى سوريا ويشغله حاليًا، غير بيدرسون، لأن الاتحاد الأوروبي يرفض المسارات الجانبية التي تضعف الأمم المتحدة، بحسب ما قال مدير عام اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبيةUSSOM) )، زيدون الزعبي، الذي اعتبر أن بروكسل رد على المسارات الجانبية (أستانة وسوتشي) ومخرجاتها.
المؤتمر الذي عقد، بضيافة البرلمان الأوروبي ومشاركة ورئاسة الأمم المتحدة، حمل في طياته شقين، الأول كان إغاثيًا إنسانيًا ونتج عنه “سخاء استثنائي” لصالح البلدان المجاورة لسوريا، بحسب ما ذكر البيان الختامي للمؤتمر الصادر في 14 من آذار 2019، من خلال تعهد الدول المشاركة بسبعة مليارات دولار أمريكي، وهو ما يفوق تعهدات “بروكسل 2” التي بلغت حوالي ستة مليارات دولار، أما الشق الثاني فكان ذا طابع سياسي بتوجيه رسائل إلى النظام وداعميه إضافة إلى الدول الراعية لمسار محادثات “أستانة” (تركيا وروسيا وإيران).
الرسالة السياسية أطلقتها الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فريدريكا موغريني، عندما صرحت قبل انعقاد الجلسة الختامية للمؤتمر، أن “الاتحاد الأوروبي سيكون مستعدًا لتوفير الأموال اللازمة لإعادة إعمار سوريا، ومناقشة الأمر مع البنك الدولي، عندما تبدأ العملية السياسية في جنيف”، في تأكيد على محادثات “جنيف” بين الأطراف المتصارعة في سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلغاء كل من محادثات “أستانة” و”سوتشي”.
وخلال رصد عنب بلدي للبيانات الصادرة عن المؤتمر خلال نسخه الثلاث الماضية، اتضح أن البيان الحالي خلا من ذكر “أستانة” أو الحديث عنه أو دعمه، على خلاف النسختين السابقتين، إذ أكد بيان “بروكسل 1” في 2017، أن “اجتماعات أستانة تملك إمكانية أن تلعب دورًا حاسمًا في توطيد وتعزيز وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، بضمان من قبل روسيا وتركيا ومشاركة إيران، ويجب أن تعمل إسهامات اجتماعات أستانة على تكامل جهود فرق عمل جنيف”، أما في “بروكسل 2” في 2018 فأكد المشاركون على دعمهم لمجموعة العمل التي شكلها ضامنو “أستانة” فيما يخص المعتقلين.
وجاء انعقاد المؤتمر عقب حدثين اقتصاديين، أوصلا رسالة قوية للأسد وداعميه، الأول فرض عقوبات جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي على وزراء في حكومة النظام السوري، في 4 من آذار الحالي، والثاني كان موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون “قيصر”، مطلع شباط الماضي، الذي يفرض عقوبات على شخصيات رفيعة المستوى في النظام والدول الداعمة له.
واعتبر الزعبي أن فرض عقوبات اقتصادية جديدة وجه رسالة، ليس إلى النظام فقط، وإنما إلى روسيا، مفادها أن العقوبات ستبقى وهي قضية أساسية، إضافة إلى أن التعهدات المالية حملت رسالة بأن قضية اللاجئين ليست لابتزاز الاتحاد الأوروبي المستعد للتعاون مع الدول المستضيفة لهم (دول الجوار وأوروبا) وتقديم تعهدات مالية، طالما أن المطالب بإحداث تغيير سياسي كبير في سوريا لم تحدث.
وأشار الزعبي إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يملك جغرافيا مشتركة مع سوريا، أو قوى عسكرية على الأرض، وليس لديه سوى المسار الاقتصادي من أجل لعب دور أساسي في مرحلة انتهاء الحرب وإعادة الإعمار والتنمية في سوريا.
لا إعادة إعمار دون حل سياسي مستدام
وتبع تصريح موغيريني إصدار البيان الختامي، وأكد أن “الحل المستدام للصراع في سوريا لا يمكن أن يستند إلا إلى بيان جنيف 2012″، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وجاء البيان نتيجة الاستشارات التي قام بها الاتحاد مع منظمات المجتمع المدني السوري المستقلة المشاركة، على مدار الشهرين الماضيين، وبناء على المداخلات التي ألقيت خلال المؤتمر، بحسب ما قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله.
وتحدث العبد الله لعنب بلدي عن موقفين “جيدين” للمؤتمر وتصريحات موغريني، من وجهة نظره، الموقف الأول هو أن مسألة إعادة اللاجئين السوريين ليست مطروحة على طاولة الاتحاد الأوروبي، ولا توجد خطة لإعادتهم بالقوة، باستثناء من يرغب بالعودة بشكل منفرد، “فهذا حقه ولن يمنعه أحد”، أما الأمم المتحدة فلن تشارك في إعادتهم، “ومن هنا يكون ملف الاستثمار والبازار بعودة اللاجئين الذي تعمل به روسيا والنظام قد انتهى وأغلق”.
أما الموقف الثاني فيرتبط بملف إعادة الإعمار في سوريا، وأن الأموال والتعهدات التي قطعت في بروكسل لإعادة الإعمار تشترط أن تكون هناك عملية سياسية يحصل فيها تقدم، والعملية هي “جنيف” وليست “أستانة” أو “سوتشي”، الأمر الذي كرس مسار “جنيف” تحت غطاء الأمم المتحدة.
وجاء الموقفان، بحسب العبد الله، ردًا على تصريحات النظام وروسيا ورفضًا للرواية الرسمية، التي تقول إن “النظام انتصر والمعارضة انهزمت، وعلى الأوروبيين التعامل معه بواقعية والبدء باستثمار إعادة الإعمار وضرورة عودة اللاجئين لإعمار بلدهم، لذلك جاءت رسالة الاتحاد الأوروبي أساسية، بعدم قبول الابتزاز الروسي، وأن الاتحاد ليس على عجلة لترحيل اللاجئين السوريين، بل على العكس سيعزز ويدعم الدول المستضيفة للاجئين في تركيا والأردن ولبنان عبر تقديم التعهدات المالية”.
ردود فعل غاضبة.. النظام يرفض وتناقض لبناني
لاقى انعقاد المؤتمر ومخرجاته انتقادًا من قبل النظام السوري وداعميه، إضافة إلى تناقض في تصريحات المسؤولين اللبنانيين، الذين فتحوا خطوطًا مع دمشق في محاولات للضغط على اللاجئين للعودة.
النظام السوري يدين
أدان النظام السوري “بشدة” مؤتمر “بروكسل 3″، متهمًا الاتحاد الأوروبي بالتسييس المتعمد للشأن الإنساني، ومحاولات استغلاله لإطالة أمد الأزمة السورية بحسب ما قال مصدر في وزارة الخارجية والمغتربين لوكالة الأنباء السورية (سانا)، في 15 من آذار الحالي.
واعتبر البيان أن الاتحاد الأوروبي شريك بشكل رئيسي في الحرب على سوريا، خاصة من جهة العقوبات “أحادية الجانب”، وأن الهدف من المؤتمر هو “إطالة الأزمة”، معتبرًا أن المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري طيلة السنوات الماضية يتباكون في خطاباتهم على اللاجئين وهو ما يثير السخرية والغضب.
روسيا: لا للتسييس
أعربت موسكو، في بيان صادر عن مركز التنسيق الروسي- السوري، عن أملها في عدم تسييس التبرعات، وتوجيه الأموال التي تعهدت بها الدول “لإرساء السلم”، معتبرةً أن دمشق مستعدة للعمل بشفافية كاملة بما يخص إنفاق هذه الأموال.
منظمات تطالب برفع العقوبات
أصدرت مجموعة من الجمعيات الأهلية والمدنية، والتي تعمل في مناطق تحت سيطرة النظام السوري، ورقة توصيات للاتحاد الأوروبي “بهدف الانتقال إلى واقع أفضل” فيما يتعلق بالمؤتمر بحسب ما نشرت صفحة “حركة البناء الوطني” عبر “فيس بوك”، في 14 من آذار.
وجاءت في التوصيات مجموعة من النقاط منها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من الاتحاد الأوروبي على سوريا، والعمل على مشاريع التنمية إضافة إلى تأمين عودة اللاجئين بكرامة إلى مناطقهم والعمل على ملف المعتقلين.
كما قاطعت هذه المنظمات المؤتمر وأطلقت “حملة مناصرة” لرفع العقوبات الاقتصادية وعدم تسييس الملفات الإنسانية.
لبنان.. “بروكسل 3” يمر بـ “فلتر” الصراع السياسي
أما في لبنان فقد تواصلت ردود الفعل المتناقضة تجاه المؤتمر، خاصة أن ورقة اللاجئين السوريين تدخل ضمن الصراعات السياسية بشكل مباشر.
وفي الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، على وجوب عودة آمنة للاجئين السوريين وهاجم النظام السوري في كلمته التي ألقاها في المؤتمر، هدد وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، أن عدم عودة اللاجئين السوريين يعني انهيار الحكومة في لبنان.
وتأتي هذه التصريحات بعد عدم دعوة وزير النازحين اللبناني، صالح الغريب، لحضور “بروكسل”، والذي استبق المؤتمر بزيارة إلى دمشق وتصريحات تتوافق مع رواية النظام السوري في ملف إعادة اللاجئين.
حضور قوي لمنظمات المجتمع المدني
اللافت في مؤتمر “بروكسل 3” كان تعدد وتنوع منظمات المجتمع المدني السوري المستقلة المشاركة، من داخل سوريا وخارجها، والتي تعمل على مواضيع مختلفة من حقوق الإنسان واللاجئين والمواضيع الإنسانية والطبية والإغاثية، وأسهمت في إصدار البيان الختامي الذي جاء معاكسًا لبيان “مؤتمر بروكسل 2″، العام الماضي، والذي تبنى نظرة أقرب إلى مطالب المنظمات القادمة من مناطق سيطرة النظام.
وكان بيان “المجتمع المدني” الذي ألقاه المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في مؤتمر “بروكسل 2″، في 25 من نيسان 2018، أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السورية وانتقادًا من قبل ناشطين سوريين معارضين، بسبب احتوائه على ما وصفوه ببنود ومطالب مخالفة للواقع السوري واحتوائه على مصطلحات يستخدمها النظام السوري، مثل “رفض كل الاحتلالات وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي”، والحديث عن خروج جميع الميليشيات الأجنبية من سوريا، دون ذكر أسماء، وضرورة تفعيل قنصليات سوريا في بلدان اللجوء، بما يصب في تسهيل أمور اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى مطالب أخرى برفع العقوبات الاقتصادية عن النظام لحل الأزمة المعيشية التي يعاني منها المواطن السوري في الداخل.
واعتبر العبد الله أن حضور منظمات المجتمع المدني المستقلة في “بروكسل 3” كان متوازنًا، ولم تكن الأغلبية من المنظمات العاملة في مناطق سيطرة النظام “الحاملة لرؤيته”، الأمر الذي منع إصدار بيان “سخيف” مثل بيان “بروكسل 2” الذي لم يحقق أدنى مطالب للسوريين، بحسب تعبيره، مشيرًا إلى أن الضغط والاستشارات المبكرة التي حصلت قبل انعقاد المؤتمر، أدت إلى تعدد المنظمات والتنوع فيها، وبالتالي كان هناك حضور لا بأس به من المنظمات المستقلة التي كان هدفها ليس المعارضة السياسية، وإنما هدفها الضحايا السوريون في المقام الأول.
وتحدث زيدون الزعبي عن نوعين من منظمات المجتمع المدني حضرت المؤتمر، منظمات حضرت تحت ضغط مفاعيل بيان “بروكسل 2” وسط ضغوط كبيرة وخشية من تكرار المسألة (هي منظمات من خارج سوريا)، ومنظمات حضرت من مناطق سيطرة النظام وجاءت عقب تشديد العقوبات الأوروبية وحدوث أزمة اقتصادية كبيرة، يعزوها النظام نفسه بشكل حصري للعقوبات الاقتصادية.
منظمات ترفض “دور الكومبارس”
وخلال المؤتمر قاطع ممثلو منظمات المجتمع المدني القادمون من مناطق سيطرة النظام جلسات الحوار، وعبروا عن احتجاجهم، واعتبروا أن هناك عملية تمييز بين المنظمات العاملة في الداخل السوري والعاملة في الخارج من حيث نسبة المشاركين وإعطاء الفرصة للحديث.
وأرجع زيدون سبب انسحاب تلك المنظمات إلى اتخاذ المؤتمر سمة معادية للنظام وتشديد العقوبات، وبالتالي هذه المنظمات تعرضت لضغوط كبيرة، واتهامات لبعض الأشخاص المشاركين بالخيانة بسبب مشاركتهم مع الأوروبيين الذين يشددون العقوبات الاقتصادية على سوريا والمواطنين (من وجهة نظر مؤيدي النظام).
وقال الزعبي إن المقاطعة جاءت لإيصال رسالتين، الأولى إلى النظام بعدم قبول أي قرارات تمرر في بروكسل، والرسالة الثانية إلى الاتحاد الأوروبي بأنه لا يمكن لهذه المنظمات أن تلعب “دور الكومبارس”، مشيرًا إلى استعمال شخصيات من هذه المنظمات لهذا المصطلح بكثرة وأنهم إذا لم يكونوا موجودين بشكل واضح وجلي فلن يحضروا.
أما العبد الله فاعتقد أن انسحاب المنظمات القادمة من مناطق النظام السوري جاء بسبب عدم قدرتها على تمرير وإصدار بيان مثل بيان “بروكسل 2” تطالب فيه برفع العقوبات الاقتصادية، لكن زخم المنظمات المستقلة والتحضير المتوازن للمؤتمر والكلمات التي ألقيت فيه والتي ركزت على الإغاثة واستهداف المنشآت الطبية، حال دون ذلك، فلم يجد ممثلو تلك المنظمات والقريبون من رؤية النظام السوري سوى مقاطعة غرفة المجتمع المدني.
واستبعد العبد الله أن تكون المقاطعة نتيجة ضغط من قبل النظام، لكنه يرى أن الممثلين الحاضرين من داخل مناطق النظام مقربون منه ويعملون في فلكه، مشيرًا “للأسف لا توجد منظمة مستقلة تعمل داخل مناطق النظام، مثل الهلال الأحمر السوري، التي هي منظمات مستقلة في كل دول العالم، لكن في سوريا هي تحت سيطرة أجهزة الأمن ولا يستطيع موظفوها أو رئيسها، حتى لو كان متعاطفًا مع الضحايا، أن يتبنى وجهة نظر غير وجهة النظر الرسمية في العلن”.
المجتمع المدني دون رؤية.. الأجنبي يجمعه
شرخ يتسع بين المنظمات السورية
وكشف المؤتمر الهوة الكبيرة بين منظمات المجتمع المدني السوري كافة، وعدم قدرتها على وضع الملف السياسي جانبًا وتحديد رؤية واضحة تجاه مستقبل سوريا.
وتنقسم المنظمات السورية العاملة إلى ثلاث مجموعات، منظمات موجودة بشكل أساسي في مناطق المعارضة بالشمال السوري وجزء كبير منها يوجد في تركيا، ومنظمات في مناطق خاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، ومعظمها تعمل من أوروبا أو كردستان العراق، إضافة إلى المنظمات العاملة في مناطق سيطرة النظام السوري وتعمل من العاصمة دمشق أو من لبنان.
والتعاون بين هذه المنظمات لم ينقطع لكنه تعرض إلى “رضة كبيرة” سببها السياق السياسي، بحسب تعبير الزعبي، الذي وجه لومًا كبيرًا إلى كل المنظمات السورية لعدم وجود صلة وصل بينها خارج إطار الاجتماعات التي تقيمها الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وانتظار الدعوات من أجل الاجتماع مع بعضها، مؤكدًا خطورة ذلك.
وقال الزعبي إن هناك اجتماعات تجري في بيروت أو أوروبا بين شخصيات (منظمات) تعمل في جميع مناطق سوريا، لكن هذه اللقاءات لا تكون من أجل التحضير لاجتماعات دولية مثل بروكسل أو جنيف، وتنتظر طرفًا ثالثًا، غير سوري، يدعوها لاجتماعات، لتتوجه إلى هذه الاجتماعات برسائل متناقضة وبكلام غير موحد ودون وجود أجندة حقيقية.
ولم يضع الزعبي اللوم على الطرف الثالث سواء كان الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وإنما وجهه نحو السوريين من كل الأطراف، متسائلًا لماذا ينتظر السوريون طرفًا ثالثًا للاجتماع؟ ولماذا لا يجتمعون خارج أوقات بروكسل أو جنيف من أجل تحديد أجندتهم وحمل رسائل منسقة حتى لو كانت مختلفة فيما بينها، معتبرًا أن عدم حصول ذلك يؤدي إلى خلافات شديدة بين هذه المنظمات.
وحول تحكّم النظام السوري ببعض المنظمات في الداخل وعدم قدرتها على الاجتماع مع باقي المنظمات وخاصة العاملة في مناطق المعارضة، أكد الزعبي أنه لا يوجد شيء يمنع من اجتماع هذه المنظمات، من أجل تحديد الأجندة والتوافق عليها قبل أي اجتماع دولي، مشيرًا إلى أن هناك منظمات داخل النظام تجتمع مع بقية المنظمات، في بيروت أو عن طريق “سكايب” أو في بروكسل، لذلك لا يوجد مانع من اجتماعهم.
وأشار مدير عام منظمة “USSOM” إلى أن الخلط في المفاهيم والمصطلحات حول منظمات الداخل والخارج زاد من الهوة بينهما، قائلًا “للأسف أصبح الداخل يعني كل الأطراف القادمة من طرف النظام السوري، والخارج كل الأطراف القادمة من تركيا، وهذ المصطلح مؤذٍ بشكل كبير لمن جاء من دمشق ولمن جاء من تركيا، ولمن جاء من إدلب”.
ويعتقد الزعبي أن استخدام مصطلح “الداخل”، الذي يجب ألا يعبر عن دمشق فقط، زاد من حدة الاستقطاب وزاد من البعد وتوسيع الهوة بين منظمات المجتمع المدني المعارضة والمنظمات التي لا تصنف نفسها معارضة للنظام.
وحول غاية منظمات المجتمع المدني السوري كافة من حضورها لمؤتمر بروكسل، أكد الزعبي أن المنظمات لم يكن لديها هدف معلن من حضورها، ولا أحد يعرف ماذا تريد وما غايتها، مشيرًا إلى أنه ما لم تحدث مبادرة من داخل المجتمع المدني السوري للاجتماع خارج إطار جنيف أو بروكسل “لن نصل لمكان ولن يتم بناء رؤية مشتركة، وسنبقى ننتظر الأجنبي من أجل جمعنا”.
تعهدات مالية قد لا تُدفع
الشق الثاني من المؤتمر، كان متعلقًا بالجانب الاقتصادي والمبالغ المالية التي تم التعهد بها من الدول، وعلى الرغم من إعلان الأمم المتحدة حاجتها إلى تسعة مليارات دولار من أجل تغطية حاجات السوريين في 2019، تم جمع سبعة مليارات دولار، وكان لألمانيا الحصة الأكبر من التبرعات، إذ تعهدت بتقديم 1.44 مليار يورو لدعم الشعب السوري، في حين تبرع الاتحاد الأوروبي كمؤسسة بمبلغ ملياري يورو، وتعهدت بريطانيا بتقديم 464 مليون يورو والنمسا بتسعة ملايين دولار.
كما شهد المؤتمر عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم الدعم بعد امتناعها في “بروكسل 2″، إذ أعلنت عن تقديم نحو 397 مليون دولار للشعب السوري، توزع على الشكل التالي: 135 مليون دولار للسوريين في الداخل، 97 مليون دولار للسوريين في لبنان، 57 مليون دولار في الأردن، 81 مليون دولار في تركيا، 18 مليونًا في العراق، ستة ملايين في مصر، ثلاثة ملايين كدعم “إقليمي” للسوريين.
