أمريكا تحاول تمرير سيادة إسرائيل على الجولان
عنب بلدي – خاص
في أيلول 2018 كشف وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، عن رسالة “سلام” مع إسرائيل كتبها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عام 2010، وأرسلها آنذاك لنظيره الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، وقال كيري في المذكرات، التي نشرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، حينها، إنه عرض الرسالة على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي “فوجئ” بأن الأسد قدم تنازلات أكبر مقارنة مع المفاوضات السابقة.
وشهدت تلك الفترة، التي تحدث عنها كيري، محادثات أمريكية- سورية “غير مسبوقة”، لكن دون التوصل إلى أي اتفاق أو تفاهمات بموضوع مرتفعات الجولان المحتلة، وبحسب كيري جاء في الرسالة، “سوريا مستعدة لاتخاذ جملة من الخطوات مقابل إعادة الجولان من إسرائيل”.
يبدو أن الوضع قد تغير حاليًا بشكل جذري، وخرج عما كان من الممكن رسمه سابقًا، لا سيما أن تغريدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 21 من آذار الحالي، هزّت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المستقرة منذ فترة طويلة بشأن مرتفعات الجولان، وأعطت مشهدًا جديدًا بشأن الجولان ينحصر فقط بين طرفين، الأول هو أمريكا والآخر إسرائيل، بعيدًا عن مبدأ “الأرض مقابل السلام”.
وكان ترامب قال في تغريدة مفاجئة عبر حسابه في “تويتر”، إنه حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، وجاءت هذه الخطوة مع قرب الانتخابات الإسرائيلية، التي يسعى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جاهدًا إلى حشد عدد كبير من الأصوات لصالحه، الأمر الذي يضع في رصيده “هدية” كبيرة ومفاجئة قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بدء الانتخابات.
وإلى جانب الشق السياسي، تعتبر مرتفعات الجولان قطعة جغرافية “ثمينة” بالنسبة لإسرائيل، ومن شأن ضمها بشكل كامل والاعتراف بهذه الخطوة إعطاء شرعية على “الدولة” التي تحاول إسرائيل تصديرها.
احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان التابعة لسوريا في حرب 1967، ونقلت بعدها مستوطنين إلى المنطقة ثم أعلنت ضمها إليها في 1981، في إجراء لم يلقَ اعترافًا دوليًا.
أهمية سياسية واستراتيجية
استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان من سوريا في المراحل الأخيرة من “حرب الأيام الستة” (نكسة حزيران) عام 1967.
وفي عام 1981 ضمت إسرائيل الجولان من جانب واحد، ولم يتم الاعتراف بهذه الخطوة دوليًا.
يوجد في الجولان أكثر من 30 مستوطنة يهودية، مع ما يقدر بنحو 20 ألف مستوطن، كما يوجد حوالي 20 ألف سوري في المنطقة، معظمهم من الطائفة الدرزية، بحسب تقرير لشبكة “BBC” البريطانية، ترجمته عنب بلدي.
وتعتبر المرتفعات بالنسبة لإسرائيل موقعًا ممتازًا لمراقبة التحركات السورية، وتوفر التضاريس عازلة طبيعية ضد أي قوة دفع عسكرية من سوريا.
وتعد المنطقة أيضًا مصدرًا رئيسيًا للمياه لمنطقة قاحلة، إذ تتساقط مياه الأمطار من مستجمعات الجولان في نهر الأردن، وتوفر المنطقة ثلث إمدادات المياه الإسرائيلية.
ومن النقاط الاستراتيجية التي تتميز بها مرتفعات الجولان هي أنها تقع على بعد 31 ميلًا من غرب دمشق، وتطل على كل من: جنوب لبنان، وشمال إسرائيل، وجزء كبير من جنوب سوريا.
وتعرف المنطقة بخصوبة أرضها، وتستخدم التربة البركانية لزراعة الكروم والبساتين وتربية الماشية، والشيء الذي تجدر الإشارة إليه هو أن الجولان منتجع التزلج الوحيد في إسرائيل.
وفي تصريحات سابقة للسيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، قال إن “التخلي عن هذه الأرض (الجولان) سيكون كابوسًا استراتيجيًا لدولة إسرائيل”، إذ توفر “منصة استراتيجية لمراقبة جنوبي سوريا، وصولًا إلى دمشق وما وراءها”.
ووصف غراهام إسرائيل، مطلع آذار الحالي، بأنها “شريك استراتيجي” للولايات المتحدة و”أفضل صديق يمكن أن يكون في منطقة مضطربة”.
وإذا اعترفت إدارة ترامب بأن مرتفعات الجولان جزء من إسرائيل، فسيكون ذلك فوزًا سياسيًا لنتنياهو لأنه يواجه حملة صعبة لإعادة انتخابه، ما يعزز فرصه في الحصول على ولاية خامسة كزعيم لإسرائيل.
والمنافس الرئيسي لنتنياهو في الانتخابات هو رئيس الأركان السابق لجيش الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتز، الذي زار مرتفعات الجولان، منذ أسبوعين، مع اثنين من رؤساء الأركان السابقين، ووعد بأن إسرائيل “لن تتخلى عن مرتفعات الجولان”.
هل احتلال الجولان قانوني؟
احتلال إسرائيل لهضبة الجولان غير قانوني بموجب القانون الدولي، ومن المهم تذكر ثلاثة قرارات حاسمة أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأول قرار مجلس الأمن 242 (1967)، وقرار مجلس الأمن 338 (1973)، وقرار مجلس الأمن الدولي 497 (1981).
في الفقرة الأولى، يدعو قرار مجلس الأمن 242 بوضوح إلى “انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية” من الأراضي المحتلة في حرب الأيام الستة، بمعنى شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
ويدعو قرار مجلس الأمن رقم 338، الذي أُقر خلال حرب “يوم الغفران”/رمضان جميع الأطراف المعنية إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 “بجميع أجزائه”.
لكن قرار مجلس الأمن رقم 497 يمضي إلى أبعد من ذلك، ويبرز بشكل صريح عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، ويقول “إن قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ ودون أي أثر قانوني دولي”.
وبحسب ما ترجمت عنب بلدي عن موقع “Theconversation” البريطاني، تأمل إسرائيل أن تتمكن من استخدام مناطق مثل مرتفعات الجولان لبدء عملية تفاوض تضفي شرعية ضمنية عليها كدولة.
و”هذا شيء كافح القادة العرب للتعامل معه”، إذ إن أي تنازل محتمل لمطالبة إسرائيل بالدولة يمكن أن يقوض شرعيتها وشعبيتها مع سكانها.
وأشار الموقع إلى أن مرتفعات الجولان تزود إسرائيل بنقاط مراقبة في عمق سوريا.
ترامب ينقذ نتنياهو
إدارة ترامب قريبة جدًا من رئيس وزراء إسرائيل، وتأتي تصريحات ترامب في الوقت الذي يزور فيه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو إسرائيل، ومن المقرر أن يزور نتنياهو أيضًا البيت الأبيض، الأسبوع المقبل.
ويبدو أن سبب هذه الزيارات، وإعلان ترامب واضح جدًا، وفي تقرير نشره موقع “VOX”، اليوم قال فيه إن نتنياهو يواجه انتخابات صعبة، نيسان المقبل.
وأوضح الموقع، بحسب ما ترجمت عنب بلدي، أن نتنياهو يحتاج إلى المساعدة لأنه يمكن توجيه الاتهام إليه قريبًا بتهم الفساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي.
لذلك يأتي إعلان ترامب كـ “المنقذ”، ما يمنح نتنياهو فوزًا كبيرًا يمكن أن يعزز فرصه في الفوز.
“لقد صنع الرئيس ترامب التاريخ”، قال نتنياهو بعد اتصاله مع ترامب ليشكره نيابة عن الشعب الإسرائيلي عقب تغريدة إعلان سيادة إسرائيل على الجولان.
وكانت الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل 118 مليار دولار كمساعدات على مدار الأعوام الماضية، بينما قام نصف أعضاء مجلس الأمن الأمريكي باستخدام حق النقض (الفيتو) بمنع القرارات التي تنتقد إسرائيل.
ورغم هذه العلاقة الوثيقة بشكل أساسي، هناك أحيانًا توترات بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، وخاصةً في عهد إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما.
لكن مع وصول ترامب إلى منصبه الحالي عاد الدفء إلى العلاقات بين الطرفين، وبلغت ذروتها بقرار ترامب، في كانون الأول 2017، بالاعتراف الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :