لا يبدو أن تقدير الأعمار بمراكمة الدقائق والساعات، ومن ثم الأيام والسنوات، قسمة عادلة بين جميع الناس والخلائق، كان ذلك منذ إنطلاق شرارة الثورة؛ طليعة ربيعٍ أزهر على أيدي أطفال، لطالما كنا نستخف بما يمكن أن يفعلوه، ثم ساقت أحداث الثورة ظروفًا حديّة لم يكن من السهل التعامل معها والتعايش وفقها، مما منحت الناس أعمارًا عقلية ونفسية تفوق أعمارهم، ولعل الحصة الكبرى من كل ذلك كانت من نصيب الأطفال أيضًا.
يمنة طفلة في العاشرة من عمرها، إلا أن عمق التجارب التي تعيشها يوميًا في الغوطة الشرقية، يمنحها وعيًا قل أن نجده عند أترابها في مناطق أخرى وفي ظروفٍ معيشية أفضل.
يمنة، هي عينها التي كانت تتسلى بإحصاء غارات طيران الأسد منذ أسبوعين؛ أرسلت لعنب بلدي مقطعًا صوتيًا، تحكي قصتها في طابور الخبز، وهي قصة لعلها تختصر رشد الطفولة الذي نتكلم عنه، لنترك الكلام ليمنة صاحبة القصة:
أنا يمنة، من يومين سمعنا بتوزيع ربطات خبز لمن يحمل بطاقة خاصة بمراكز التوزيع، نزلت أنا وبنت خالي لننال حصتنا قبل نفاذ الخبز، وقفنا في الطابور كل واحدة تحمل بطاقتها بيدها؛ أمامنا وقف طفل صغير جدًا، وعندما وصل الدور إليه طلب منه الموزع البطاقة لكنه قال «عمو أنا ما معي بطاقة».
– لا والله يا عمو ما فيني أعطيك بدون بطاقة حتى تكفي الكمية للكل.
لكن الطفل بقي واقفًا «مشان الله يا عمو رحت ع مركز توزيع البطاقات، وما عطوني بطاقة، قال خلصو».
موظف التوزيع لم يعط الطفل الخبز، بينما بقي الطفل بقي واقفًا مكانه.
– الله يخليك عمو.. عطيني نص رغيف بخمسين ليرة.
– يا ابني ما فيني
– بس نص رغيف..
مشى الطفل دون خبز، وحان دوري لاستلام حصتي..
أنا أعرف أن عدد ربطات الخبز لا يزيد عن عدد البطاقات، ولا يمكن للموظف أن يعطي أحدًا دون بطاقة.
لكنني تمنيت أن أصرخ وأنادي الطفل لينتظرني.. وأعطيه رغيفًا من خبزي الذي سأستلمه.
تمنيت أن يعطيه أحد من الرجال رغيف خبز
تمنيت أن أكلّم الموزع ليعطيه ما يريد
تمنيت أن.. أحقق للطفل الذي أمامي حلمه
كان يحلم.. بنصف رغيف فقط..
فقط.. نصف رغيف”.
يمنة.. الغوطة الشرقية.