شؤون السوريين في لبنان بعصبة “التيار الأسدي”

  • 2019/02/17
  • 12:35 ص

عنب بلدي – رهام الأسعد

باشر صالح الغريب مهامه الجديدة في رئاسة وزارة “النازحين السوريين” في لبنان دون بروتوكول رسمي للتسليم، إذ حامت حوله اتهامات وشبهات ومخاوف ادعت قربه من النظام السوري والتيار العوني المطالب بترحيل اللاجئين السوريين.

مع ولادة صعبة للحكومة اللبنانية، في 31 من كانون الثاني الماضي، كان لا بد من تنازلات يقدمها رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لسد الفراغ الحكومي الذي دام ثمانية أشهر في البلاد، ولعل أبرز تلك التنازلات هو تسليم وزارة النازحين السوريين لشخص مقرب من “التيار الوطني الحر” المُطالِب بترحيل اللاجئين، بعد أن كانت الوزارة بأيدٍ “أمينة” تناصر حقوق اللاجئين وتكشف ممارسات لبنانية وسورية للضغط عليهم في موضوع العودة.

من معين المرعبي، المنتمي لـ “تيار المستقبل” المناهض لممارسات “حزب الله” في سوريا، إلى صالح الغريب، المقرب من الحزب والنظام السوري، انتقلت وزارة النازحين السوريين في لبنان، ليدخل هذا الملف الجدلي الشائك في دوامة، ارتفعت معها حدة التصريحات اللبنانية وزادت من مخاوف اللاجئين السوريين.

سجال بين الوزيرين بدأ بخرق البروتوكول

استلم الوزير الجديد صالح الغريب مقعده الوزاري بشكل رسمي، الاثنين 11 من شباط الحالي، ولكن دون بروتوكول معتاد يقضي بحضور الوزير القديم مراسم التعيين من أجل تسليمه الحقيبة الوزارية.

المرعبي قال إنه لن يسمح لنفسه بتسليم الوزارة لممثل النظام السوري في الحكومة اللبنانية، رافضًا مصافحة خليفته ومفضلًا مغادرة الوزارة بما أنجزه من جهود “خجولة” لا تُخفي مناصرته للاجئين السوريين ورفضه الضغط عليهم من أجل العودة إلى بلدهم.

ذلك الموقف أثار استهجان حزب “التوحيد العربي”، الذي ينتمي له الوزير الجديد صالح الغريب، إذ أصدر الحزب بيانًا حاد اللهجة حمل في طياته اتهامات للوزير المرعبي باختلاس الأموال المقدمة للاجئين السوريين في لبنان، واستثمار وجودهم ومنعهم من العودة إلى بلدهم من أجل وضع يديه على أموالهم.

وجاء في البيان الذي نشره الحزب على موقعه الرسمي أن “الوزير الغريب الذي نشأ في بيت مشايخ من أهل التقوى والإيمان والورع (…) لا يشرفه على الإطلاق مصافحة وزير أصبح عنوانًا للفساد والتآمر على النازحين والمتاجرة بحقوقهم”.

تعليقًا على ذلك السجال، يرى الصحفي اللبناني جاد يتيم أن الوزير السابق معين المرعبي قرر خرق البروتوكول من منطلق يراه “أخلاقيًا”، إذ لا يريد أن يكون شاهدًا على تسليم الوزارة لشخص محسوب على خط النظام السوري في لبنان، في إشارة منه إلى “حزب الله” والقوى اللبنانية المنضوية تحته.

وبحسب ما قال يتيم، في حديث إلى عنب بلدي، فإن صالح الغريب تعهد عند لقائه الرئيس اللبناني، ميشال عون، بحل ملف اللجوء السوري بالتنسيق مع النظام السوري، الأمر الذي كان يرفضه الوزير السابق.

ومن المتوقع أن يستكمل الوزير الجديد خطة بدأها الأمن العام اللبناني، منتصف العام الماضي، من أجل إعادة اللاجئين السوريين، وتقضي بتسجيل أسماء اللاجئين الراغبين بالعودة لدى البلديات اللبنانية، ثم تأمين عودتهم إلى قراهم في القلمون الغربي وريف حمص بالتنسيق مع النظام السوري وأجهزته الأمنية.

وتتخوف المنظمات الإنسانية والحقوقية على مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري لا يسمح لتلك المنظمات، ومن بينها الأمم المتحدة، مرافقة اللاجئين في أثناء عودتهم والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية والأمنية.

كيف يمكن أن يؤثر الوزير الجديد على ملف اللاجئين؟

أثار تقرب صالح الغريب من الأحزاب اللبنانية المحسوبة على النظام السوري مخاوف لدى اللاجئين السوريين، وسط تساؤلات عما سيؤول إليه حالهم نتيجة الاختلاف الجذري بين توجهات الوزير السابق والحالي، خاصة أن وضع السوريين المتدهور في لبنان لا يحتمل مزيدًا من الضغط.

لكن الصحفي جاد يتيم يرى ألا تغييرات جذرية قد تطرأ على ملف اللاجئين، طالما أن لبنان مجبر بموجب دستوره على الالتزام بالمعاهدات والأعراف الدولية التي ترفض الضغط على اللاجئين من أجل العودة إلى أوطانهم تحت مسمى “العودة الطوعية”.

وأضاف أن الحكومة اللبنانية التي وافقت على تطبيق الخطة الروسية بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لن تكون قادرة على الالتزام بها إلا وفق معايير الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم “2254”.

وتابع، “لبنان لا يستطيع الخروج عن القرار الدولي، وعن قرارات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي”، إذ ترى الأخيرة أنه من المبكر الحديث عن عودة اللاجئين السوريين حول العالم إلى بلدهم.

وبالتالي فإن توجهات الوزير الجديد قد تؤثر، بحسب يتيم، على اللاجئين السوريين في بعض النواحي الحياتية اليومية، المتمثلة باتخاذ قرارات مجحفة بحقهم على المستويين القانوني والاجتماعي، أو الضغط عليهم من أجل العودة، لكنه لن يكون قادرًا على تغيير الاستراتيجية العامة أو الخروج عن المنظومة الدولية التي ترى أن سوريا “ليست آمنة بعد” من أجل عودة السوريين.

وفي نفس الوقت، رصدت المنظمات السورية العاملة في لبنان مخاوف لدى بعض اللاجئين السوريين بعد تسلم الوزير الجديد، إذ يرى مسؤول المناصرة والتواصل في منظمة “النساء الآن” الناشطة في لبنان، أنس تللو، أن مخاوف اللاجئين في لبنان تتلخص في احتمالية إجبارهم على العودة “غير الطوعية” إلى سوريا.

وقال تللو لعنب بلدي إن المخاوف تبقى واهية طالما لا يوجد قرار سياسي رسمي يفرض على اللاجئين العودة.

ودعا تللو منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية العاملة في لبنان إلى التأكيد على المعايير الدولية للعودة، شرط أن تكون “طوعية وآمنة وكريمة”، مضيفًا أن على تلك الجهات رصد الاختراقات والضغوطات المرتكبة ضد اللاجئين والإبلاغ عنها، بالإضافة إلى متابعة شؤون اللاجئين العائدين إلى سوريا لمعرفة مدى تعرضهم لانتهاكات وتوثيقها أمام المجتمع الدولي.

الجديد “لونه سوري”.. ماذا عن القديم؟

ردود فعل داخلية أثارها تعيين الوزير الجديد، صالح الغريب، على رأس وزارة الدولة اللبنانية لشؤون النازحين، أثارت جدلًا حول مدى فاعلية القديم في خدمة اللاجئين، وما يمكن أن يحدثه الجديد من تغييرات.

إذ انتقد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” والنائب السابق، وليد جنبلاط، تعيين صالح الغريب في هذا المنصب، كونه مقربًا من “التيار الوطني الحر” المطالب بالضغط على اللاجئين السوريين من أجل العودة إلى بلدهم.

ووصف جنبلاط، خلال اجتماعه بالتكتل البرلماني التابع لحزبه في 3 من شباط الحالي، الوزير الجديد بأن “لونه سوري”، مضيفًا، “سنقوم بمعركة لأننا لن نتخلى عن حماية ‏اللاجئين السوريين، ولن ننجر إلى رغبة الفريق السوري بالوزارة لجرهم إلى المحرقة والسجون‎”.

بينما ظهر وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، مجددًا تصريحاته بلهجة تصعيدية ضد اللاجئين السوريين، بقوله إن وجودهم في لبنان “أرهق” الاقتصاد المحلي ماديًا، بخسائر وصلت إلى 40% من ناتجه القومي.

أما رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، فأعلن فور تشكيلها أنه استثنى السوريين من الموازنة المالية لعام 2019، داعيًا المانحين الدوليين إلى تقديم المساعدات اللازمة لهم.

وبالنظر إلى الانتقادات الموجهة للوزير الجديد، صالح الغريب، تُطرح علامات استفهام حول مدى فاعلية سابقه معين المرعبي في ملف اللاجئين السوريين ومدى حمايته لهم.

إذ يرى الصحفي اللبناني جاد يتيم أن وجود المرعبي على رأس الوزارة أسهم بشكل كبير في تقديم التسهيلات الممكنة لهم، خاصة فيما يتعلق بتوزيع المساعدات وتخصيص مشاريع محددة تعود بالفائدة عليهم.

وأضاف يتيم لعنب بلدي أن المرعبي لم يستطع إحداث تغيير جذري كونه يتوجب عليه بالنهاية الالتزام بقرارات الدولة اللبنانية التي يُعتبر جزءًا منها، إنما لا يمكن إنكار إسهامه وسعيه لتقديم تسهيلات تلامس حياة اللاجئين اليومية.

من هو معين المرعبي؟

يعتبر معين المرعبي أحد أبرز أعضاء “تيار المستقبل” اللبناني، ولد في عكار عام 1959، ونال شهادة الهندسة المدنية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1977.

كان المرعبي مقربًا من رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، وشارك في معظم الحملات التي كان يقودها الحريري لإزالة الدمار ومخلفات الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982.

بدأت مسيرته في عالم السياسة عام 2009، حين تم انتخابه نائبًا في البرلمان اللبناني عن دائرة عكار، باعتباره جزءًا من التيار السني في البلد، ثم تم تعيينه وزير الدولة اللبنانية لشؤون النازحين عام 2016، واستمر في منصبه لمدة عامين.

عُرف المرعبي بمواقفه المعادية لـ “حزب الله” اللبناني، منتقدًا باستمرار مشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري على الأراضي السورية، كما يتهم المرعبي الحزب بمسؤوليته عن تهجير عدد كبير من السوريين من مناطق القلمون الغربي وريف حمص إلى لبنان.

وكان المرعبي كشف، في مقابلة له مع صحيفة “الحياة” اللندنية، في تشرين الثاني الماضي، عن حوادث “طائفية” عدة ارتكبها النظام السوري بحق العائدين من لبنان إلى سوريا، مشيرًا إلى مقتل ثلاثة سوريين عادوا إلى قرية الباروحة في ريف حمص قبل ثمانية أشهر، وتمت تصفيتهم لأسباب “مجهولة”.

من هو صالح الغريب؟

ينتمي الوزير الجديد صالح الغريب إلى الحزب “الديمقراطي العربي”، وهو محسوب على التيار الدرزي في لبنان، وبالتحديد تيار طلال أرسلان المقرب من “حزب الله” اللبناني.

ولد الغريب عام 1980 في قرية كفرمتى بمحافظة جبل لبنان، وهو ابن شقيق شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ناصرالدين الغريب.

حائز على شهادة في إدارة الأعمال من الجامعة اللبنانية الأمريكية عام 2002، وشارك باسم لبنان في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية في الخارج، باعتباره مدير عام شركة “حشمة لوجيستكس غروب”.

ليس للغريب باع طويل في مجال السياسة، إذ تم تعيينه مطلع العام الحالي وزيرًا للنازحين السوريين في لبنان، على اعتبار أنه اسم “وسطي” متفق عليه من قبل قطبي الدروز في لبنان، طلال أرسلان ووليد جنبلاط.

لكن جنبلاط سرعان ما تنصل من ذلك، بتوجيه اتهامات لصالح الغريب وانتقاد تعيينه في هذه الوزارة، مشيرًا إلى أنه مقرب من النظام السوري و”حزب الله” اللبناني.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي