عنب بلدي – درعا
تستمر روسيا باستخدام أسلوب المراوغة والتخدير المستقبلي في محافظة درعا جنوبي سوريا، عبر تقديم وعود للأهالي بتحقيق مطالبهم لكن دون تنفيذ.
ولا يمر يوم دون مشاهدة عربات ومصفحات روسية تجوب المناطق الجنوبية، وخاصة المناطق الغربية، ومن ضمنها منطقة حوض اليرموك التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة” ومنطقة القنيطرة المحاذية للجولان المحتل من إسرائيل.
وتمكنت قوات الأسد والحليف الروسي من السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة، في تموز العام الماضي، بموجب اتفاقيات تسوية، بعد أيام من قصف وتعزيزات عسكرية، وسط تقديم ضمانات روسية للأهالي وفصائل المعارضة.
ضابط عسكري مرافق للروس
وقال المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي، العقيد إيغور فيدوروف، في 19 من شباط الحالي بحسب وكالة “تاس” الروسية، إن الأهالي في درعا يلجؤون (للروس) لحل العديد من قضاياهم التي لا يمكنهم حلها بأنفسهم، منها معرفة مصير أقاربهم، وحل مشاكل الإقامة والسكن والعقارات.
وأوضح المسؤول أن أكثر من 500 طلب وصل من الأهالي إلى المركز الروسي للمصالحة لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين السوريين في فرع محافظة درعا لمعرفة مصير أقاربهم وحل بعض مشاكلهم.
كما اعتبر رئيس الشرطة العسكرية، فلاديمير إيفانوفسكي، في 18 من شباط، أن صورة إيجابية تشكلت لدى السكان المدنيين عن “الشرطي العسكري الروسي”.
وعمل الروس على إجراء زيارات دورية لقرى حوران وقابلوا خلالها الأهالي واستمعوا لمطالبهم العامة، وشملت الزيارات المدارس والمراكز الصحية، وسط تقديم الأهالي طلبات تتعلق بالحفاظ على البنية التحتية للمدارس، وترميم وإنشاء وحدات صفية جديدة، وإحداث نقاط طبية جديدة وصيانة وإعادة تشغيل المرافق العامة من بنى تحتية كالكهرباء والمياه.
مدرّس في منطقة حوض اليرموك تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي إن مديرية التربية عملت على إصلاحات وترميم المدارس المتضررة وشملت دورات المياه وتصليح الأبواب والشبابيك، ولكن أغلب المناطق بحاجة إلى وحدات صفية جديدة.
وأضاف المدرّس (50 عامًا)، وهو من وجهاء المنطقة، أن المديرية قدمت الطلبات للروس خلال اجتماعات بين الجانبين، وسجلوها لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ أي من الوعود.
ويصر الروس على سؤال الأهالي عن وضع الخدمات في المنطقة الغربية باستمرار وكأنهم يقومون بدراسة عن الواقع المعيشي والخدمي ودراسة كلفة إعادة تأهيل المنطقة، وقد تقدم مواطنون بإصلاح الطرق من الحفر والمطبات، لكن حتى الآن لم تنفذ أي جهة حكومية أو عن طريق الضامن الروسي أيًا من الخدمات المطلوبة، وسط تململ وغياب الأمل من تنفيذ الطلبات من قبل الروس.
واقتصرت اللقاءات مع الروس على الطلبات الخدمية والمعتقلين وعودة الموظفين، دون التطرق للأمور السياسية، علمًا أن الروس يطلبون من الأهالي التحدث بحرية، لكن دائمًا يرافق الوفود الروسية ضابط في الأمن العسكري التابع لقوات الأسد، ومترجم يعتبره الأهالي موظفًا لصالح الأمن العسكري.
مواطنون: نريد المعتقلين لا الخدمات
لعل أكثر طلب للأهالي في سوريا عامة ودرعا بشكل خاص هو كشف مصير المعتقلين لدى النظام السوري، وكان إخراج المعتقلين من أول المطالب التي وعدت بها روسيا في أثناء التفاوض مع الأهالي قبل سيطرة قوات الأسد، وطلبت إحصاء دقيقًا لهم، لكن حتى الآن لا يوجد تقدم في الملف.
أبو محمود (70 عامًا) مواطن من بلدة المزيريب قابل الجنود الروس وطلب منهم رؤية ولديه، اللذين اعتقلهما النظام منذ أربع سنوات.
وأوضح لعنب بلدي، “قلت للروس لا أريد منكم خدمات ولكن نريد المعتقلين”، مضيفًا، “رحبوا بي وسجلوا طلبي ومضت أشهر ولم يتحقق، ولا أمل برؤية أبنائي. الله يفرجها عن جميع المعتقلين”.
وجرى اجتماع، في شهر تشرين الأول الماضي، ضم الفعاليات الأهلية والمدنية بالمنطقة الجنوبية مع الروس في مدينة طفس، وتركزت مطالب الحضور على تنفيذ الالتزامات التي قطعها الضامن الروسي على نفسه.
وفي نهاية الاجتماع طلب “الضامن الروسي” قوائم بالمعتقلين القدامى والموظفين المفصولين لمواقفهم من النظام السوري، وتعهد بتسوية أوضاع الشهادات الصادرة عن الائتلاف المعارض.
روسيا والنظام وجهان لعملة واحدة
ومنذ بداية التسوية دخلت روسيا كضامن يكبح جنوح النظام نحو سطوته الأمنية واعتقال معارضيه، لكن هذا الضامن أغلق عينيه ولم يكترث لحوادث الاعتقال التي بلغت منذ تاريخ التسوية مئات المعتقلين.
وحصلت عنب بلدي على إحصائية من “مكتب توثيق الشهداء بدرعا”، في 13 من شباط الحالي، لعدد الأشخاص الذين اعتقلهم النظام السوري في درعا منذ توقيع اتفاق التسوية، وبلغ 312 شخصًا بينهم 132 مقاتلًا في “الجيش الحر” من ضمنهم 26 قياديًا قتلوا في ظروف التعذيب والاعتقال.
وقال قيادي في “الجيش الحر” سابقًا، طلب عدم الكشف عن اسمه، “إن الروس موجودون والناس تلجأ لهم بكل الأحوال، لكنهم صمام أمان لصالح النظام فقط، فهم لا يتدخلون إلا إذا اقتضت مصلحة التسوية، أو شارفت على الانهيار كما حصل بعد مظاهرة درعا البلد”.
وأضاف القيادي أن الاجتماعات مع الروس كثيرة لكنهم دائمًا يقدمون الوعود دون تنفيذ، ولم يفوا بالعهود التي قطعوها في أثناء اتفاق التسوية من إخراج المعتقلين وعودة الموظفين المفصولين، بل على العكس زادت الاعتقالات بحضور الضامن الروسي.
من جهته أرجع أحمد العمار، وهو موظف سابق بوزارة الإدارة المحلية التابعة للحكومة المؤقتة، رحيله من درعا إلى الشمال السوري إلى عدم ثقته بوعود الضامن الروسي.
وقال العمار إن “روسيا، التي دمرت وقتلت وأعانت النظام على القتل لن تكون حمامة سلام، ولن تجلب الخير والأمان للجنوب السوري، النظام اعتقل زملاء لي واعتقل نساء ولم يحسب أي حساب لوعود الروس أو حتى لوجودهم في المنطقة”.
واعتقد الموظف السابق أن الروس والنظام وجهان لعملة واحدة وما يفعله النظام يروق للروس، وهدفهم بالنهاية بسط النفوذ الأمني الكامل على كامل سوريا.