الحرب لم تقتل أحلامهن.. سوريات مبدعات رغم الصعاب
نالت المرأة السورية نصيبها من أهوال الحرب السورية، فمع مشاطرتها لجميع المخاطر التي واجهها الرجل، فقد ألقي على عاتقها ما لم تكن تحتمله مسبقًا معظم نساء سوريا، من مسؤولية إعالة الأسرة، إلى مواجهة مصاعب اللجوء، وتحديات الفقر، والاستغلال.
وفي حين تزخر وسائل الإعلام بالأخبار المؤلمة والإحصائيات القاتمة حول آثار الصراع على واقع المرأة السورية، إلا أن تلك المشاهد لا تقدم الصورة الكاملة للنساء السوريات.
فقد تمكنت العديدات من تحويل واقعهن العصيب إلى دافع للاجتهاد والنجاح، وبرزت منهن أسماء متعددة في المجالات كافة، أثبتن قدرة المرأة على الإبداع والنمو في ظل المحن، ومن بينهن:
ابتسام شاكوش: أديبة وناشطة ثقافية
تعددت إنتاجاتها الأدبية ما بين الرواية والقصة القصيرة وأدب الأطفال، وحصلت على جوائز متعددة منها: جائزة البتاني وجائزة دار الفكر وجائزة الألوكة التي تمنحها السعودية، وتمتد مسيرتها على طول عقدين ونيف، وترجمت أعمالها للغات متعددة.
اختبرت النزوح مرارًا بعد بلوغ الصراع عتبات مدينتها “الحفة” التابعة لمحافظة اللاذقية، وسكنت في مخيم جيلان بينار في تركيا لثلاث سنوات، بعد أن هاجرت مشيًا على الأقدام إليه.
واحتلت هذه الحياة مكانًا مهمًا في كتاباتها التي عرضت فيها مشاعر الفقدان وصدمة الحرب التي عاناها السوريون.
اختارت تأسيس مركز ثقافي ضمن المخيم يقدم ما يمكن من الخدمات والدورات لقاطنيه، لتقدم “ما يرضي ضميرها للثورة السورية”.
ومع استمرار عمل المركز في المخيم انتقلت الآن للعيش في مدينة اسطنبول متابعة لأعمالها.
وتستمر في نشاطها دون كلل لنقل قصص سوريا، والدعوة لإنقاذ الأطفال السوريين من الأمية، والضيق الفكري، الذي ابتلتهم الحرب وحياة المخيمات به.
لبنى حلي: سيدة أعمال
خريجة الحقوق من جامعة حلب، أطلقت مشروعًا تجاريًا في مدينة غازي عينتاب التركية، باسم “لازورد بيت الشوكولا” تميز بتقديمه وجبات الحلوى بشكل الأطعمة السريعة، مثل الشاورما والهمبرغر، وتمكنت من تحقيق النجاح بجدها واجتهادها واستمرارها بحضور الدورات التدريبية لريادة الأعمال، وداومت على التقدم مع خططها الجديدة لتوسيع المتجر وفتح أفرع جديدة له.
وحملت لبنى هدف الدمج المجتمعي بين السوريين والأتراك، مع مشاركتها بالعديد من الفعاليات المجتمعية وإيمانها بقدرة المرأة السورية على تحقيق ما تريد، وقالت لعنب بلدي إن مشروعها نتج عن تحدٍ يتمثل بعدم تمكن زوجها من العمل بعد خروجه من المعتقل، لكن الاجتهاد والصبر هو مفتاح النجاح.
ووجهت للمرأة السورية رسالة مفادها: “المهم الإتقان في العمل والنية الصادقة، وأقول لكل سيدة، حاولي وابحثي وادرسي السوق بشكل جيد وابدأي”.
جيهان السيد عيسى: كاتبة وناشطة في المجالين الثقافي والمجتمعي
افتتحت مركزًا ثقافيًا يقدم الكتاب العربي مع إعارة مجانية للسوريين، تحت شعار “اقرأ وارقَ”، إضافة لكتابتها العديد من القصص والمقالات، مع ترجمتها للغة الإنكليزية، كان من بينها قصة أصبحت فيلمًا بعنوان “The Dead Die Once” (الميت لا يموت) تم تمثيله وإخراجه في جامعة هارفرد الأمريكية، ويعرض الآن في المهرجانات العالمية.
وقالت جيهان، ابنة مدينة إدلب، في حديثها لعنب بلدي، إن دافعها وراء العمل الدؤوب كان تلبية الحاجات التي رأت نقصانها، مثل تأمين الكتاب العربي، وتقديم “شرح وتوثيق وتأريخ” للثورة السورية في كتاباتها، مع مخاطبة العالم الغربي لتوضيح الصورة “الإنسانية” للصراع، مع تحديها لمعوقات نقص الدعم المالي وضيق الوقت بالمسؤولية التي يفرضها الواقع السوري على عاتق أبنائه.
مايا يوسف: عازفة ومؤلفة موسيقية
من النساء القلائل اللواتي يعزفن على آلة “القانون”، ألفت أول معزوفة موسيقية خاصة بها، بعنوان “أحلام سورية” “Syrian Dreams” عام 2012، بعد أن شاهدت أخبار القصف في سوريا وأدركت “أنها قد لا تعود” إلى الديار بعد ذلك، حسبما ذكرت في موقعها الإلكتروني.
حصلت على جائزة “Newcomer” (القادم الجديد) في حفل توزيع جوائز “Songlines Music Awards“، في 20 من تشرين الأول 2018، وكانت أول عربية تحصل عليها في النسخة العاشرة للحفل الذي يحتفي بأفضل إنتاجات الموسيقى العالمية.
من مدينة دمشق، درست الموسيقى ولحقت حلمها إلى بريطانيا بمنحة قدمت “للمواهب الاستثنائية”، وأدت معزوفاتها على مسارح عديدة حول العالم، مع مزجها للموسيقى التقليدية بتأثيرات جديدة من آلة التشيلو والطبل والعود.
تذكر في موقعها أن الموسيقى هي “ترجمة ذكرياتي في سوريا وأحاسيسي وآمالي، إلى موسيقى. أرى عزف الموسيقى كفعل مضاد للموت. الموسيقى تزرع الأمل وحب الحياة”.
مليكة حربلي: ممرضة
حصلت على جائزة الممرضة الأكثر تأثيرًا لعام 2018 من قبل الأمم المتحدة، بعد أن اشتهرت بتفانيها وإخلاصها في العمل لإنقاذ الأطفال الرضع في أثناء تعرض مشفاها للقصف.
تعمل بمشفى “الأمل” في مدينة اعزاز بريف حلب، شاركت بالثورة السورية واعتقلت من قبل النظام، والتحقت بالمشافي الميدانية، وعرف عنها عبارة “ما فيك ما تخدم بلدك”.
أكدت في مقابلاتها على حرصها وإصرارها على البقاء في مدينة حلب لمساعدة المحتاجين، رغم تعرضها لإصابات متعددة نتيجة القصف.
وقالت في لقاء سابق مع عنب بلدي إن ذلك التكريم هو لكل الكوادر الطبية في حلب، مع اعتبارها أن فرحة الأمهات بسلامة أبنائهن كان هو التكريم الحقيقي بالنسبة لها.
مروة صابوني: مهندسة ومفكرة معمارية
تلقت جائزة الأمير كلاوس (الهولندية) “لاقتراحاتها الخلاقة والمبتكرة لإعادة بناء التعاون والتماسك الاجتماعي وحس الهوية بعد دمار الحرب”، عام 2018.
ألفت كتابًا صدر باللغة الإنكليزية بعنوان the battle for home: the vision of a young architect in Syria (المعركة لأجل الديار: رؤية معمارية شابة في سوريا) عام 2016.
تدير مع زوجها الموقع الإلكتروني العربي الوحيد الذي يتتبع أخبار الهندسة المعمارية.
ولدت وترعرعت في مدينة حمص، ورفضت مغادرتها في أثناء الحرب، طرحت فكرة دور البناء المعماري في توليد الحرب والانقسام المجتمعي، مع وضعها لمخططات حيوية تضمن التفاعل والنمو العضوي للمساكن والمباني داخل المدن، لتكون أساسًا لإعادة الإعمار.
آثار الحرب السورية كانت كارثية على المجتمع ككل، وكان نصيب المرأة منها، حسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وقوع نحو ثلاثين ألف قتيلة، وتعرض ما يزيد على ثمانية آلاف للاعتقال التعسفي، وقرابة خمسة آلاف للإخفاء القسري.
وذكرت منظمة العفو الدولية تعرض النساء للعنف القائم على النوع الاجتماعي، على أيدي قوات النظام والجماعات المتطرفة.
ولكن ومع كل ما حملته الحرب من آلام وأهوال إلا أن المرأة السورية لم تختبئ وتستسلم للواقع، بل اختارت الكفاح لغد أفضل، وتقدمت لتحمل نصيبها من مسؤولية العمل على نهضة البلاد وتجاوز محنتها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :