دمشق – ماري العمر
بردى، النهر الذي اشتهرت به دمشق وكان رمزًا تاريخيًا عريقًا تغنى به الشعراء على مر العصور، بات اليوم منسيًا، لتملأه النفايات والمجاري وتتحول صورته إلى مجرى يوزع الأمراض والروائح الكريهة بين الأحياء الدمشقية.
غابت أفرع النهر السبعة، المتمثلة بقنوات مائية متوزعة في المدينة بأسمائها الشهيرة، بين الإهمال الحكومي والأسباب الأمنية التي أغلقت بعضها، إلى جانب النفايات التي تملأ النهر في جنبات الشام وأحيائها الرئيسية.
ينبع نهر بردى من جنوبي منطقة الزبداني شمال غربي العاصمة، ليبدأ رحلته عبر وادي بردى ليرفده نبع الفيجة بغزارة مياهه، ثم يكمل طريقه إلى الهامة ودمر ويصل إلى منطقة الربوة أول دمشق.
ويتفرع النهر في منطقة الربوة إلى سبعة أفرع تتوزع في أنحاء المدينة، ليتجه بعدها إلى الغوطة الشرقية فيرويها ويصب أخيرًا في بحيرة العتيبة.
ورد في تسمية نهر بردى قديمًا اسم “باراديوس” أي نهر الجنة أو الفردوس، بحسب ما ذكر المؤرخ ابن عساكر في كتبه، وحظي النهر بحفاوة عالية عبر آلاف السنين بدءًا من العهد الآرامي ووصولًا إلى الحقبة الإسلامية وخاصة العهد الأموي، حيث تعتبر أفرعه من أقدم شبكات الري في العالم. |
النهر أصبح مستنقعًا للنفايات
انتشرت تسجيلات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مطلع شباط الحالي تظهر مجرى النهر مليئًا بالقمامة، واستطلعت عنب بلدي آراء عدد من سكان المدينة حول ما آلت إليه أوضاع النهر.
واتفقت معظم الآراء على تحميل الحكومة مسؤولية ما وصفها من قابلتهم عنب بلدي بـ “الكارثة”،
خالد شاب عشريني يقول، “استبدلت دمشق رائحة الياسمين بروائح النهر، يجب على الدولة إيجاد حل لذلك، خاصة قبل قدوم الصيف وما قد يخلفه وضع النهر والنفايات من أمراض”.
“منزلي مطل على النهر والرائحة المنبعثة منه والحشرات تصيب أطفالي بالأمراض”، بحسب “أم سامر”، وهي من سكان منطقة الربوة، وقد قدمت عدة شكاوى لمجلس البلدية الذي يجيبها بأن الأمر قيد الدراسة.
قبل أعوام كان نهر بردى متنفسًا لأهالي دمشق، وكان معظمهم يتنزهون على ضفاف النهر من عين الفيجة والربوة وصولًا إلى الغوطة، لكن اليوم تحول هذا المتنفس إلى عبء على سكان دمشق والمناطق التي يمر بها النهر بعد أن أصبح النهر مكبًا لنفايات المطاعم العامة إضافة لتحويل مياه الصرف الصحي إليه.
لا حلول تنقذ بردى
تلتزم حكومة النظام السوري الصمت حيال وضع نهر بردى، لكن وزارة البيئة أجرت دراسة، في عام 2013، اعتمدت فيها على عينات مأخوذة من مياه النهر، واستنتجت حينها أن منسوبه المنخفض حوله إلى ساقية مليئة بالأوساخ الصلبة الواضحة للعيان، غير أن بعض المواد الصلبة تطفو على سطح المياه وتظهر فيها الطحالب، بحسب الدراسة، التي صنفت مياهه بأنها “عديمة الجودة، وفائقة التلوث والخطورة على الإنسان والبيئة، وعديمة الصلاحية”.
في نهاية عام 2017، خصصت وزارة الإدارة المحلية والبيئة مبلغ أربعة مليارات ليرة سورية، لرفع التلوث عن نهر بردى من المنبع إلى المصب بما يشمل تنظيف النهر بما وصفته بـ “المشروع الاستراتيجي للمعالجة الجذرية” ليسهم في تحسين الواقع المائي والبيئي لمحافظتي دمشق وريفها، وفقًا لصحيفة “الثورة”.
وقالت محافظة دمشق حينها، إنه سيتم إنشاء محطات معالجة في منطقة جمرايا بكلفة 6.5 مليار ليرة، وعند معمل الإسمنت بمدينة دمر بكلفة أربعة مليارات ليرة، إضافة لتخصيص مبلغ 1.5 مليار ليرة لتنفيذ محور الصرف الصحي من عين الفيجة حتى محور المحطة بطول 7700 متر ولمدة عامين كفترة محددة للتنفيذ.
لكن الحال اليوم لا يظهر إصلاحات حكومية توازي عراقة النهر أو الفائدة الاقتصادية التي يتوقع أن يوفرها لسكان العاصمة.