تفاصيل وآليات الملاحقة..

أوروبا تلاحق أزلام النظام المنشقين على أراضيها

camera iconعناصر من الشرطة الألمانية (GETTY)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

غياب الفاعلية الدولية في إنشاء محكمة دولية مهمتها محاسبة المتورطين بارتكاب انتهاكات في سوريا، دفع القضاء الأوروبي إلى استخدام صلاحيات منفردة تقضي بمحاسبة أفراد بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، وذلك نتيجة جهود حقوقية جمعت أدلة ووثقت انتهاكات ووضعتها بين يدي القضاء الأوروبي.

حادثة اعتقال ضباط سوريين في ألمانيا، كانوا يعملون لدى أجهزة النظام السوري الأمنية، أحيت آمالًا لدى الضحايا السوريين في إنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استمرت على مدى السنوات السبع الماضية في سوريا، بينما أثارت مخاوف لدى آخرين كانوا في صفوف النظام ثم انشقوا عنه واختاروا أوروبا ملجأ لهم.

دعاوى أوروبية ضد أفراد سوريين

نفذت السلطات الألمانية عملية أمنية، الأربعاء 13 من شباط الحالي، في مدينتي برلين وزويبروكن، تم خلالها اعتقال عنصرين من المخابرات السورية، هما “أنور. ر” (56 عامًا) و”إياد. أ” (42 عامًا).

الموقوفان متهمان بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” حين كانا يعملان لدى أجهزة النظام السوري في عامي 2011 و2012، ثم انشقا عنه وقدما إلى ألمانيا عام 2012، وتقدما بطلب لجوء فيها وحصلا على حق اللجوء.

حسين غرير، معتقل سابق في سجون النظام السوري وأحد الذين شهدوا ضد أنور وإياد أمام القضاء الألماني، قال لعنب بلدي إنه تعرف مع ستة آخرين على أنور في ألمانيا مصادفة، ثم لجؤوا إلى “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” لرفع دعوى ضده.

وبحسب غرير، فإن الموقوفين متورطان بتعذيب وقتل معتقلين في الفرع رقم “251” المعروف بفرع الخطيب، وذلك في أثناء الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها سوريا عام 2011، إذ كان أنور، الذي يحمل رتبة عقيد، مسؤولًا عن وحدة التحقيق، بينما قاد إياد فريقًا متخصصًا باعتقال المتظاهرين وتسليمهم إلى مراكز المخابرات السورية في دمشق.

وأضاف غرير أن مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالي في ألمانيا استمع لشهادة ستة من الناجين من الاعتقال في فرع الخطيب، كان حسين غرير واحدًا منهم، ووجد الادعاء العام الألماني أن الأدلة “كافية” لاعتقال كل من أنور وإياد بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” ومشاركتهما بتعذيب مئات المعتقلين وقتل اثنين على الأقل، بحسب الأدلة المتوفرة.

“الانشقاق لا يبرر ما سبقه”

توقيف أنور وإياد في ألمانيا أثار مخاوف لدى منشقين عن النظام السوري في أن تتم محاسبتهم على أفعال ارتكبوها “مجبرين” حين كانوا يعملون لدى أجهزة النظام.

إذ نشر النقيب السوري المتقاعد والمعتقل السابق، عبد الناصر العايد، عبر صفحته في “فيس بوك” نبأ انشقاق العقيد “أنور. ر” عن النظام السوري، عام 2012، مشيرًا إلى أنه كان مجبرًا على تنفيذ تعليمات النظام وأنه كان “أكثر رأفة” بالمعتقلين.

ويروي العايد تفاصيل لقائه بأنور في فرع الخطيب بقوله، “طوال الوقت كنت أفكر لماذا لم ينشق هذا الرجل الذكي والمثقف والصادق، ولكن عندما أتذكر كم الحراسة والريبة الذي يحيط بذلك المكان أجد له عذرًا”.

لكن المحامي إبراهيم القاسم، والذي يعمل في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، الممثل القانوني لجهة الادعاء في الدعوى المقامة ضد الموقوفين الثلاثة، قال في حديث لعنب بلدي إن انشقاق أي شخص عن النظام السوري لا يعني عدم محاسبته في حال أثبت القضاء ارتكابه جرائم حين كان على رأس عمله.

وأضاف القاسم يجب التأكيد على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بقرار قضائي، منوهًا إلى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، والانشقاق بحد ذاته لا يعني التغافل عن وجود جريمة وحقوق للضحية.

سرية التحقيق “مباحة” على الانترنت

رفض المحامي إبراهيم القاسم الخوض في تفاصيل الدعوى التي تم رفعها ضد الموقوفين الثلاثة، مبررًا ذلك بالحفاظ على سرية التحقيق وحماية المدعين والشهود والأدلة وحقوق الموقوفين أنفسهم الذين قامت السلطات القضائية الألمانية بنشر أسمائهم الأولى فقط دون ذكر أسماء عائلاتهم، وكذلك الحفاظ على خصوصية وحقوق عائلات الأشخاص الموقوفين.

وأكد القاسم ضرورة الالتزام ببيان السلطات الألمانية المختصة، الذي لم يذكر سوى الأسماء الأولى للموقوفين والتهمة الموجهة لهما فقط، مشيرًا إلى أن الحكم الأخير يكون للقضاء فقط الذي يمكن أن يدين المتهمين رسميًا أو يبرئهما أو يرى أن الأدلة غير كافية.

وتابع “نحن كقانونيين سعينا إلى تقديم الأدلة الكافية للقضاء الألماني وهو من يحكم بالنهاية”، واستند المركز الأوروبي في الدعوى التي رفعها إلى شهود وضحايا وأدلة ومعلومات “لا يمكن مشاركتها” خوفًا من إلحاق أي ضرر بالدعوى، بحسب القاسم.

وأكد المحامي، وهو عضو مؤسس في “مجموعة ملفات قيصر” ويعمل في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، الاستمرار في رفع دعاوى مماثلة ضد جهات وأفراد متهمين بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” في سوريا ويعيشون حاليًا في أوروبا.

إذ بدأ المركز الأوروبي، منذ آذار 2017، بتحريك دعاوى مماثلة في كل من ألمانيا وفرنسا والنمسا، ومن المقرر رفع دعوى أخرى في السويد الأسبوع المقبل، بحسب ما قال المحامي إبراهيم القاسم لعنب بلدي.

ما صلاحيات القضاء الأوروبي؟

يتجه القضاء الأوروبي في الأشهر الأخيرة إلى النظر في دعاوى يرفعها أفراد ومعتقلون سابقون ضد مسؤولين في النظام السوري، لكنه نادرًا ما يصدر أحكامًا ضدهم، باستثناء ما حدث في ألمانيا وقبلها فرنسا.

وكان الادعاء العام الألماني أصدر، في أيار الماضي، أول مذكرة توقيف دولية بحق شخصيات تابعة للنظام السوري، وطالت رئيس المخابرات الجوية، اللواء جميل حسن، بعد شكوى جنائية قدمها معتقلون سابقون ضده.

وكذلك أصدر القضاء الفرنسي، في تشرين الثاني الماضي، مذكرة توقيف دولية ضد ثلاثة من كبار ضباط الأسد، هم: علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، وجميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية السورية، وعبد السلام محمود، رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية.

ويجري الحديث مؤخرًا عن تنسيق أمني بين فرنسا وألمانيا لملاحقة مرتكبي “جرائم حرب” في سوريا، خاصة أن العملية الأمنية الألمانية الأخيرة تزامنت مع عملية أخرى في فرنسا، تم خلالها اعتقال شخص سوري كان يعمل لدى أجهزة أمن النظام السوري.

كل ذلك فرض تساؤلات حول صلاحية القضاء الأوروبي في محاسبة أشخاص غير أوروبيين ارتكبوا جرائم خارج الأراضي الأوروبية ضحاياها ليسوا أوروبيين أيضًا.

المحامي إبراهيم القاسم، أوضح أن بعض الدول الأوروبية لديها في قوانينها مبدأ اسمه “الولاية القضائية العالمية”، والذي يخول تلك الدول التحقيق في جرائم ارتكبت خارج أراضيها حتى لو كان المجرم أوالضحية من جنسيات دول أخرى.

وتابع “على تلك الدول أن تقوم بدورها في محاسبة المتورطين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سوريا ومنع إفلات المجرمين من العقاب لتعثر وجود جهة قضائية دولية تلاحقهم”.

وسعت الأمم المتحدة خلال السنوات السبع الأخيرة إلى إنشاء محكمة دولية خاصة بسوريا أو إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، إلا أن المشروع دائمًا ما كان يواجَه بفيتو روسي، على اعتبار أن روسيا دعمت النظام السوري عسكريًا وسياسيًا منذ بدء الثورة السورية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة