الخياطة والطبخ والتمريض
تأهيل النساء مهنيًا.. تمكين أم تنميط لدور المرأة السورية؟
عنب بلدي- رهام الأسعد
بدأت علياء مسيرتها المهنية ضمن محيط معارفها الصغير، محاولة استثمار ما تعلمته خلال دورات التأهيل المهني التي تلقتها بخدمة عائلتها وأقاربها ومعارفها، دون أن يمنعها ذلك من تحقيق مردود مادي يساعدها في إعالة أسرتها.
تلقت علياء، ابنة بلدة قورقينا بريف إدلب وأم لخمسة أطفال، دورة تأهيل في مجال الخياطة، قدمتها إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، وحصلت بموجبها على منحة مالية بقيمة 1200 دولار، مكنتها من شراء ماكينة خياطة، خصصتها للعمل داخل منزلها.
تقول علياء (43 عامًا) لعنب بلدي، “كانت الخياطة بالنسبة لي مجرد هواية وتسلية، ولكن أصبحت الآن مصدر دخل بعد أن أتقنت تعلمها كمهنة نتيجة سوء وضع أسرتي المادي”، مشيرة إلى أنها حصلت على منحة مالية ساندتها للبدء بمشروعٍ منزلي صغير.
“قدرات المرأة هي من تحدد”
أولت منظمات المجتمع المدني في سوريا أهمية كبيرة لدعم النساء وتمكينهن في المجتمع، باعتبارهن فئة مستضعفة اضطرت نتيجة فقدان المعيل لتولي أدوار اجتماعية لم تعتد عليها، فدخلت سوق العمل بما تملكه من إمكانيات.
هنا سعت تلك المنظمات إلى استثمار ما تملكه النساء السوريات من إمكانيات وعملت على تطويرها، عبر تخصيص دورات تأهيل مهني في مجال الخياطة والطبخ والتمريض والتطريز، وأحيانًا في مجالات أخرى مثل الكمبيوتر والتصوير الفوتوغرافي وغيرها.
لكن تركيز المنظمات الإغاثية على دعم النساء في مجالات محددة أثار مخاوف من تنميط وتحديد دور النساء في المجتمع السوري، وجعله مقتصرًا على الخياطة والطبخ، وغيرها من المهن التي تُعتبر حكرًا على النساء.
ترى مدربة الصحة المجتمعية في إدلب، ملك الحلاق، أن توجه المنظمات لتمكين النساء في مجالات محددة هو “حل إسعافي” يمكن أن يفيد فئة معينة من النساء اللواتي تزوجن مبكرًا ولم يستطعن إكمال تحصيلهن العلمي ثم فقدن المعيل، ما جعل المنظمات تتوجه لهن لتطوير الإمكانيات المتوفرة بين أيديهن.
وأضافت الحلاق، في حديث لعنب بلدي، أن العادات والتقاليد الموروثة في المجتمع هي التي كرست فكرة أن مهام المرأة محصورة في الطبخ والخياطة والتمريض، خاصة في المجتمعات المحلية التي لا تدعم إكمال المرأة تعليمها بما يفتح أمامها مجالات مهنية أخرى.
وكذلك يرى مسؤول الطوارئ في منظمة “بنفسج” الإغاثية والتي تقدم دورات تأهيل مهني للنساء، إبراهيم سرميني، أن الأمر يعود للنساء وما يملكنه من قدرات ومهارات، مضيفًا أن النساء في مجتمعنا فئتان، فئة متعلمة وأخرى غير متعلمة.
وأضاف سرميني في حديث لعنب بلدي أن المرأة المتعلمة لديها فرص أكبر لدخول مجالات مهنية وشغل مناصب حيوية، أما المرأة غير المتعلمة فأصبحت من الفئات الأكثر ضعفًا، لذلك سعت منظمات المجتمع المدني إلى توظيف المهارات المتوفرة لدى هذه الفئة من النساء، وتحويلها إلى فرصة عمل يمكن أن تعيل النساء وذويهن.
ومع ذلك، رأى سرميني أن تمكين النساء في مجال الطبخ والخياطة والتمريض لا يقيّد أدوراهن في المجتمع، بقوله، “عندما نرى مجموعة من النساء لديهن قابلية لتعلم شيء معين، وإن كان بسيطًا، نعزز لديهن هذه القابلية بتقديم دورات تفيدهن ثم نعطيهن منحة مالية تؤهلهن لدخول سوق العمل، وبذلك نحول المرأة لشخص فعال في المجتمع”.
ورفضت مديرة منظمة “النساء الآن” فرع إدلب، مزنة الجندي، اعتبار أن منظمات المجتمع المدني تقيّد دور المرأة عبر تخصيص دورات مهنية محددة لها، مشيرة إلى وجود دورات أخرى تفتح مجالات جديدة أمام النساء في سوريا، حسب ميولها العلمية ومهاراتها، بما في ذلك دورات الكمبيوتر واللغات والفوتوشوب والتصوير والإعلام وغيرها من المجالات.
وأضافت الجندي في حديث لعنب بلدي، “عندما تأتينا سيدة تحصيلها العلمي الثانوية العامة نوجهها نحو اللغات والكمبيوتر وبناء القدرات، لأن ذلك يمكّنها في مجالات أوسع تساعدها على دخول سوق العمل”.
تأهيل شكلي أم فعّال؟
وعن مدى جدوى دورات التأهيل المهني المقدمة للنساء في سوريا، ترى ملك الحلاق، التي تعمل في قسم تمكين المرأة بالرابطة الشبابية في ريف إدلب الشرقي، أن المرأة تستفيد بشكل آني ومؤقت من برامج التأهيل المقدمة لها، وقد تكفيها لإعالة أسرتها في حال حصلت على المتابعة اللازمة، خاصة لمن فقدت زوجها وأصبحت مسؤولة عن إعالة أولادها وأسرتها.
وقالت، “هي أقصر الطرق بالنسبة للمرأة لحفظ ماء وجهها وتأمين حاجة أسرتها دون أن تضطر لمد يدها لأحد”.
واعتبرت الحلاق أن على منظمات المجتمع المدني متابعة النساء بعد إعطائهن التأهيل اللازم ومساعدتهن على دخول سوق العمل، ودعت إلى فتح آفاق ثقافية وعلمية أمامهن بما يدعم دخولهن مجالات جديدة تنهض بالمجتمع السوري.
أما مسؤول الطوارئ في منظمة “بنفسج” الإغاثية، إبراهيم سرميني، فرأى أن دورات تأهيل النساء مهنيًا، المقدمة حاليًا، لا تعتبر كافية لدخولهن سوق العمل وتحقيق مردود مادي، إذ يجب تزويدهن بمنحة مالية للبدء بمشروع صغير، وإن كان داخل المنزل.
وأضاف، “دورة واحدة لا تكفي، الأمر بحاجة لمتابعة وتطوير”، وتابع، “على الجهات التي تؤهل النساء مهنيًا الاستمرار في تنظيم دورات متقدمة لضمان تحقيق الفائدة المرجوة للمرأة”.
ويزداد عدد النساء المعيلات في سوريا تبعًا لما خلفته الحرب من قتلى ومصابين، ما جعلهن في مواجهة تحديات اجتماعية واقتصادية، وعرّضهن للاستغلال في سوق العمل، عبر تشغيلهن بأجور قليلة.
وتشير بيانات منظمة “مواطنون من أجل سوريا” إلى أن ما يزيد على 25% من المنظمات العاملة تستهدف النساء كفئة “مستضعفة” في المجتمع، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها هم من النساء أيضًا، كونهن الأكثر قدرة على الخوض في الحياة الاجتماعية الخاصة والاحتكاك مع النساء والأطفال.
أما في المنظمات الأخرى، فتتوازى فرص المرأة بالتوظيف إلى جانب الرجل رغم غيابها عن المشاركة في القرارات القيادية والاستراتيجية بنسبة 88%، بحسب بحث صادر عن منظمة “أنا وهي” في آذار عام 2016.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :