مراجعة ميس ناصيف
“لطالما كنت أسعد برسالة أكثر من طرد من الطعام.. كان كل شيء على ما يرام، فهذا شهري الثامن والثلاثون في السجن”.
يتناول كتاب “هروبي إلى الحرية” مجموعة من التأملات والخواطر، تحدث فيها الكاتب علي عزت بيجوفيتش عن معنى الحرية، حرية الفكر والروح، حتى وإن كان الجسد حبيس الجدران.
ينقلنا الكاتب في رحلة وجدانية وفكرية شيقة في رحاب العقل والروح والتجارب الأدبية العالمية، يتوقف الكاتب فيها عند هيغل وهيدغر، ويأخذك إلى عوالم شكسبير وميلان كونديرا وهيرمان هسه، ويطوف بك مع القرآن الكريم، ويقتبس من روايات ديكنز وبلزاك، ويعبّ من الأدب الروسي، ويستشهد بنبالة دون كيشوت، ويتفكّر في جحيم دانتي.
تمت محاكمة علي عزت في محكمة سراييفو بتهم مختلفة، منها خلفية لكتابه (الإعلان الإسلامي)، ومنها تنظيم زيارة للمؤتمر الإسلامي في إيران، ومحاول نقل أفكار الثورة الإسلامية الإيرانية للبوسنة، وحكم تسع سنوات، وتم الإفراج عنه بعد أن قضى خمس سنوات في سجن فوتشا (1983-1988).
يتألف الكتاب من 470 صفحة، ويتضمن 3676 ملاحظة، موزعة على ستة فصول، كتبت على شكل موضوعات منفصلة ومرتبة بتسلسل تاريخي حسب الأيام التي عاشها بيجوفيتش داخل السجن. تتضمن الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب خواطر وأفكارًا حول الناس والحرية والأخلاق والسياسة، وتعتبر تحليلاته لمسألة الدين والأخلاق موضوعية، فالدين على مر العصور يساء استعماله وتطبيقه من قبل البشر، وإن الالتزام الحقيقي هو ذاك النابع من الممارسة الواعية للأخلاق.
وتضمن الفصل الرابع إضافات لكتابه (الإسلام بين الشرق والغرب) من أفكار وتوضيحات، وفي الفصل الخامس والسادس تنبيهات على بعض الحقائق عن النازية والشيوعية وحول الإسلام، والتي كان يستخدم فيها رموزًا لتدوين الكلمات الأكثر حساسية، منها: الإسلام- الشيوعية- الحرية- السلطة.
الفصل الأخير من الكتاب كان رحلة مؤثرة في أجواء عائلة السجين، لم تكن كلها رسائل مشاعرية درامية، بل كانت أمتع بحكايات الأسرة المتماسكة، إذ تدرك من خلالها مَن هو ذلك الشخص السجين الكاتب الإنسان.
“الأدب هو هروبي الثقافي إلى الحرية”، يقول بيجوفيتش، لكنه كان أيضًا يجد في تلك الرسائل الرقيقة الناعمة التي تصله بأفراد أسرته، هروبه العاطفي، وبسببها قاوم قسوة الأوضاع بصبر وثبات، فجاء الكتاب وليد تفكير بالحرية الجسدية منها والداخلية، تفكير بالحياة والمصير والناس والحوادث، تفكير بكل ما يخطر على بال سجين خلال ألفي يوم وليلة.
علي عزت بيجوفيتش، ولد عام 1925، أول رئيس جمهوري للبوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب في البوسنة، وهو ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي، مؤلف لعدة كتب أهمها “الإسلام بين الشرق والغرب”.
ولد في مدينة بوسانا كروبا البوسنية، لأسرة بوسنية عريقة في الإسلام، واسم عائلته يمتد إلى أيام الوجود التركي في البوسنة، وقد توفي عام 2003.