وقال مدير مكتب تركيا وشمال سوريا لـ “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز)، الدكتور مازن كوارة، إن هذه التعهدات للاجئين والسوريين داخل سوريا وخارجها، من أجل تغطية كل الاحتياجات، لكن هذه الأرقام ليست مبالغ دفعت وإنما هي التزامات تعهد المانحون بها وليس بالضرورة دفعها كاملة، مثلما جرى العام الماضي عندما تعهدت الدول بجمع ستة مليارات دولار لكن تم جمع 60% منها فقط.
وهذه المبالغ هي استجابة إنسانية لمساعدة اللاجئين، وهي غير الأموال التي يمكن التعهد بها من الدول لدعم القطاعات الأخرى غير الإنسانية، مثل دعم الاستقرار أو أموال إعادة الإعمار.
ويتم تقييم الاحتياجات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة عن طريق مشروع يطلق عليه (Humanitarian Needs Overvie” (HNO” بشكل سنوي، وهذا المشروع تم العمل عليه من أواخر 2018 وصدر مطلع 2019، وتبنى عليه خطة الاستجابة الإنسانية ومقدار الحاجة للموارد.
وأكد كوارة أن هذه المبالغ يتم توزيعها بحسب عدد السكان في المناطق، وحاليًا غالبية السكان موجودون في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، ويتم توزيعها عبر الأمم المتحدة وجزء منها عن طريق المؤسسات الدولية، أما فيما يخص مناطق المعارضة فيتم أيضًا عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الناشطة في مناطق المعارضة أكثر من النظام.
وأشار كوارة إلى أن أبرز القطاعات التي يجب دعمها والتركيز عليها خلال العام الحالي في شمالي سوريا هو قطاع التعليم، وهو قطاع مظلوم ومن أخطر القطاعات إذا تم التقصير فيه، إضافة إلى قطاع المأوى (السكن) لأن أكثر من نصف سكان الشمال هم من النازحين وأكثر من مليون و200 ألف يعيشون في المخيمات بظروف صعبة.
كم يصل من الأموال إلى السوريين
توجه اتهامات متكررة إلى المنظمات الأممية العاملة في الإغاثة من قبل سوريين حول الرواتب العالية التي يتقاضاها المسؤولون والعاملون في هذه المنظمات، خاصة أن المصاريف التشغيلية تقتطع من التعهدات المالية المخصصة من الدول، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض حجم الأموال التي تصل إلى المستفيدين.
لكن كوارة ربط نسبة الأموال التي تصل إلى المستفيدين بالقطاع المعمول به، فإذا كان القطاع يقوم على التوزيع، مثل قطاع الأغذية أو المواد الصحية والتنظيف، فهو لا يحتاج إلى جهود بشرية أو تكاليف إدارية “تأكل التمويل”، فالمبالغ المالية التي تصل إلى المنظمات تقتطع منها مصاريف تشغيلية وإدارية للموظفين، في حين تتحول بقية الأموال إلى مواد يتم توزيعها على المستفيدين.
أما القطاع الذي يعتمد بشكل أساسي على الكادر البشري والإنسان، كالقطاع الطبي مثلًا، فيحتاج إلى دفع مبالغ مالية لكوادر بشرية طبية من أجل علاج المستفيدين، الذين قد يصل عددهم يوميًا إلى 100 شخص، معتبرًا أن النسب تتفاوت بحسب القطاع.
وأكد كوارة أنه غير راض عن النسب الإدارية الضخمة التي تقتطعها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إذ إن النسب التي يتم اقتطاعها كمصاريف إدارية عالية، لكنه اعتبر ذلك “مرضًا عامًا” على مستوى العالم وليس خاصًا بسوريا فقط.
وأشار كوارة إلى أن دفع النسب العالية يكون بمعرفة المانحين والدول التي تتعهد بالأموال، وهذا ما يجهله من يطلق أحكامًا على العاملين في المنظمات بأنهم “حرامية”، وهذا ليس صحيحًا، إذ تقتطع هذه النسب العالية بمعرفة الدول المانحة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :