أربعة أعمدة وسقف مستعار كافية لمزاولة أي مهنة في أي مكان
عشوائية الأسواق الجديدة في حمص
كانت الأسواق في مدينة حمص قبيل اندلاع الثورة السورية تنتشر بشكل موّزع حسب الأصناف المتعامل بها وفي مناطق تجارية، سواء في أحياء حمص القديمة أو في بعض الأحياء الأخرى، فمثلًا سوق للخضار وسوق للدجاج وسوق لصاغة الذهب وسوق للنساء وغيرها في أحياء حمص القديمة، في مناطق مصممة منذ القدم لتكون أسواقًا تجارية، وهناك أيضًا سوق «الهال» لبيع الفواكه والخضار بالجملة وسوق السيارات، والمنطقة الصناعية التي تتواجد في محيط مدينة حمص بما يضمن سير الحياة في المدينة بشكل منسّق كما ينبغي للمدن أن تكون.
لكن كان للحملات العسكرية التي شُنّت على المدينة بدءًا من شهر كانون الأول عام 2011 أثرها على توقف هذه الأسواق بشكل تام وتوقف التجار والصناعيين عن مزاولة أعمالهم وهجرانهم وعوائلهم بيوتهم وأحيائهم وانتقالهم للجوء والاحتماء في أحياء أخرى خاضعة لسيطرة النظام، ومنذ أواسط العام 2012 بدأ هؤلاء السكان بالسعي لتحصيل لقمة العيش بعد فترة من الخوف والانكفاء في البيوت. ولكن هذه الجهود كانت مصحوبة بتعطل جميع أسواق مدينة حمص، سواء منها في الأحياء القديمة أو تلك التي تتواجد على أطراف المدينة، إضافة لما تعرض له السكان في عامي 2012 و 2013 من خطورة على حياتهم أثناء محاولتهم التوجه إلى تلك الأسواق سواء بالقنص أو الاختطاف.
لذا بدأ كل صاحب مهنة مزاولة عمله في الحي الذي يلجأ له، وبدأ أصحاب بعض الأبنية السكنية في الأحياء السكنية وغير التجارية بإنشاء محال يمكن تأجيرها لهؤلاء التجار والحرفيين، وكذلك انتشرت ظاهرة «البرّاكات»، وهي عبارة عن أكشاك متلاصقة على الأرصفة أو قرب المدارس والمساجد، وانتشرت هذه الظواهر في جميع الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات الأسد، كالإنشاءات والحمرا والميدان وكرم الشامي.
كل ذلك أدى لبروز حالة من الفوضى أثرت في الشكل المعماري لهذه الأحياء، فيمكن أن نرى مطعمًا يفتح في كشك على رصيف قرب حديقة، دون وجود أي معايير للجودة أو النظافة، ويمكن أن يُشاهد بائع الذهب إلى جانب بائع جرات الغاز وإلى جانبهما بائع اللحم في تقارب غريب، كما يمكن أن يُشاهد ورشة تصليح مولدات كهرباء بالقرب من بائع أحذية وثياب، في مشهد يفيض بالعشوائية وانعدام التنظيم. وأصبح كل ما يلزم لبائع الخضار إن أراد أن يزاول مهنته أن ينصب أربع أعمدة وسقفًا مستعارًا بجانب أي بناء سكني، ويبدأ بمزاولة مهنته ليتكاثر الباعة بهذه الطريقة وتتحول المنطقة السكنية إلى سوق مصغر لبيع الخضار. وربما يكون المشهد الأبرز تواجد ورشات ميكانيك أو ورشات بخ وإصلاح السيارات في شوارع أحياء راقية مثل الحمرا والملعب، مع غياب أي جهود شعبية لتنظيم هذه الأسواق.
تقول (ف.د) وهي تقطن في حي الحمراء وتوجد قرب بيتها ورشة إصلاح سيارات إن «سكان الحي ﻻ يرغبون بهذه الفوضى وﻻ أحد يستلطف أن يستيقظ على أصوات المطرقة»، ولكنها تضيف «إن الواقع الأليم على هؤﻻء المهنيين تفرض مراعاتهم إلى حين عودتهم إلى أسواقهم».
ومنذ خروج مقاتلي المعارضة السورية من أحياء حمص القديمة العام الماضي لم يتم إعادة تأهيل أي من أسواقها، إضافة إلى أن الكثير من المحال التجارية في تلك الأحياء مدمرة. كما أن المنطقة الصناعية في مدينة حمص والواقعة إلى شمال حي القرابيص الذي كانت تسيطر عليه قوات المعارضة عادت إلى العمل وبدأ قسم كبير من الصناعيين والحرفيين بالعودة إليها والخروج من الأحياء السكنية والتخفيف عنها، في حين ﻻ توجد أي بوادر أخرى لتنظيم الأسواق العشوائية تلك.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :