قد يستغرب القارئ من عنوان كهذا، ويتساءل: كيف يكون هناك مستوصف مخصص للعناية بالمرضى ولا يتوفر فيه طبيب في القرن الواحد والعشرين.
نعم، في خضم الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون، والتي افتقدوا فيها إلى أبسط أشكال الحياة وأكثرها ضرورة، من غير المستغرب وجود مستوصف أو حتى مشفى بدون طبيب، أو فرن بدون خبز، أو محطة بدون وقود، أو أو أو …، وهو حال عشرات المدن التي أضحت بدون سكان، بسبب ما تتعرض له من آلة البطش والتنكيل التي يمارسها النظام السوري منذ بدء الثورة السورية، ورغم ذلك عجلة الحياة ما تزال مستمرة.
لم تقتصر المشكلة على المستوصف الوحيد في بلدة المقيلبية (غرب دمشق)، إذ يعاني فيها الأهالي من افتقاد الأطباء في جميع أنحاء البلدة، التي تعد من أكثر المناطق التي استقبلت المهجرين من شتى بقاع الريف الغربي والجنوبي لمدينة دمشق، حيث تعاني هذه البلدة منذ ما يزيد عن عام من انعدام كلي لأي شكل من أشكال الخدمات الصحية، باستثناء المستوصف الوحيد الموجود فيها والذي لا يوجد فيه أطباء، ويقتصر على ممرض يعالج بعض الحالات الصحية الخفيفة، بعد أن عزف فيها جميع أطباء البلدة عن العمل، وفضلوا الهروب بأرواحهم نتيجة الظروف التي تتعرض لها الكوادر الطبية في سوريا من ملاحقات أمنية واعتقالات مستمرة بسبب مساعدتهم للجرحى، تاركين وراءهم الآلاف من المرضى والجرحى لا يعلم حالهم إلا الله.
هذا الأمر دفع بالكثير من الأهالي للجوء إلى المشافي والعيادات في البلدات والمناطق المجاورة، وعلى رأسها مدينة الكسوة، للتخفيف من آلامهم ومعالجة أمراضهم. يقول أبو أمجد، أحد المهجرين من مدينة داريا، «نضطر للذهاب إلى مدينة الكسوة عند أي حالة مرض، متجاوزين ما يزيد عن ثلاث حواجز ومعرضين أنفسنا للخطر بغض النظر على النفقات الكبيرة التي نضطر لدفعها بسبب المواصلات والتنقلات، علمًا أنه في بيتي في مدينة داريا كان يقيم ثلاثة أطباء في نفس البناء الذي نسكن فيه، ولم أضطر يومًا للخروج إلى العيادات الخارجية، إن أكثر ما يخيفني ويجعلني أفكر فيه دومًا هو إصابة أحد من أبنائي بمكروه ليلًا، لأن المنطقة يمنع فيها التجوال بعد الساعة التاسعة مساءً، والتي يقوم بعدها اللواء 175 المتسلط على المدينة باستهداف أي كائن يتحرك».
ويضيف أبو إحسان (نازح آخر) عن معاناته مع أمه المريضة، التي تعاني منذ ما يزيد عن سبع سنوات من أمراض مزمنة جعلتها عاجزة تمامًا عن النهوض والمشي، والتي تضطر للذهاب إلى عيادة الطبيب مرة كل شهر على الأقل، «بسبب انعدام الأطباء في المنطقة استغنيت عن عيادة الطبيب في مناطق أخرى لعدم قدرتي على النفقات الباهظة أولًا، ولعدم قدرتي على التنقل والمرور عبر حواجز النظام ثانيًا»، وعوضًا عن ذلك، فضل أبو حسان اللجوء إلى الصيدليات للحصول على استشارة في بعض الحالات الحرجة.
هذه واحدة من آلاف القصص التي تنتهي أحيانًا بموت أصحابها تحت وطأة المرض وألم الجراح، إذ يجبرهم الوضع المادي المزري والظروف الأمينة الصعبة على الرضوخ للواقع واستقبال الموت بكل رحابة صدر.
يذكر أن بلدة مقيليبة المتاخمة لمدينة الكسوة والتابعة لمحافظة ريف دمشق، تحوي ما يزيد عن خمس وعشرين ألف نسمة، معظمهم من المهجّرين من مختلف أنحاء المحافظات السورية، ويعانون من حصار شبه كامل منذ ما يزيد عن عامين، بالإضافة إلى المضايقات المستمرة التي تصيب هذه البلدة كل مدة.