عاداتنا والأعباء الاقتصادية
قبل أعوامٍ اتصل بي أحد أصدقائي طالبًا أن يستدين مبلغًا من المال وحين سألته عن السبب قال: «زفافي قريب ولا بد من دفع مصاريف الحفل وإيجار الصالة وفرقة الموالدية وفرقة العراضة وفرقة تقديم الضيافة ووووو…» دخلت معه في نقاشٍ طويلٍ حول أهمية هذه الأمور وضرورتها ووجود أولوياتٍ أخرى للعريس في حال كان وضعه المادي جيدًا فكيف بمن يريد الاقتراض من أجل ذلك. بعد جدالٍ وأخذٍ وردٍ اختصر «معاناته» بقوله: «لك يا أخي من شان ربك حاجة تنظّر عليّ…. المجتمع ما بيرحم».
لم استطع أن أرد عليه إذ إنه فعلًا «مجتمعنا لا يرحم» وهو يفرض عاداتٍ وتقاليد قد تكون جميلةً إلا أنها تشكل عبئًا كبيرًا على الكثيرين.
كثيرٌ من شباب داريا أمضوا سنواتٍ بعد زواجهم في سداد الديون التي ترتبت عليهم عند زواجهم لا لشيء سوى أن «الناس بتحكي علينا» و «شو فلان أحسن مني؟؟!! عمل هيك وهيك وقت عرس ابنه» وما إلى ذلك.
فإلى أي حد ينبغي علينا التمسك بعادات وتقاليد المجتمع وجعلها سيفًا مسلطًا على رقابنا لا مناص لنا منه؟ وهل من بدائل لهذه العادات تحافظ على جمالياتها وايجابياتها وتخلصنا من أعبائها وظلمها؟
في الماضي القريب شهدت المدينة نوعين من «الانقلاب» على هذه العادات، أولهما مبادرات البعض بإعلان «ثورتهم» على المجتمع فلم يقيموا الحفلات ولم يكن هناك طبل وزمر في أعراسهم، بل اكتفوا باجتماع عدد من الأقارب والأصدقاء ودون أن يحمّلوا أنفسهم ما لايطيقون وأقاموا – في الوقت نفسه – سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن «أعلنوا النكاح» و «أولم ولو بشاة» أي ولو بشيٍء يسيرٍ حسب ما تستطيعه وما تقدر عليه. أما الثاني فكان حفلات الزفاف الجماعي التي شهدت عدة مناطق ومنها داريا أكثر من واحدةٍ منها خلال السنوات الماضية وبأشكالٍ مختلفةٍ (أقارب – أصدقاء – تنظيم الحفل من قبل الجمعيات الخيرية…) وهي التي استطاعت أن تخفف جزءًا كبيرًا من هذه الأعباء عن شبابنا تحت سقف عادات المجتمع وكلام الناس.
وقد استطاع كلا الأسلوبين تحقيق الهدف المطلوب بتخفيف الأعباء المفروضة على الشاب / العريس إلا أنه بدا واضحًا اختلاف مواقف ورؤى الناس والمجتمع من هذين الأسلوبين وإن كان الأسلوب الثاني هو الأكثر قبولًا.
وفي أيامنا هذه، واحترامًا من أبناء بلدتنا لأرواح الشهداء وعائلاتهم، وتقديرًا لمعاناة أمهات المعتقلين وأسرهم رأينا ونرى كيف تسير حفلات الزواج.
فلماذا لا نشجع أنفسنا على تغيير عادات المجتمع باتجاه ما هو أفضل؟ لماذا لا نسعى لتبني هذا النوع من الحفلات – بعد أن تنتصر ثورتنا ونعود للاحتفال بلحظات فرحنا وسعادتنا التي حرمنا الطغاة من عيشها والاستمتاع بها- والتي سيكون لها، إضافةً إلى أثرها في تخفيف الأعباء، دورٌ كبيرٌ في تقوية العلاقات الاجتماعية بين أبناء المدينة وتآلفهم ودعم بعضهم لبعض وإظهار العلاقة الطيبة فيما بينهم.
لماذا لا تكون عاداتنا الجديدة أن نحتفل ونعمل حسب ظروفنا المادية؟ لتكن ثورتنا ثورة على العادات البالية والظالمة، فثورتنا ثورةُ على الظلم والعادات السيئة وثورةُ من أجل العدالة والتعاون والأخوة والمحبة.