لم تكن صُدفة تزامن زيارتين، الأولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، والثانية للرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران. خرج الاجتماعان بتصريحات متناقضة جذرياً، إذ صدرت عن نتنياهو تأكيدات في شأن التزام موسكو انسحاب القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية من سوريا، في حين ترافقت زيارة الأسد مع تصريحات سورية عن محور المقاومة وانتصاره واستمراره.
هذا التناقض يدعو إلى التفكر في الاحتمالات المستقبلية. ذلك أن هناك تحديات مقبلة على روسيا وإيران، قد تستدعي تحولاً في المواقف أو تصعيداً فيها.
ما الطارئ على روسيا وإيران؟
تستعد الولايات المتحدة لإقرار رزمتين جديدتين من العقوبات على إيران وروسيا. ايران وروسيا ستشهدان انخفاضاً كبيراً في قدراتهما المالية خلال الفترة المقبلة، بما يجعل التغيير في السياسة الخارجية، إما تصعيداً أو انكفاءّ، حتمياً.
بداية، ستواجه ايران موجة عقوبات جديدة في أيار (مايو) المقبل، والتي توقع مسؤول صيني رفيع أن تحمل مضاعفات أكثر خطورة مما سبق، لأنها ستُقلّص نسبة تصدير النفط الى ما دون المليون برميل يومياً بعدما تجاوزت قبل العقوبات 4 ملايين برميل يومياً.
بالنسبة إلى روسيا، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون “تعزيز أمن أميركا في الشرق الأوسط للعام 2019” الذي ينتظر اقراره في مجلس النواب وتوقيع الرئاسة الأميركية عليه، ليصير نافذاً.
تكمن أهمية القانون في استهدافه الشركات الروسية العاملة في مجال إعادة إعمار سوريا، بما يُقيّد هذا النشاط ويربطه بالحل السياسي غير المكتمل نتيجة طبيعة النظام وإصراره على الاستئثار بالسلطة. والحقيقة أن الشركات الروسية في سوريا لا تتولى إعادة الإعمار بقدر المشاركة في الثروات، على الطريقة الكولونيالية القديمة.
على سبيل المثال، وقعت شركة سترويترانسغاز الروسية اتفاقاً لنصف قرن، (50 عاماً بالتمام والكمال)، لاستخراج الفوسفات واقتسامه مع السلطات الروسية بشكل غير متكافئ (70 في المئة للروس مقابل 30 للسوريين). وهذا سينسحب أيضاً على النفط والغاز مستقبلاً.
من هنا، يأتي التحرك الأميركي لاحتواء هذه المحاولات الروسية. يستكمل مشروع القانون الأميركي الجديد، عقوبات فرضها الكونغرس الأميركي على أثرياء روس وشركات روسية في نيسان (أبريل) العام الماضي. ولهذا انعكاسات خطرة على الاقتصاد الروسي. بين أكثر التأثيرات وضوحاً للعقوبات الأميركية، هروب رأس المال الروسي من جهة، والضغوط الداخلية على الرئيس فلاديمير بوتين لتعديل سياسته وتفادي المواجهة المكلفة مع الغرب. ذلك أن روسيا تشهد ظاهرة خطيرة اقتصادياً، مع تضاعف هجرة رؤوس الأموال بالعملات الصعبة منها، إذ هرّب رجال الأعمال 67.5 مليار دولار العام الماضي (2018)، مقارنة بـ31 مليار دولار عام 2017.
السبب هو احتدام المواجهة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في السياسة الخارجية الروسية، وارتفاع وتيرة العقوبات على الشركات ورجال الأعمال القريبين من الكرملين.
هذا النزيف المالي في روسيا، يزيد التوتر بين مجموعة رجال الأعمال القريبين من الكرملين، من جهة، وبين بوتين ورجالاته من جهة ثانية. وفقاً لتقرير نشرته مجلة أميركية، أبدى رجال الأعمال، من أصحاب المليارات، استياءهم من السياسة الروسية الصدامية مع الغرب. رد فعل إدارة بوتين كان اقتياد الملياردير زيافودين ماغوميدوف العام الماضي إلى السجن بتهم متعلقة بالفساد يُعتقد بأن النظام الأمني رتبها له بهدف توجيه رسالة إلى بقية رجال الأعمال في خصوص استهدافهم في حال تجاوزوا الخط الأحمر، وتدخلوا بالسياسة. وهذا خط ميّز إدارة الرئيس بوتين مقارنة بسابقه الراحل بوريس يلتسين الذي أفسح في المجال لأصحاب المليارات، للعب أدوار سياسية كبيرة من خلف الكواليس.
كلما ازدادت العقوبات الأوروبية والأميركية حدة، كُلما ارتفعت أصوات رجال الأعمال المتضررين بشكل متزايد. سيستدعي ذلك في الكرملين رداً من اثنين، إما التصعيد بمزيد من القمع لهذه الأصوات، والإتجاه لمواجهة أعمق مع العالم الغربي، أو محاولة إرضائه بحل سياسي مقبول في سوريا. وهنا بيت القصيد.
إذا تعمّق المأزق الروسي في سوريا، مع فشل اقتصادي غداة نصر عسكري، هل ترد موسكو بالتخلي عن الأسد ورفع وتيرة الضغط على إيران داخل سوريا؟ وماذا سيكون الموقف الإيراني حينها؟
هناك من يحسم باستعداد روسيا لبيع الأسد في أول مزاد أو صفقة سانحة، وليس السؤال: “هل”، بل “متى يبيع بوتين الأسد”؟