عنب بلدي – مراد عبد الجليل
أفرزت سنوات الحرب في سوريا أسماء قد تصنف تحت مصطلح “تجار الحروب والأزمات” بسبب بروزها على الساحة الاقتصادية فجأة وفي ظروف غامضة، وتحولت هذه الأسماء إلى شخصيات ثرية وأصبحت حديث الإعلام دون معرفة داعميها أو من يقف وراءها.
تنخفض خلال الحروب الرقابة والمساءلة القانونية ما يدفع بعض الأشخاص إلى استغلال الظروف، وخلق ثروات بطرق غير مشروعة مستغلين نفوذهم وتقربهم من أصحاب السلطة والدائرة الضيقة الحاكمة.
ومن الأسماء التي تداولها الإعلام السوري، خلال الأسابيع الماضية، وكانت محط جدل بين السوريين، بمختلف توجهاتهم السياسية، لغموضها وبروزها بشكل مفاجئ، هو رجل الأعمال خضر طاهر الملقب بـ “أبو علي خضر”، الذي شاع اسمه بشكل كبير بعد معركته مع وزير الداخلية، محمد خالد رحمون.
“كسر عظم” مع وزير الداخلية
بالرغم من عشرات التقارير الإعلامية التي تناولت أبو علي خضر خلال الأيام الماضية، لا يزال هناك غموض حول داعمه وأعماله، واقتصرت المعلومات الشخصية بحسب ما ورد في مذكرة وزير الداخلية بأن اسمه الكامل خضر طاهر بن علي والدته بديعة وردي، تولد 1976، وينحدر من منطقة صافيتا الشرقية في محافظة طرطوس.
معركتان خاضهما رجل الأعمال، خلال الأسبوعين الماضيين، الأولى كانت مع وزير الداخلية الذي أصدر قرارًا، في 21 من شباط الماضي، طلب فيه منع التعامل مع “أبو علي خضر” أو الاتصال به بأي شكل كان، أو دخوله للوحدات الشرطية أو استقباله لأمور شخصية في الوحدات الشرطية كافة، الأمر الذي أثار سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالب مواطنون بأنه إذا كان الشخص مدانًا فيجب القبض عليه لا أن يمنع التعامل معه.
لكن بعد أسبوعين تراجع محمد خالد رحمون عن قراره بشأن منع التعامل مع خضر، وأصدر قرارًا في 10 من آذار الحالي، ألغى فيه مضمون القرار السابق وطلب إتلافه بعلم قادة الوحدات.
“أبو علي” تمكن من كسب المعركة الأولى على حساب أبرز المنتمين للحلقة الأمنية الضيقة للنظام السوري، فالوزير كان يترأس فرع المخابرات الجوية في المنطقة الجنوبية، والكائن في مدينة حرستا، وهو فرع مسؤول عن محافظات المنطقة الجنوبية (دمشق وريفها ودرعا والقنيطرة، والسويداء)، وأطلقت عليه عدة ألقاب منها “جلاد الغوطة” (نسبة إلى الانتهاكات المنسوبة له في الغوطة الشرقية)، “مسؤول الكيماوي”، “رئيس فرع الموت”، بحسب موقع “مع العدالة” المتخصص بفضح مجرمي الحرب في سوريا.
اتهامه بـ”الإجرام” يثير غضبه
المعركة الثانية التي خاضها “أبو علي” كانت مع قناة “الإخبارية السورية”، عندما تمكن من حذف حلقة من حلقات برنامج “فن الممكن”، الذي تقدمه الإعلامية ربى الحجلي، من قناة “يوتيوب” الخاصة بالتلفزيون، إذ كانت الحلقة تتضمن لقاءً مع رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، والذي وجه اتهامات متعددة لـ “أبو علي”.
اللقاء التلفزيوني كان، في 24 من شباط الماضي، ودار حول مكافحة التهريب داخل مناطق سيطرة النظام، وقال شهابي إن المواد المهربة تدخل من تركيا عبر معابر غير منضبطة يديرها لصوص ورؤوس كبيرة معروفة للدولة السورية.
وأشار الشهابي إلى أن من هؤلاء الأسماء “أبو علي خضر”، واتهمه بأنه يفرض أتاوات على المصانع و”خرب بيت” أصحاب معامل البلاستيك في حلب، ووصفه بأنه “لص ومهرب ومجرم سابق”، معتبرًا أن “مثل هؤلاء أصبحت لديهم ميليشيات ولا تقوى الضابطة الجمركية على مواجهتهم”.
وعقب صدور قرار وزير الداخلية قال الشهابي عبر حسابه في “فيس بوك” إنه “لكل من اعتقد أن زعران المعابر فوق القانون أو أن جهودنا لن تثمر في مكافحة التهريب، هذا اللص المهرب (أبو علي) هو كبيرهم”.
لكن الشهابي حذف المنشور بعد دقائق وكتب ردًا على ذلك،” لسنا مع الإساءة بحق أحد، وليس هدفنا ضبط المهربات عند صغار الكسبة، بل يهمنا القضاء على كبار لصوص مافيا التهريب وتحطيم هذه المنظومة بكل حلقاتها”، ليتجاهل عقب ذلك التساؤلات عن شخصية “أبو علي” التي وجهها له المتابعون عبر حسابه في “فيس بوك.
شركات يديرها وأخرى شارك بتأسيسها
وبحسب ما رصدت عنب بلدي، فإن “أبو علي خضر” يملك عددًا من الشركات ويشارك في تأسيس أخرى، إضافة إلى رعايته لبرنامج “سوا ورح نبقى سوا”، بدلًا من رجل الأعمال السوري، أحمد ربيع عفر، الداعم السابق للبرنامج، والذي يقدم على القناة السورية، وتقوم فكرته على دعم جرحى الجيش وعائلات القتلى، عبر تقديم معونات لهم، وكان آخرها تقديم “بقرتين”، في حلقة 11 من كانون الثاني الماضي.
وبحسب موقع “الاقتصادي” المحلي، فإن “أبو علي خضر” يملك شركة “إيلا” للسياحة، إضافة إلى مشاركته في تأسيس شركة “الياسمين للمقاولات” ويمتلك 90% من نسبة الشركة بقيمة 22 مليونًا و500 ألف ليرة سورية، كما يرأس مجلس إدارة “الشركة السورية للإدارة الفندقية” وهو شريك مؤسس فيها بنسبة 66.66% من حصتها، بقيمة ثلاثة ملايين و333 ألف ليرة سورية.
كما أطلق مطلع العام الحالي شركة “إيما تيل” للاتصالات، وافتتح أول صالة للشركة في أوتوستراد المزة بدمشق، في 23 من شباط الماضي، وسط مخططات لافتتاح عدة أفرع في دمشق (في جرمانا وأبو رمانة والشعلان) وبقية المحافظات وخاصة في حمص وطرطوس واللاذقية وحلب، بحسب ما قال عضو مجلس إدارة الشركة، محمد ديركي.
شركة للحماية الأمنية
ومن أهم الشركات التي يديرها “أبو علي خضر” شركة “القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية” التي تأسست في 2017 كشركة محدودة مسؤولية، بناء على المرسوم التشريعي رقم 55 الصادر عام 2013، والخاص بمنح التراخيص لشركات خدمات الحماية والحراسة الخاصة، وتتبع هذه الشركات بموجب المرسوم لوزارة الداخلية، وتكون الجهة المعنية بها مكتب “الأمن الوطني”.
وتختص في حماية وتأمين المنشآت وتشمل قطاع المنشآت الحيوية (محطات الكهرباء ومحطات الطاقة الحرارية) وقطاع النفط والغاز وقطاع التجمعات الصناعية والمؤسسات المالية والمصرفية، وحماية القوافل والبضائع التجارية على الطرق الدولية، بحسب ما قال مدير عام الشركة، محمد ديركي، خلال مقابلة مع قناة “سما” الفضائية في 15 من أيلول 2018.
كما توفر الشركة حماية وفود السياحة الدينية، وخاصة الزوار الإيرانيين الذين يزورون دمشق لدواع دينية، إلى جانب حماية الوفود الأجنبية المختلفة من رجال أعمال وخبراء ومستشارين ومجموعات سياحية.
كما تضم الشركة وحدة “k9” وهي كلاب الشرطة المدربة على البحث والتفتيش الميداني الكامل فيما يتعلق بالمتفجرات، بالإضافة إلى أن هذه الوحدة لديها كلاب شرطة مدربة على توفير الحماية للأشخاص.
معركتا “كسر العظم” اللتان تمكن “أبو علي” من كسبهما، قد تعطيان انطباعًا حول من وراءه وأنه يتلقى دعمًا أكبر من سلطة وزير الداخلية، وقد يكون واجهة تعمل نيابة عن دائرة القرار الأولى في سوريا.