دبابة لكل بيت

  • 2019/03/17
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

في بداية الثورة السورية، حمّل رجال المخابرات الكثير من المعتقلين المفرج عنهم رسالة تقول: إن النظام لن يتنازل عن شيء، حتى لو كلفه ذلك وضع دبابة أمام كل بيت!

هذا التسريب لم يؤخذ بجديّة حينها، واعتبر مثل تسريب سندويشات بندر المحشوة بالخمسميات، وهو مجرد هراء لإقناع المؤيدين، أكثر مما هو حقيقة لإدانة المنتفضين ضد نظام الاستبداد الأسدي.

ولم يكن أحد يصدق ذلك أيضًا، بسبب أن دبابات الجيش الأسدي، التي اهترأت وهي تنتظر معارك تحرير الجولان، وفلسطين والأمة العربية، لم يكن عددها أكثر من بضعة آلاف دبابة من كل الأصناف السوفياتية القديمة.

لم يخطر ببال أحد أن النظام كان يعدُّ معه دبابات الاتحاد السوفياتي (الصديق)، وإيران (الشقيقة)، والبراميل التي وصل عددها حقًا إلى برميل لكل بيت، فقد قامت تلك الآليات بدور التدمير الشامل لسوريا، وبدور التهجير للسوريين بقصد إعادة رسم خرائط طائفية يحلم الإيرانيون والنظام والروس، بتحقيقها على الأرض، بعد الانتصار الملطخ بالكيماوي وبالتعذيب.

ولكن جرائم هذا الانتصار ستقف حائلًا أمام شرعنته سياسيًا، فهذه الجرائم المرتكبة لا يمكن استثمارها، إلا بعد ترحيل كل من له علاقة بها من قريب أو من بعيد، وبسبب الغرور فإن الأطراف الثلاثة (النظام، إيران، روسيا)، أعلنوا وتفاخروا بارتكاب هذه الجرائم ضد الشعب السوري “الإرهابي الخائن لقيادته”!!

الروس أمنيتهم الحقيقية هي الاستيلاء على الشاطئ السوري، وثروات الفوسفات والبترول، وتحطيم كل ثورة شعبية ضد الطاغية، وقد عملوا على استثمار سمعتهم الدولية بدعم الديكتاتوريات، وكل ما هو على شاكلة بوتين وطغمته، أو أسوأ منه، ظنًا منهم أنهم يستثمرون في حقل مبتكر ومفيد، وسيدرّ عليهم الأرباح!

إيران التي تحلم بإمبراطورية ممتدة حتى البحر المتوسط، أحست أيضًا بأن ثورات الربيع العربي ستطرق أبوابها قريبًا، فبادرت بميليشياتها بالهجوم الاستباقي على السوريين، ووصمتهم بالإرهاب ظنًا منها أنها تؤجل ثورة الإيرانيين ضد حكم الملالي!

اليوم ورغم كل ما حل بالسوريين من ويلات جراء محور الشر الروسي الإيراني الأسدي، فإن شباب الجزائر يرفعون الورود ويطالبون بالحرية غير خائفين من تهديدات حكامهم الذين استولوا على الاقتصاد، وعلى السياسة، في بلد بترولي غني، فهذه الطغمة قبضت حوالي ألف مليار دولار من عائدات النفط، خلال حكم عبد العزيز بوتفليقة وحده، ولا يزال الجزائريون يعانون من البطالة، والفقر، ويرغبون بالهجرة. فلم يبنِ الجنرالات وأعوانهم اقتصادًا حديثًا، ولا نظامًا سياسيًا جديدًا، ولا دولة مؤهلة مثل البرازيل، وكوريا الجنوبية، أو غيرها من الدول التي صارت متطورة.

الربيع العربي يهب بنسائمه على الشعوب، وجراح الثورة السورية، ورائحة دمائها صارت جزءًا من هذا الربيع، الذي يتطلع أهله الى الحرية والكرامة، رغم أنف الحكام المستبدين، وأصحاب الدويلات والإمارات التي تم تفصيلها في غفلة من الشعوب وغياب لإرادتها.

هذا الربيع هو أحسن دواء لداء الخوف الذي جمّد عقولنا، وأهان كرامتنا، وصار شبحًا يلتهم كل ما هو أصيل ومبدع في عقولنا وفي عواطفنا، فقد هزّ منظومة الحكم والأحزاب السياسية، وأظهر عاهاتها، وحقدها على الشعب، وممارساتها الممتدة كعاهات مستديمة في الجسد وفي العقل وفي القلب.

تهافت الإسلاميون وسقطوا في أحقادهم وكرههم للناس (الكفار والمرتدين)، وبانت أوجه القصور في تفكيرهم، وإساءتهم للإسلام كدين، وكمنظومة للعبادة، وللعيش بسلام، وظهروا يجترّون التاريخ، والحقد، والأمنيات المستحيلة.

وتهافت الشيوعيون العرب وتجلت تبعية أفكارهم للستالينية، ولعبادة الطاغية، وبدوا مثل غراس صغيرة لا تقف لوحدها بعيدًا عن الطاغية، فالأفكار التي يتغنون بها عن العامل والفلاح، مجرد وسائل انتهازية، لاحتلال مكان قرب الطاغية والتمتع بحمايته.

وتهافت القوميون وبانت البنية النازية في منظومة الحكم التي بنوها، فالنازية هي العمود الفقري للفكر القومي العربي حتى اليوم، وليس من باب المصادفة أبدًا أن تكون معظم الأحزاب القومية العربية تم تأسيسها في مرحلة ازدهار النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، في أربعينيات القرن الماضي، وهذا ينطبق على الفاشية القومية لمختلف القوميات الأخرى في المنطقة.

ضاع قرن كامل ولم نستطع بناء دولة وطنية في سوريا، وقد تضيع قرون مقبلة في ظل أنظمة كنظام الأسد. فلا التنمية، ولا الديمقراطية، ولا حقوق المواطنة من أهداف نظام الأسد، فهو استمرار للنازية وما قبلها، وهو استمرار لأنظمة القمع التاريخية المسماة بمنظومة الاستبداد الشرقي، كالعثمانية والمملوكية، بل إن هذا النظام امتداد لغزوات التتار والمغول، فما فعلته براميله، ومخابراته وشبيحته، وجيوش الاحتلال بالسوريين، لا يقل بأي مقياس عما فعله الغزو التتري والمغولي في بلادنا قبل ألف عام.

استمرار نظام الأسد بدباباته التي تقف أمام كل بيت، وبمخبريه الذين يلتقطون كل كلمة، ويجهضون كل فكرة جديدة، هو استمرار لمستنقع الاستبداد الذي دمّر حياتنا، وتاريخنا، وديننا، وطوائفنا، وكل قيمنا الإنسانية.

أما انتصار الثورة السورية ورحيل النظام فهو المدخل لخروجنا من هذا المستنقع الاستبدادي، الممتد كل هذا الزمن الطويل، وانتصار الثورة السورية هو قدرنا.. ولا قبول بأقل من رحيل هذا النظام ومخابراته، ورحيل دباباته وبراميله عن حياتنا، وعن بيوتنا.. أو عما تبقى من بيوتنا!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي