عنب بلدي – محمد حمص
يشابه الواقع الدوائي في الشمال السوري حال بقية المناطق من حيث النقص في بعض الأنواع وفقدان أخرى، مع فارق رئيسي هو مصدر هذه الأدوية وغياب تسعيرة رسمية ما يؤدي إلى تضارب الأسعار بين منطقة وأخرى.
تختلف أسعار الأدوية بحسب نوعها ومصدرها، سواء كانت صناعة محلية أو مستوردة أو حتى المهرب منها، كما يعاني القطاع من بعض المخالفات في بيع الأدوية الفاسدة أو منتهية الصلاحية.
وتحمل النقابات المحلية ومديريات الصحة على عاتقها مسؤولية ضبط الوقع الدوائي ووضع نظم وآليات تنظم العمل وتمنع التجاوزات.
أربعة مصادر للدواء في الشمال
يعتمد الشمال السوري في الصيدليات ومستودعات التوزيع على ثلاثة مصادر رئيسية للدواء من أكثر من منشأ، بينما يوجد مصدر رابع غير نظامي، وهو تهريب الأدوية من تركيا.
رئيس الرقابة الصيدلانية في مديرية الصحة بمحافظة إدلب، محمد حاج حمود، قال لعنب بلدي إن الأدوية المنتشرة في المنطقة إما محلية الصنع مصدرها معامل أدوية موجودة سابقًا في المنطقة “المحررة”، كمعامل المنصورة في حلب أو معامل رخصت حديثًا من مديرية صحة إدلب، أو من معامل أدوية في مناطق سيطرة النظام تدخل إلى المحافظة من المعابر التي تصل المنطقتين ببعضهما.
المصدر الثالث هو الأدوية المستوردة التي تدخل عن طريق معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين مع تركيا، والتي تشمل الأدوية التي تأتي عن طريق المنظمات المختصة بالقطاع الصحي، وفق حمود، مشيرًا إلى أن معظم الأدوية الواردة عبر معبر باب الهوى من تركيا خاضعة لرقابة دوائية “صارمة”، ولا تعطى تصريحًا للدخول إلا بعد حصولها على “مطابقة للمواصفات الدستورية”.
وأضاف رئيس الرقابة الصيدلانية أن سوق الدواء حاليًا لا يزال يعتمد بالشكل الأكبر على الأدوية الوطنية.
بالنسبة لريف حلب الشمالي، الذي يعتبر منطقة تديرها تركيا وتدعم مؤسساتها، لا يعتبر الفارق كبيرًا، لكن أمين سر نقابة صيادلة حلب، سالم عبد المعطي، يفرق بين مصادر الدواء في الصيدليات العامة والخاصة، فالصيدليات العامة تتبع للمشافي والمراكز الطبية وهي تابعة للمنظمات، ومصادرها تكون غالبًا من الدعم المقدم للمنظمات، أما الصيدليات الخاصة التي يمتلكها صيادلة، فلها مصادر متنوعة، ومنها ما هو قادم من مناطق النظام، ومنها ما هو مصنوع محليًا، وأخرى مستوردة تنقسم إلى صنفين، صنف يتم استيراده عن طريق مستودعات خاصة تعمل بالدواء الأجنبي معظمها في مناطق سيطرة النظام السوري تدخل إلى المنطقة عن طريق المعابر، وأخرى غير قانونية، مهربة، تدخل عن طريق الحدود التركية السورية.
الأسعار غير مضبوطة
يشهد سوق الدواء بشكل عام تضاربًا في أسعار البيع، بسبب عدم وجود آليات صارمة لضبط العملية سواء من البائع المباشر أو من مستودعات التغذية، كما أن دخول بعض أنواع الأدوية من مناطق سيطرة النظام إلى محافظة إدلب وريف حلب يخضع لأتاوات تفرضها التشكيلات العسكرية على المعابر.
وفي تصريح لعنب بلدي قال مدير المكتب الطبي لمدينة الباب في ريف حلب، أحمد العابو، إن ضبط الأسعار لم يكن ممكنًا بسبب “المشكلة الكبيرة” في توريد الأدوية، ووصولها من طرق مختلفة وبفروقات بالأسعار، مؤكدًا الفوضى في هذا المجال.
وقال رئيس الرقابة الصيدلانية في مديرية الصحة في محافظة إدلب، محمد حاج حمود، إن الأسعار كانت سابقًا (قبل 2011) محددة من وزارة الصحة، وأسعار الدواء محددة بتسعيرة معينة تدون على كل قطعة دوائية.
أما اليوم، فإن الظروف التي تعيشها إدلب وواقع الاستيراد وتغير سعر الليرة تؤدي إلى تذبذب الأسعار، مع الإشارة إلى التلاعب في بعض الصيدليات ومستودعات التوزيع أحيانًا، بحسب حمود.
وبشكل عام لا يمكن تحديد تسعيرة دقيقة لكل قطعة دوائية، وفق حمود، الذي أشار إلى أن الرقابة حاليًا تعتمد على شكاوى المواطنين.
وأضاف حمود أن الرقابة تركت هامشًا مقبولًا كمراعاة لفروق أسعار الأدوية، بحيث لا يتم تجاوزه، وفي حال التجاوز تتابع الرقابة الشكوى وتطلب فاتورة استجرار من الصيدلاني وتتم مقارنتها مع السعر الذي يفترض أن تباع به، وفي حال وجدت مخالفة تتم محاسبة المخالفين.
تجاوزات وقلة انضباط.. ما الحلول؟
تتمثل قلة انضباط السوق الدوائية في غياب الرقابة وغياب الآليات الناظمة، إلى جانب قلة الصلاحيات الممنوحة للمتنفذين بهذا القطاع أو عدم قدرتهم على إلزام الصيدليات والمستودعات بالبيع ضمن الأصول.
مدير المكتب الطبي في مدينة الباب، أحمد العابو، عزا غياب الآليات الناظمة إلى عدم تفعيل نشاط المديريات، مشيرًا إلى أنه حتى المديرية المودجودة في إدلب ليست لديها صلاحيات كافية ولا إمكانيات لمحاربة الأدوية غير النظامية سواء كانت مزورة أو هناك مشاكل في تصنيعها.
ونوه رئيس الرقابة الصيدلانية بمديرية صحة محافظة إدلب، محمد حاج حمود، إلى أن الصرف الصحيح للأدوية يكون من خلال وصفة طبية ممهورة، يتم تدقيقها من قبل الرقابة والصيدلاني، مشيرًا إلى أن هناك صيدليات غير مرخصة لا تدار من قبل نقابة الصيادلة في المنطقة.
وحول الحلول لمشاكل القطاع في ريف حلب، قال العابو إنه هناك اجتماعًا ضم كل مكاتب منطقة “درع الفرات” (ريف حلب الشمالي) تم الاتفاق فيه على أمور كثيرة من ضمنها ترخيص الصيدليات وتوحيد السجلات، وبدأت تلك المكاتب بترخيص المستودعات وتوحيد سجلاتها في مدن وبلدات ريف حلب، بشروط موحدة بين المكاتب الطبية وبرسوم موحدة.
وأضاف العابو أن هناك عملًا على إلزام الصيدليات بشراء الدواء من المستودعات المرخصة، بشرط أن يمهر كل مستودع الدواء الصادر عنه، ليتحمل الصيدلاني أو المستودع مسؤولية الدواء في حال تم دخوله من مصدر مجهول.
ويرى العابو أن مشكلة المستودعات الجوالة التي قد تبيع أدوية فاسدة انتهت، مضيفًا أن المكاتب الطبية لا تطالب المستودعات بكشف مجهري دقيق أو تحليل كيماوي، ولكن هناك أدوية فاسدة علاجيًا تباع دون علم الصيدليات.
المستودع هو نقطة رئيسية بضبط الأمور، من وجهة نظر العابو، ويجب أن يكون لكل مستودع صلاحيات معينة بحسب ترخيصه، بشرط تقديم سجلات شهرية، بالإضافة إلى تقديم الصيدليات سجلاتها بالأعداد والكميات المباعة.
ومن ضمن مخرجات الاجتماع أطلقت المكاتب الطبية في ريف حلب مشروعًا لنقابة مركزية للصيادلة، من خلال توسيع نقابة الصيادلة في مدينة الباب لتشمل مدن المنطقة كافة.
بينما تعمل مديرية صحة إدلب على ترخيص جميع الصيدليات وإغلاق المخالف منها، وفق رئيس الرقابة الصيدلانية بمديرية الصحة محمد حاج حمود.
وأضاف حاج حمود أن كل صيدلية رخصت حديثًا تزود بسجل للأدوية لا سيما النفسية المخدرة، وتقوم الرقابة بجرد تلك الأدوية ليصار بعدها إلى التدقيق عن طريق كشوفات دورية أو جولات رقابية لضبط صرف تلك الأدوية.
واعتبر أن الوصول لواقع دوائي أفضل ليس فقط من مسؤوليات القطاع الصحي، مشيرًا إلى أنه يفترض تكامل عدة جهات معنية بالاقتصاد والتجارة الداخلية إلى جانب ضبط المعابر وعدة أمور تدخل في هذا المجال.