كتاب نابعٌ من هاجس الثائر، خارج من داخل الأرض السورية ومن كاتبة تعايش حيثيات الثورة بكل صخبها والمخاطر التي تحيط بها؛ «ﻻتخف» صادر عن دار التفكير الحر في بيروت بـ 182 صفحة من القطع الصغير للكاتبة السورية، إيمان محمد من مدينة حمص.
ليس كتابًا من وراء مكتبٍ هادئ أو في فترة تأمل وانعزال عن الناس، وإنما يحاور أسئلة وهواجس منبعها الخوف مثل، أيام الحرب طالت، خلافات لا تنتهي وصفوف ممزقة، خسائرنا تتوالى، لقد ضاع العَرَق والدم اللذَين بُذلا، هلكتنا الثورة، أي سبب يدفعني للاستمرار في الثورة؟.
تنال هذه الهواجس وغيرها من داخل كل سوريٍ ثائر يعايش التحولات الميدانية وﻻ يجد البيئة النفسية والفكرية المناسبة للتفكر بها والجواب عليها، لتأتي الكاتبة إيمان وتدخل هذا الميدان الصعب على النفس البشرية المحاطة بالدمار، وتنتج من مكتبها، المعرَّض بشكل مستمر للرصاص والقذائف وتحطم الأبنية والخسائر البشرية، منهجًا فكريًا روحيًا إيمانيًا يفيض بالعزيمة والهدوء الفكري والثبات الإيماني، كل ذلك يعطي الكتاب ميزة عن سائر الكتب الأخرى.
حوارٌ مع الخوف
وفي حوارٍ مع عنب بلدي، تقول الكاتبة إيمان إن فكرة الكتاب ولدت حين أرادت تقريب الفكرة وتجسيدها بوضوح لتصل دون عناء للقارئ، فكان أن نشأت «فكرة الحوار مع الخوف» ليتاح فهمه أكثر وتتبادل وجهات النظر بشكل أوضح، على حدّ تعبيرها.
في عشرة فصولٍ تواجه الكاتبة الخوف القابع في نفسها كعددٍ كبيرٍ من السوريين، تتنوع المواجهة مرّة بأسلوب حواري بين الخوف، وأمان تتعرف فيه على الخوف، والمنطق الذي يتحكم من خلاله بالنفس البشرية بشكل سلبي لتسلبه حريته وعزيمته وإصراره وتدفعه للاستسلام للظالمين.
وتردّ الكاتبة على الخوف بلسان «أمان» باضطرابٍ في أحد المشاهد وبثقةٍ وإيمانٍ وقيمٍ في مشاهد أخرى؛ حوار يدور داخل مكتبٍ أوبين جدران زنزانة أوعلى خط جبهة ليستمد الحوار تشويقًا وواقعية تلامس القارئ السوري وما يدور في خلده.
«الحرب لم تنته»
ويناقش الكتاب قضية حكم الخوف للمدن قبل الربيع العربي إذ قررت أن تحافظ على الحياة تأكل وتشرب وتنام؛ وفي الوقت الذي يمر فيه الربيع العربي بفترة من الهزائم تقول الكاتبة «لم تحسم الأمور بعد ولا يمكن تقرير الهزيمة طالما هناك شباب يحملون روحًا ثائرة لا تمل ولا تستكين حتى تحقق ما خرجت لأجله».
وبالعودة إلى حمص تردف «حمص لم تنته بعد، لقد كانت لها مراحل قهرت فيها الخوف وتغلّبت عليه، والآن أمامها تحديات كبيرة، ولها أن تختار إما الخضوع والاستعباد لعقود جديدة قادمة وإما كسر القيد مجددًا ومتابعة ما بدأته وأخواتها في سوريا الحبيبة»، مردفةً «لا زالت رحى المعركة تدور.. مدنٌ تنام وأخرى تستيقظ، ولن يكون البقاء في النهاية للأقوى وحسب، بل للأقوى والأصلح».
وعقبت إيمان حول خلوّ المدينة من شبابها «يحزنني أكثر مما يخيفني فقد كانوا روحها ونبضها.. والمدينة ولّادة للأبطال.. الأرحام التي أنجبت أسود الحصار لن تعقم أن تنجب مثلهم ليعمروها بإيمانهم بعد دمار».
تخاطب الكاتبة الصوت الموجود في الشارع والذي يشعر بالحزن والخوف والألم بمنطلق إيماني أخلاقي فكري، لتنتهي لضرورة تعلم شباب الثورة من الفشل ومعرفة أسبابه، ﻻ أن ينهزموا فكريًا ونفسيًا عند أول خسارة، فالتقدم والإنجاز يحتاج لمصابرة وتخطيط وثقة بالله وخوفٍ منه وسعي لإحقاق الحق، وتحثهم «ليجعلوا كامل إرادتهم الحرة لخدمة قضيةٍ تستحق أن تُخدم بكل وسيلة ويجندوا عقولهم بكامل التركيز والفهم لرفعتها، وإصلاح معوجها وتغيير ما فسد.. ولتكون ثورتهم على أنفسهم قبل أي شيء».