كيف تغير مفهوم “الوطن” لدى السوريات والسوريين

  • 2019/03/03
  • 11:53 ص

منصور العمري

ترافق الحراك الثوري الفكري في سوريا، بتغيّر عديد من المفاهيم مسبقة الصنع التي لقنها نظام الأسد لمواطنيه، من بينها مفهوم الوطن. تحدثت مع سوريات وسوريين في دول اللجوء وداخل سوريا حول فهمهم للوطن اليوم، أشار أغلبهم إلى تغيّر معنى الوطن لديهم/ن.

 

نور برهان

نور برهان، ناشطة حقوقية في ألمانيا

منذ سنين أحاول إيجاد إجابة عن هذا السؤال. فكرة الحدود لا تعجبني، فالإنسانية أكبر، والأمان والحرية هي المعيار، لكن لا بد من إشباع غريزة الانتماء لأنها تحقق الأمان. الوطن هو المكان الذي لدي حصة فيه، وأستطيع التواصل بمحيطي والتأثير فيه. لم تكن شروط الوطن متوافرة في سوريا بشكل كامل، رغم ذلك لدي انتماء لسوريا كوطن حلم، هو الذكريات أحيانًا، فعندما أرى شجرة هنا تشبه أشجار سوريا يداهمني الحنين. ارتبط ضياع مفهوم الوطن بالنسبة لي بضياع الهوية السورية وبسبب الأوضاع الحالية، لكن السعي لبناء الوطن هو جزء أساسي من مفهوم الوطن لدي.

 

 

فتاة في دمشق

فتاة في دمشق (طلبت عدم ذكر اسمها خوفًا من حكام وطنها)

لم أفكر بهذا السؤال قبل عام 2011، كان الوطن بالنسبة إلي مثل أمي وأبي وعائلتي، المكان الذي وُلدت فيه، وارتبطت مشاعري به رغم أنه ليس أفضل البلدان. أحيانًا، محبتي لوطني هي ما تجعلني أتساءل إن كنت أستحق أفضل منه، وفي الوقت ذاته لا أسأل نفسي إن كنت أحبه فعلًا، لخوفي من هذا السؤال الذي قد يأخذني إلى متاهات نفسية.

أما اليوم، فالوطن بالنسبة إلي هو المكان الذي يضم كل ما أحبه، وهو أيضًا المكان الذي يؤلمني التفكير به. أشعر أحيانًا، أنه لم يعد هناك شيء أحبه في بلدي سوى عائلتي، أما بقية الأشياء فتعيش في ذاكرتي لا على أرض الواقع.

 

 

محمد الحمادي

محمد الحمادي، صحفي من درعا في فرنسا

الوطن هو الأمان والاستقرار، والحقوق والحياة الكريمة. الوطن هو المكان الذي يُسخر ثرواته خدمة لأبنائه، لا مزرعة ومكانًا مؤقتًا للإقامة، لا يدخر القاطن فيه جهدًا لإبداله بمكان آخر يؤمن له المواطنة. سوريا الأسد ليست وطنًا نستطيع العيش فيه. رأينا الوطن الحقيقي هنا في فرنسا، كيف تعمل الدولة من أعلى هرمها على خدمة المواطن، رأينا كيف تخرج قوات حفظ الأمن والشرطة لحماية المواطن عندما يريد التعبير عن رأيه، لا أن تقتله في الشارع أو تقتحم منزله وتعتقله. الوطن هو أن تسمع كلمة “الأمن” وتشعر بالاطمئنان لا أن ترتعد فرائصك رعبًا منها.

 

 

سامي الساري

سامي الساري، لاجئ من دير الزور في فرنسا

بالنسبة لي تبدل مفهوم الوطن كثيرًا منذ بداية الثورة، فالوطن أصبح أي مكان أشعر فيه بالحرية والكرامة والمساواة. سوريا أصبحت وطنًا مؤجلًا. فرنسا هي وطني البديل، لكن ليس لدي مشكلة بمغادرتها في حال شعرت أنه هذا الوطن لا يضمن حريتي أو كرامتي. يتعزز لدي مفهوم اللاانتماء أكثر في فرنسا.

 

 

 

زينة إبراهيم

زينة إبراهيم، صحفية سورية كردية في تركيا

نحاول أن نألَف غربتنا عن طريق مقاربة صورة المكان. الوطن في الغربة، هو البقعة التي تجمعنا بأناس يشبهون وطننا الأم، أفتش عن أشياء كنا نعتبرها تفاصيل ثانوية في حياتنا، أحب التكلم مع الكبار بالسن الذين خرجوا مكرهين، أحاول البحث في المطاعم السورية عن أطباق تشبه تلك التي كانت تعدها أمي لنا في المنزل، هناك حارات أتقصد المشي فيها والمقاربة بين تفاصيلها وملامح “دمشق” التي ولدت فيها.

 

 

ستيف الجندي

ستيف الجندي، لاجئ من حمص في ألمانيا

بعد قدومي إلى ألمانيا، أحسست بالقهر بعد المقارنة، فلم يكن لدي وطن في سوريا، كنت أعتقد أن لدينا وطن، أو أننا “كنا عايشين”. أرى هنا رعاية المواطنين من الولادة، وتأمين مستقبلهم وعدم تسلط الدولة على المواطن وتفهمها له، وهذا هو الوطن الحقيقي. الوطن الذي لا يميز بين مواطنيه إن كان ابن الريف أو المدينة، ويقدم الخدمات ذاتها للجميع. كما قالت فرقة عكس السير، كيف سأخدم وطنًا لم يخدمني.

 

 

ماجدة صباغ

ماجدة صباغ، مواطنة سورية “مع وقف التنفيذ” من دمشق في تركيا

بعد خروجي من سوريا أصبح الوطن هو الناس، الأصدقاء ورفاق النضال، بمن فيهم الشهداء والمعتقلون. الوطن ليس كومة من الحجارة، بل هو المكان الذي أحس فيه بالأمان والراحة. رغم ذلك سوريا ستبقى وطن روحي حتى لو لم أعش فيها.

 

 

 

مايا الجندي

مايا الجندي، ناشطة حقوقية من طرطوس في السويد

لم يعد مفهوم الوطن هو ذاته الذي لقنونا إياه في سنوات الدراسة بالمدارس السورية. اليوم أستطيع أن أقول إن الوطن ليس مجرد قطعة أرض، وطني الحقيقي هو الأشخاص الذين أحبهم في أي مكان على الأرض، فهم وطني. لم تعد تعنيني العودة إلى سوريا دون وجود عائلتي وأصدقائي، بالطبع هنالك أمكنة محددة مرتبطة بالذاكرة أحب أن أزورها يومًا ما ولكن ليس للاستقرار لأن الأشخاص الذين كونت ذاكرتي معهم لم يعودوا هناك.

 

 

علي نمر

علي نمر، صحفي سوري كردي في ألمانيا

لا يمكن لمفهوم الوطن أن يتغير بالنسبة لي، فهو المكان الذي ولدت فيه وأنتمي إليه، حتى وإن زرت كل دول العالم وأخدت جنسيتها. الوطن ليس هو النظام مهما كان توجهه استبداديًا او ديمقراطيًا وإنما هو الانتماء للأرض. لم أتاقلم حتى اليوم في ألمانيا بعد أكثر من سنتين، ومع ذلك فكرة الرجوع إلى سوريا في ظل هذه الأوضاع هي انتحار.

حين ينتهي الاستبداد وتنتهي الحرب وتأخذ حقوقك الكاملة، حينها الرجوع ليس مستحيلًا.

 

 

إبراهيم نصر

إبراهيم نصر، ناشط حقوقي في السويد

صوّر نظام الأسد الوطن على أنه رموز ومقدسات لا تمس، قطعة جغرافية وعلم ورئيس ونشيد وطني وعدو خارجي يهدده. كنا عبيد القائد لنلبي نداء الوطن. أما الحرية والوحدة والاشتراكية فكنا نرددها على أنها من مقدسات هذا الفكر دون أن نعلم معناها.

اليوم، لم أعد أرى أن هناك وطنًا وقضية وعلمًا، وأصبح الوطن المكان الذي يمنحني حقوقي ويشعرني بإنسانيتي، والمنظومة الاجتماعية اللي أعيش فيها وأتفاعل معها كإنسان بعيدًا عن أي علم وجغرافيا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي