الاستشراق

  • 2015/03/01
  • 12:21 م

يصنف الكتاب على اعتباره من أولى الدراسات فيما يسمى «الدراسات ما بعد الكولونيالية»، وفيه يحلل إدوارد سعيد باقتدار وإبداع كبيرين العلاقة بين الشرق والغرب، وبشكل أدق فإنه يسبر أعماق التراث الذي كتبه المستشرقون عن الشرق.

مستعينًا بنظرية ميشيل فوكو عن «الخطاب»، وأفكار فيكتور هيغو، يتناول إدوارد سعيد الاستشراق الفرنسي والبريطاني بشكل أساسي، ويصل في النهاية إلى الاستشراق الأمريكي بعد أفول عهد الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية وصعود نجم الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة على العالم.

يدرس سعيد الاستشراق بدءًا من الحملة النابليونية على مصر في عام 1798، إذ يعتبرها بداية الاستشراق الحديث، فقد أسس نابليون المعهد المصري، وهو المعهد الذي كتب المجلد الضخم «وصف مصر» الواقع في 27 مجلدًا هائلًا.

ولكي يوضح الكاتب العلاقة بين الشرق والغرب فإن إدوارد سعيد يعتقد أن العلاقة تحتوي على عنصرين أساسيين: الأول هو المعرفة الأوروبية المنظمة بالشرق، وهي معرفة دعمتها المواجهة الاستعمارية، كما دعمها انتشار واسع بالاهتمام بالأجنبي وغير العادي استغلته علوم نامية مثل علم الأصل العرقية وعلم اللغات والتشريح المقارن وغيرها، ومع عدد لا ينتهي من الروائيين والشعراء والمترجمين والرحالة الموهوبين. والعنصر الثاني هو أن أوروبا كانت دائمًا في موقع القوة.

وهنا تكمن الفكرة الجوهرية للكتاب، حيث يبين سعيد العلاقة بين المعرفة الأوروبية بالشرق وتوظيف هذه المعرفة في تسخير الشرق واستعماره، حيث يعتقد الكاتب أن قلة قليلة جدًا من المؤسسات المعنية بالشرق كانت حرة، وحتى المؤسسات الحرة وقعت فريسة للقيود الصارمة التي أسسها علم الاستشراق عبر العصور.

يعتقد سعيد أن علاقة المستشرقين مع الشرق كانت علاقة نصوصية، حيث إن المستشرق لكي يفهم الشرق فإنه يقرأ ما كتبه المستشرقون السابقون عنه، إذ لم يتعب المستشرق نفسه في قراءة ما يكتبه الشرقيون أنفسهم، فهم في نظره لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، ولا يستطيعون تمثيل أنفسهم، ولذلك يتطوع المستشرق ليمثلهم ويتحدث بالنيابة عنهم.

كما تعامل المستشرقون مع الشرق على اعتباره نسخة مشوهة عن الغرب، بمعنى أنه «آخر» للغرب، فكثير من المستشرقين وصفوا المسلمين بـ «المحمديين»، كما وصفوا يوم الجمعة على اعتباره «شاباث» المسلمين.

ولقد استخدمت مصطلحات عديدة للتعبير عن هذه العلاقة بين الشرق والغرب، فالشرق لاعقلاني، فاسق، طفولي، مختلف، في حين أن الأوروبي هو متحل بالفضائل، ناضح، عقلاني وسوي، ولكن المميز في هذه الأوصاف أنها كانت تستخدم في سياق استعمار وتسخير وتطويع مارسه الغرب تجاه الشرق.

وبمعنى آخر فإن الغرب صنع صورة عن الشرق، ولأن هذه الصورة مدرجة ضمن ميزان قوى يميل بشكل دائم لصالح الغرب، فإن الشرق تمت «شرقنته»، أي أن الشرق دفع دفعًا ليكون مطابقًا للصورة التي رسمها الغرب عنه.

وبقي أن نقول أن الكتاب صدرت له ترجمتان باللغة العربية، ترجمة الأستاذ كمال أبو ضيف وهي ترجمة تميزت بقدر من الصعوبة وقد وصفها إدوارد سعيد نفسه بالإشكالية، وترجمة صدرت بعد وفاته للأستاذ محمد العناني، وقد تجاوزت أخطاء الترجمة السابقة وبسطت كثيرًا من المفاهيم التي تناولها الكتاب.

مقالات متعلقة

كتب

المزيد من كتب