أن تسخر من عدوّك.. أن تصنع برنامجًا

  • 2019/03/17
  • 1:07 ص

جنود روس يقفون بجانب صورة لرئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نقطة أبو ظهور بريف إدلب الشرقي - 1 حزيران 2018 (AFP)

نبيل محمد

ليست المشكلة تمامًا هي السعي خلف المحتوى الخفيف الجاذب وفق معايير المنصات الحديثة، وعصر الهواتف المحمولة والفيديو السريع، ولا هي في استثمار أقسام رصد بكامل عتادها وموظفيها لمراقبة ما ينتجه إعلام الطرف الآخر “العدو”، ومن ثم إحالته إلى قسم من المفترض أن مهمة الإبداع موكلة إليه، ليضعه ضمن صيغة نكتة ينطقها أو تنطقها مقدمة البرنامج داخل قالب فني متطور، محمّل بأحدث أساليب الغرافيك وأنقى الألوان وأبهجها، ثم إلى السوشيال ميديا. ليست المشكلة هنا تمامًا، وليس الانتقاد هنا هو محض نظر من الأعلى إلى منتج يلقى رواجًا كبيرًا، رغم عدم قدرته على حمل مضامين ذات جدوى أو أثر، ولا حتى إمكانية تحقيق المتعة المتكاملة، وبتكاليف مالية هائلة. إنما تكمن المشكلة الحقيقية في الإصرار الكامل على العمل في الهوامش، وجعل تلك الهوامش ساحات صراع حقيقية أبطالها كوادر الإعداد والإخراج والمقدمين.

تصرّ التلفزيونات السورية في الضفة المعارضة للنظام، ومنصات السوشيال ميديا المتخصصة بإنتاج المحتوى الإعلامي البرامجي والفيديو القصير على حصر الابتكار، باستخلاص النكتة من شاشات الخصم، بقص الفيديو وإعادة إنتاجه مرفقًا بوجوه ضاحكة، وإشارات تعجب واستفهام، وجمل تحاول تحميل الخطاب الكلاسيكي المكرر منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 مبالغات كوميدية، تظهر مدى غباء الخصم وذكاء المتابع غير التابع لهذا الخطاب، لتظهر تبعيته خالصة بعدم قدرته على بناء مصدر ذاتي إبداعي، وبناء فني خالص ونظيف من التكرار، لتعطي منتج الخصم الأولوية والأسبقية في تكوين الفكرة وعرضها واستخلاص نتائجها. فلولا خالد العبود وبسام أبو عبد الله وبشار الجعفري وحتى صور بشار الأسد المتناثرة هنا وهناك، كيف سيكون هناك منتج فني يستهلك خزائن القوى الإعلامية القادرة على الإنتاج وتوقيع الفواتير.

تنقاد الأقلام والكاميرات السورية في مختلف استديوهات الإنتاج السورية خارج سوريا، لخطط إعلامية برامجية تقودها بالدرجة الأولى أقسام السوشيال ميديا، ومطورو المتابعة، وخبراء التسويق الإلكتروني السريع، لتجد في الهامش السهل معملًا لا ينضب في إنتاج الفيديو، قد لا يفتقد الذكاء في الكثير من إنتاجاته، إلا أنه يفتقد القيمة كاملةً في عدم قدرته على تشكيل أثر محدد، أو بناء منهجية فنية مبتكرة يمكن أن تستمر وتتطور لتتحول في مكان ما إلى مفهوم وسياق فني بصري أصيل يجد في الهامش مكانًا لصراع الهامشيين، لا مكانًا لبناء المحتوى الإبداعي.

مئات من السوريين ذوي الاختصاص في الميديا والكتابة والإنتاج والإخراج والتصوير، تختصر مهماتهم في السعي للسخرية أكثر، وعلك الأرشيف، لاستخلاص قيمة واحدة لا غير، هي أن أبواق النظام السوري تافهة وغبية، وصورته نمطية لا تتطور، وخطابه السياسي مكرور.. وهل من أحد بعد ثماني سنوات من المواجهة مع هذا النظام لديه أي شك بذلك؟ إذًا ما الجديد؟

في الوقت ذاته يغوص جيل كامل من الفنانين والكتاب والصحفيين في البحث عن أي جهة تبحث عن منتج لا هامشي، وعن قيمة إبداعية حقيقية، في الكوميديا وغيرها، ينصُب بعضُهم العداء الكامل لما هوي كوميدي عربي، بردِّ فعلٍ بات مبررًا أمام المنتج الحالي العائم على صفحات السوشيال ميديا، فلا يجد أولئك مؤسسات قادرة على الدعم، فيكون مبرر الانسلاخ شبه التام والعداء المبطن عنوانًا لكل ما يمكن أن ينتجوه، والذي قد لا يتعدى تجاربَ بسيطة يقومون بدعمها ذاتيًا، لا يؤيدهم فيها سوى جمهور بسيط من غير القادرين على الدعم، ومؤسسات ضعيفة لا تمتلك القدرة على التسويق.

هما بوابتان لا ثالث لهما في فوضى إعلام ردود الفعل السريعة، إما الرضوخ لمعارك الهامش والمنتج الاستهلاكي المكرر، أو الانتظار أمام نافذة ليس واضحًا تمامًا من سيفتحها. وعلى الهامش تستمر المواجهات غير المعلنة والمعلنة والتي لا قيمة حقيقية لها، طالما أنها خارج حدود المعنى والجدوى.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي