تصرخ هيا (26 عامًا)، وهي لاجئة سورية في لبنان، ضاحكة والابتسامة تملأ وجهها من بين تلال الأحذية المفروشة على الأرض “وجدتها.. وجدتها” معبرة عن سعادتها باغتنام حذاءٍ شتوي خال من العيوب ومناسب لذوقها، وذلك بعد ساعات من البحث المتواصل في سوق البالة.
اعتادت هيا، كغيرها من اللاجئين السوريين في لبنان، زيارة سوق البالة في البقاع الأوسط (منطقة تعلبايا) كل اثنين، للبحث عن مستلزمات شخصية ومنزلية، حيث يضم الكثير من الأغراض التي تلبي احتياجاتهم ابتداءً من الأحذية و الثياب مرورًا بالأدوات المنزلية وانتهاءً ببعض الكهربائيات.
ويعلل الكثيرون، على تفاوت أوضاعهم المادية في بلدهم سوريا وفي لبنان، ارتيادهم لذلك السوق بغلاء الأسعار في لبنان عمومًا، وبتركهم لممتلكاتهم عند نزوحهم القسري عن بيوتهم حيث أصبح اللاجئ بلا منزل وعمل إلا من رحم ربي.
والدة هيا رفضت في البداية ارتداء حذاء من سوق البالة فهي لم تعتد على ذلك من قبل “كنت أشتري ثيابي وأغراضي من أضخم المحال في سوريا لا أستطيع تقبل ذلك الأمر الآن”، ولكن مع ازدياد ضغط الظروف المادية وفرق الأسعار الكبيرة بين المحال التجارية والأسواق اضطرت كما الكثيرين لتقبل الواقع المفروض عليهم.
ويبدأ سعر الحذاء في البالة من ألف ليرة لبنانية وحتى 10 آلاف، في حين يبدأ سعره في المحال بـ 30 ألف (يعادل الدولار 1500 ليرة لبنانية)، كما ترتفع أسعار الثياب تدريجيًا حسب جودة القطعة ابتداءً من ألف ليرة كحال الحقائب والأواني المنزلية والكهربائيات أيضًا.
بينما يلعب الحظ دورًا كبيرًا عند شراء الأجهزة الكهربائية، إذ يكون بعضها معطلًا ولا يمكن تجريبه في السوق أو إرجاعه للبائع لاحقًا.
رامي (25 عامًا)، مدّرس سوري قصد السوق لشراء معطف شتوي، يقول إن أسعار المعاطف في المحال التي تردد إليها تتراوح بين 50 إلى 300 دولار ما يعادل نصف راتبه في الشهر (600 دولار)، بينما وجد في السوق طلبه بسعر يتناسب مع مدخوله الشهري.
لم تكن تلك الأسواق مقصدًا للاجئين السوريين فقط، بل وللزائرين القادمين من سوريا، فأم بهاء (48 عامًا) ربة منزل عبرت عن دهشتها لانخفاض أسعار الأحذية والثياب مقارنة بالأسعار “المشتعلة” في دمشق وبما تحمله في مخيلتها عن غلاء الأسعار في لبنان، لذا توجهت فور وصولها إلى السوق لتقتني بعض المستلزمات.
اختارت أم بهاء مجموعة من الأحذية للعائلة مع عدة قطع من الثياب بمبلغ يعادل 5 آلاف ليرة سورية، وتقول “اشتريت هذه الأغراض بما يعادل سعر حذاء واحد فقط في دمشق”.
حال أم حسن ينطبق على أم أمين (55 عامًا)، حيث أتت لزيارة لزيارة ابنها المقيم في لبنان، وعادت محملة بكمية من الأحذية والثياب لأفراد عائلتها المقيمين في الريف الغربي للعاصمة دمشق، ويعلّق أحد أبنائها “هل ستفتحين محلًا في الشام؟”.
وتمثل هذه الأسواق مقصدًا للبنانيين من ذوي الدخل المحدود أيضًا، حيث تخفف عنهم أعباء الطبابة والدراسة التي ترهقهم وسط غياب التعويضات المادية من الحكومة.
وتبقى لظروف الحرب والنزوح كلمةٌ في ترتيب أولويات حياة السوريين ليتخلى كثيرون منهم عن الرفاهية والترف الذي كانوا يعيشونه ويتماشون مع ظروف مفروضة عليهم ساترين عورات نزوحهم.