عنب بلدي – خاص
أيام قليلة، أو ربما ساعات، تفصل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن إعلان إنهاء نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” في آخر معاقله شرق الفرات، بعد التقدم الكبير الذي أحرزته في الأيام الماضية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب تصريحات قائد حملة “عاصفة الجزيرة”، جيا فرات، بأنه في القريب العاجل سيتم إعلان “الانتصار الكامل”.
معارك الأمتار الأخيرة، هو الوضع الميداني الحالي الذي تشهده منطقة شرق الفرات، فالتنظيم بات محصورًا في أمتار “قليلة” قدرتها “قسد” بـ 700 متر، وفقد قدرته القتالية الكاملة بعد رصد المنطقة ناريًا بشكل كامل من قبل القوات الكردية، التي قالت إن السيطرة الكاملة يعيقها فقط المدنيون الذين لا يزالون في المساحة التي يتمركز فيها مقاتلو التنظيم.
وبعيدًا عما يدور على الأرض، يتجهز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من بلاده لإعلان انتهاء العمليات العسكرية على “أرض الخلافة”، والقضاء بشكل كامل على تنظيم “الدولة” الذي كان ذريعة رئيسية لنشر قواته في المنطقة، والتي يترقب العالم انسحابها بعد القرار الذي صدر بذلك، في الأشهر الماضية.
وكان التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، بدأ عملياته ضد تنظيم “الدولة” في سوريا، عام 2014، وحينها كان يسيطر التنظيم على مساحات واسعة خاصة شمال شرقي البلاد، بالإضافة إلى شن هجمات صنفت “إرهابية” خارج الحدود السورية.
مؤقت الانسحاب يبدأ؟
بالمنظور العام يعتبر إعلان إنهاء نفوذ التنظيم شرق الفرات إنجازًا كبيرًا بالنسبة لـ “قسد”، التي روجت لنفسها منذ الإعلان عنها بأنها من أبرز الأجسام العسكرية التي تقاتل “الإرهاب” المتمثل بتنظيم “الدولة”، لكن الشيء الذي لم تحسب تبعاته هو المرحلة المقبلة التي تنتظر المناطق شرق سوريا، ولا سيما أن الخطر الأبرز قد قضي عليه وتتوجه الأنظار إلى المسار الزمني لخروج القوات الأمريكية، والتساؤلات عن الأطراف التي ستملأ الفراغ سواء روسيا وإيران والنظام السوري أو تركيا التي لوحت في وقت سابق باستعدادها لدخول المناطق.
وكانت آخر تصريحات ترامب عن مناطق شرق سوريا في مقابلة مع قناة “CBS” الأمريكية عبر برنامج “Face the Nation”، 3 من شباط الحالي، قال فيها إن عدد القوات الأمريكية في سوريا يقدّر بنحو 2000 جندي، مشيرًا إلى أنهم ينسحبون نحو القاعدة الأمريكية في العراق، ثم سيعود بعضهم إلى الولايات المتحدة.
وأكد الرئيس الأمريكي أن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا “ببطء” إلى حين التأكد من هزيمة تنظيم “الدولة” نهائيًا، مشيرًا إلى أنه قد تم القضاء على 99% من عناصر التنظيم، على حد قوله.
ويواجه قرار ترامب بالانسحاب من سوريا انتقادات داخلية وخارجية، بسبب مخاوف من إعادة تنظيم “الدولة” إحياء نفسه من جديد، وكان مجلس الشيوخ الأمريكي تبنى، مطلع شباط الحالي، تشريعًا يرفض قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، إلا أن التشريع غير ملزم بالنسبة له.
ومع قرب إنهاء نفوذ التنظيم، تغيب تصريحات “قسد” عن المرحلة التالية التي ستشهدها المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتركز بشكل أساسي على الوضع الميداني على الأرض، بالتوازي مع الجولات والتحركات التي يقوم بها الجناح السياسي التابع لها متمثلًا بـ “مجلس سوريا الديمقراطية” التي ترأسه إلهام أحمد.
وفيما يخص مواقف دول التحالف الأخرى المشاركة في العمليات العسكرية، يبدو أنها لا تختلف عن أمريكا بالانسحاب الكامل للقوات من سوريا، وهو ما تجلى في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، 16 من شباط الحالي، عن مسؤول فرنسي كبير قوله “بمجرد أن ينسحب الأمريكيون سنضطر إلى الانسحاب، ولن نكون الضحية للأمريكيين”، مضيفًا “لا نرى آخرين على استعداد لشغل الفراغ”.
خلف الخطوط
في جميع المناطق التي خرج منها تنظيم “الدولة” في سوريا، على مدار السنوات الماضية، لم تتوقف الاستهدافات والهجمات سواء بالسيارات المفخخة أو العبوات الناسفة، حيث ترك التنظيم خلايا نائمة له اعتمدت على أسلوب الحرب خلف الخطوط، بعيدًا عن المواجهة المباشرة، الأمر الذي ينفي الفكرة المرتبطة بأن إعلان إنهاء نفوذ التنظيم على الأرض يعني القضاء عليه بشكل كامل وإيقاف نشاطه الأمني والعسكري.
ومنذ إعلان السيطرة على مدينة الرقة “عاصمة الخلافة”، في تشرين الأول 2017، تبنى تنظيم “الدولة” عشرات الهجمات ضد مواقع لـ “قسد” وأخرى استهدفت القوات الأمريكية في ريف الحسكة الجنوبي وصولًا إلى مدينة منبج التي شهدت تفجيرًا، كانون الثاني الماضي، قتل فيه أربعة جنود أمريكيين وعدد من عناصر “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
وتعي “قسد” خطورة الخلايا النائمة التي تركها التنظيم في عدة مناطق كان يعمل بها سابقًا، وبحسب ما قال القيادي جيا فرات لوكالة “رويترز”، “ستنتقل قسد قريبًا للمرحلة المقبلة وهي ملاحقة الخلايا النائمة وفلول داعش المنتشرين في كل المناطق لتأمين المنطقة”.
وأوضح المسؤول الإعلامي في “قسد” للوكالة أن “القوات أمسكت بعدد من المتشددين حاولوا الفرار وسط المدنيين فيما سلم آخرون أنفسهم”، مضيفًا “نعتقد أن بضع مئات من المتشددين ربما ما زالوا متحصنين في الجيب”.
وفي تقرير لها، مطلع عام 2018، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن المحللة لدى معهد دراسات الحرب في واشنطن، جنيفر كفاريلا، أن “الحفاظ على خلايا نائمة ضروري لاستراتيجية تنظيم الدولة بعيدة المدى التي تهدف إلى عودته، وأنه لذلك كان قراره بالانسحاب مبكرًا من عدة ساحات في العراق وسوريا، وذلك للحفاظ على إمكانياته للاستخدام المستقبلي”.
ونسبت الصحيفة إلى سكان محليين في شرق سوريا قولهم إن “العديد من مقاتلي تنظيم الدولة قاموا بحلق لحاهم وغيروا مظهرهم الخارجي، وذلك للفرار مع النازحين المدنيين”.
وأضافوا أن البعض دفع مبالغ للمهربين ورشاوى للمقاتلين الذين يحرسون الحواجز، وذلك للوصول إلى أجزاء من سوريا تحت سيطرة القوات التي تدعمها الولايات المتحدة أو مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا.