خطيب بدلة
مشكلتنا، نحن السوريين، مع النظام السوري، في الأساس، مشكلة دستورية. هذا ما كتبه الصديق “دارا العبد الله” على صفحته، يعني، بحسب “دارا”، خلافُنا بالرأي مع بشار الأسد وأركان حربه، كان على تطبيق مواد الدستور، وليس حول أي شيء آخر.
مثلًا: إن تحريك جحافل الفرقة العسكرية الرابعة، من قبل ماهر الأسد، باتجاه درعا، في بداية الثورة، وما قامت به من قتل ومداهمة وتفتيش واحتجاز، لم يحصل ارتجالًا، فالأخبار المتسربة تقول إن القسم القانوني في الفرقة الرابعة قد استنفر، فور انطلاق الثورة، وعقد اجتماعًا مفتوحًا، استعرض فيه الدستور السوري مادةً مادة، وبندًا بندًا، حتى تَوَصَّلَ إلى صيغة تُدَسْتِرُ ذلك الاجتياح، وتنسجم، بشكل خاص، مع منطوق المادة التي تتحدث عن مسؤولية الدولة تجاه الشعب، وصيانة الحريات العامة، وتجعل تلك الارتكابات منسجمة مع روح القوانين النافذة في الجمهورية العربية السورية.
كان وضعُ رؤساء الشعَب الأمنية وفروعها في المحافظات أصعب بكثير من وضع ماهر الأسد، فلكي تعتقل مواطنًا سوريًّا واحدًا، لا بد لها، بحسب القوانين السارية، أن تحصل على موافقة خطية من النائب العام في المحافظة التي يتبع لها، وأنتم، سادتي القراء، تعلمون، أن ممثلي النيابة العامة، بشكل عام، يجري انتقاؤهم من بين أكثر القضاة صلابة وتشددًا، بل يمكن أن نطلق عليهم صفة تُسْتَخْدَم في وصف التيوس -حاشاكم- وهي التَنَاحة، يعني أن الواحد منهم لا يوافق على اعتقال مواطن ما إلا بشق النفس، وطلوع الروح، وحتى لو حاول ضابط الأمن رشوته لقاء الموافقة، يرفض الرشوة بشمم، ويبقى على عناده وتناحته مسوغًا ذلك بقوله إن حرية السوريين أمانة في رقبة النيابة العامة، وإنه لا يجوز التفريط بالأمانة.. وقد وصلتنا أخبار من داخل مكتب اللواء “جميل حسن” رئيس شعبة المخابرات الجوية أنه كان يُرَى، مرارًا، وهو يذرع مكتبه جيئةً وذهابًا، بالغَ القلق والاضطراب عندما يرسل أحدُ فروعه طلبًا للنائب العام في محافظته لأخذ موافقته على اعتقال شخص يُشَكِّلُ بقاؤه خارج السجن خطرًا على السيادة الجوية للبلاد، ويقول سيادة اللواء، كمن يحدث نفسه، يا ترى النائب العام يوافق؟ لا يوافق؟ وتنتهي الحكاية بأن يجلس ويرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب ألهمه على الموافقة لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية وقطرنا الصامد.
دعونا، أعزائي، نُعْطِكم من الآخر، على طريقة دلال العقارات، ونفترض جدلًا بأن ممثلي النيابة العامة في المحافظات السورية وافقوا على كل طلبات الأفرع الأمنية المتعلقة باعتقال العشرات، بل المئات، بل الألوف من أبناء هذا القطر الصامد، برأيكم، هل يستفيدون شيئًا؟ طبعًا لن يستفيدوا، فالمُتَّهَمُون يستحيل أن يعترفوا بأي شيء له علاقة بارتباطهم بالمؤامرة الكبرى، لأن الضرب في المعتقلات ممنوع، ومعروفة هي حكاية المساعد الأول الذي ضرب مواطنًا بالكف في أثناء التحقيق في سنة 2011. صدقوا بالله أن تداعيات ذلك الكف ما زالت تتفاعل في سوريا، وفي المحافل الدولية حتى لحظة كتابة هذه الزاوية، رغم أن المساعد الأول سُرِّحَ من عمله، وأحيل إلى مجلس التأديب!