محمد رشدي شربجي
تزامنت ذكرى الثورة مع حراك مجتمعي متزايد في الجزائر والسودان، وبغض النظر إن كانت هذه المظاهرات تأتي في إطار موجة ربيع عربي ثانية، أم أنها تأتي في سياق آخر مختلف فإن التشابه بين الحالتين لا يمكن إنكاره.
لم تنته الموجة الأولى بكل الأحوال، وفي جميع الدول العربية التي حل فيها الربيع العربي ما زال هناك حراك سياسي لا يمكن ضبطه، حتى في مصر المثال الأنصع لثورة مضادة ناجزة، لم يستطع السيسي إعادة الشعب المصري للمربع الأول، وتعتبر الحملة التي أطلقها الإعلامي المصري معتز مطر (اطمن أنت مش وحدك) أو تجدد المظاهرات جنوبي سوريا دليلًا ساطعًا على ذلك.
ما وصلت له الموجة الأولى لا يبشر بخير للأسف، ما بدأ كحلم بدول مدنية ديمقراطية تحترم أناسها وتسعى لصالحهم، انتهى بحرب عربية أهلية كبرى، من ليبيا إلى اليمن مزق الصراع الأهلي شعوب المنطقة، والنتيجة سجون ملأى، وأعواد مشانق تعمل على مدار الساعة، وطوابير لاجئين لا تنتهي، ومخيمات بحجم مدن.
لقد تفسخت الدولة العربية وفقدت أي مبرر لشرعيتها عدا القوة العارية المسلحة، وحين عجزت عن تأمين ذلك استعانت بدول خارجية لحمايتها. الفيلسوف توماس هوبز اعتبر في كتابه “اللويثان” أن تأمين الحماية والأمن للناس هو وظيفة الدولة ومبرر شرعيتها ووجودها، لم يخطر بباله حينها أن تكون هناك دولة تعيش على الحرب الأهلية بين مكوناتها.
في سوريا تُصارع اليوم آخر معاقل الثورة في إدلب على البقاء، أسباب قليلة جدًا تدعو للتفاؤل، المنطقة واقعة تحت سيطرة تنظيم القاعدة بشكل أساسي، ومليئة بأناس منهكين ومتعبين بعد ثماني سنوات عجاف، ومحاطة بالروس ومجرمي محور المقاومة المتعطشين للدماء، ومن طرف آخر تركيا المسكونة بهواجس التطلعات الكردية الانفصالية. والجواب عن كيف ستنتهي الأمور هناك يبقى إلى حد كبير خارج أيدينا في الظروف الراهنة.
طريق الحرية طويل وشاق ولن يكون مفروشًا إلا بالجثث سواء في سوريا أو غيرها، وما يزيده صعوبة أننا نعيش في عالم يتجه بسرعة نحو الهاوية، ونظام دولي مسكون بالحرب على الإرهاب المولدة للإرهاب والداعمة له بذات الوقت، وهو ما رأيناه في نيوزيلندا والذي سنراه في أماكن متعددة للأسف. في كل مكان يزداد التطرف ويزداد معه الظلم والقهر.
المهم أن نستخلص العبر بعد كل هذه المآسي، وإن أهم ما نستطيع استخلاصه في عيد الثورة الثامن أن الأدلجة دمرت الثورة وفتحت الباب للتطرف وأنقذت الأنظمة العربية المتهالكة. معركتنا معركة حرية ضد طغمة عالمية حاكمة تبث النار والعذاب في كل مكان، وحصرها بنا لن يفيد إلا حكامنا. لسنا وحدنا من يكتوي بالنار.