ندمان.. والله يا سيدي ندمان
إبراهيم العلوش
في برنامج علاء الدين الأيوبي التلفزيوني الشهير، الشرطة في خدمة الشعب، يحقق المذيع مع سجين جنائي بكل عنجهية الضابط المتسلط، فيرد عليه المتهم: والله يا سيدي المصاري المسروقة صرفتها على ملذاتي الشخصية.. وندمان، والله يا سيدي ندمان!
قادة الجزائر ونخبها المتسلطة يكررون تحقيقات الأيوبي، ويرددون كذبًا بوجه الشارع الجزائري: انظروا إلى السوريين كيف دمروا بلادهم لأنهم تظاهروا مثلكم، وكيف يرددون اليوم، ندمان والله يا سيدي ندمان!
يسيطر عشرون شخصًا على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهم من الأقرباء ومن قادة الجيش والمخابرات ورجال “البزنس”، وقد ورطوا الرئيس بوتفليقة بالترشح إلى العهدة الخامسة، والذي تسبب بانفجار الشارع الجزائري الرافض لإعادة انتخاب رجل نصف ميت، إذ أصيب بجلطة دماغية في العام 2013.
على رأس مجموعة العشرين أخوه، السعيد بوتفليقة، الذي اعتنى بأخيه عبد العزيز مع بقية العائلة، خلال طرده من المناصب الحكومية اعتبارًا من العام 1982 بسبب اتهامات مالية، ولم ترفع عنه التهم كلها إلا بعفو رئاسي.
وبعدها اتفق المجلس العسكري الحاكم على اختياره رئيسًا في نيسان عام 1999، بعد اغتيال الرئيس الجزائري السابق محمد بوضياف، حين قررت النخبة العسكرية الحاكمة ترشيحه بسبب سمعته الدولية، إذ كان وزيرًا للخارجية الجزائرية منذ عام 1963.
ولكن تسلمه منصب الرئاسة لم يكن مقبولًا حينها من قبل الشباب الجزائري لولا مأساة العشرية السوداء، التي تشارك في مجازرها قادة الجيش وقادة التنظيمات الجهادية اعتبارًا من كانون الثاني 1991، وتسببوا بمقتل أكثر من مئتي ألف من الجزائريين خلال عقد التسعينيات، بعد إلغاء قادة الجيش لنتائج الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون.
هكذا وبقوة الجيش والمخابرات فاز بوتفليقة بالمنصب الرئاسي كمرشح وحيد، مثل بشار الأسد، ومثل أبيه حافظ الأسد أيضًا.
واليوم نأمل ألا يتصرف القادة الجزائريون تجاه شعبهم، كما تصرف بشار الأسد وجيشه وشبيحته تجاه السوريين، الذين تظاهروا من أجل الحرية والخلاص من الاستبداد، حين حوّلوا الجيش السوري إلى جيش احتلال لسوريا، ومارسوا التدمير والتنكيل والتهجير، بل زادوا على كونهم قوى احتلال، أن أشركوا المحتلين الإيرانيين والروس في جريمة العصر، وانتهى بهم المطاف، بأن صاروا خدمًا لدى المحتلين، وصاروا يتبارون بتقديم الخدمات والنصائح من أجل إلحاق أكبر ضرر بالسوريين وبثورتهم، سواءً بوسمها بالإرهاب، أو بالطائفية، أو بالعمالة للسفارات الأجنبية، متجاهلين تسليم مقدرات البلاد لروسيا ولإيران لخمسين سنة مقبلة من قبل حكومة النظام.
وشبيحة النظام الذين يستأسدون على السوريين في المعتقلات وعلى الحواجز، يتحولون الى أرانب أمام الروس والإيرانيين، والدليل هو تسريب الروس صورًا مهينة لبشار الأسد، ولسيادته المزعومة، تسخر من حفاظه على الدولة السورية، وكذلك زيارته الأخيرة إلى إيران دون وفد رسمي، أو حتى مترجم شخصي، ولم يسمح الإيرانيون بوضع علم النظام في جلسات المحادثات، فالأسد تحول إلى مجرد خادم لسيدين، وكان بإمكانه الحفاظ على كرامته، وكرامة الدولة والشعب السوري، لو أنه نزل من عليائه وتعجرفه، وقبل بما يطالب به السوريون، وهم يوزعون الورود والماء على أفراد الجيش.
القادة الجزائريون الذين يصرّون على ترشيح رجل على حافة قبره، يكررون أكاذيب نظام الأسد وادعاءاته، ويهددون الشعب الجزائري بالويل والثبور إذا استمر بمظاهراته المطالبة بالحرية، متناسين تضحية الجزائريين بمليون شهيد من أجل تحرير بلادهم من الاستعمار، بينما النظام السوري تسبب بقتل مليون سوري، من أجل تسليم سوريا للاحتلال الروسي والإيراني!
ومثل نظام الأسد، الذي جعل حافظ الأسد يحكم سوريا من قبره، يحاول القادة الجزائريون جعل رجل مشلول وشبه ميت يحكمهم، ولكن من مستشفى في سويسرا أو في فرنسا، فلم تعد المناداة بحكم الموتى مجرد مطلب لمشيخية الإسلام السياسي، الذي يستجلب الموتى من الصحابة، والتابعين، وآل البيت، لحكم الأحياء بعد أربعة عشر قرنًا من موتهم، كذلك قادة المخابرات والنخب العسكرية صاروا يطالبون بحكم الموتى أو أشباه الموتى، وذلك انطلاقًا من فكرة الطرفين، المخابراتي والمشيخية السياسية الاسلامية، واتفاقهما على احتقار الناس، وتقاسم تخوينهم وتكفيرهم، وعدم الثقة بالشعب.
بعد السخريات الكثيرة التي نالها المذيع السوري من تلك المقابلة وأمثالها، توارى عن الأنظار وخبا نجمه المتسلط على السجناء، الذين كان يتم إحضارهم إلى استوديو التلفزيون الرسمي، بعد جلسات التعذيب والتحقيق، ليعترفوا أمامه بندمهم، وبصرفهم المال على ملذاتهم الشخصية، كما كانوا يرددون كل أسبوع في برنامجه الذي كان شهيرًا، ولكنه صار رمزًا كاريكاتيريًا للبطولة الوهمية التي تتم ممارستها في غرف التعذيب السورية.
أما بشار الأسد فلا يزال يمارس دور علاء الدين الايوبي الكاريكاتيري، ويتهم الشعب السوري بالخيانة، وبالإرهاب، وبعدم جاهزيته للديمقراطية، بينما هو يهوي إلى مجرد خادم للروس وللإيرانيين، وهو لا يخجل من ذلك، بل ذهب خطابه الأخير إلى تخوين شبيحته ومؤيديه، وتوبيخهم لأنهم طالبوا بالغاز، وبالكهرباء.
الشعب السوري لا يزال يطالب بالحرية، وبالخلاص من نظام الأسد، ومن الشبيحة الذين تورطوا بالقتل وبالتهجير وبخيانة البلد، وهم يسلمونها للإيرانيين وللروس، وعليهم هم وقائدهم الآن أن يعبروا عن ندمهم!
وما على قادة الجزائر إلا أن ينتبهوا إلى مصيرهم، وألا يتورطوا بدماء بلد المليون شهيد، فنظام الأسد لم يخرج من كل هذا الدمار، إلا بحكمة برنامج علاء الدين الأيوبي الكاريكاتيري: ندمان والله يا سيدي ندمان!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :