محمد رشدي شربجي
من المفارقات المبكية أن تؤدي حرب الأعداء إلى ذات النتائج، فبحجة فلسطين، التي تخلى عنها العرب في كامب ديفيد، اخترقت إيران العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وبحجة إيران تخترق إسرائيل اليوم العرب مرة أخرى. إيران تتغلغل في الشعوب المتيمة بفلسطين حتى تصل إلى قمة السلطة، وإسرائيل تتغلغل في الأنظمة العربية، ونتائج الاختراقين متشابهة إلى حد بعيد، قوافل مهاجرين خارجة من المشرق العربي الذي تحول إلى ركام، وقوافل سلاح لا تنتهي داخلة إلى هذا المشرق الكئيب.
قلتها أكثر من مرة، إما أن الولايات المتحدة غير قادرة، أو أنها لا تريد مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، ولو كانت فعلًا تريد غير ذلك لرأينا سلوكًا مغايرًا في سوريا جبهة المواجهة الأساسية. أمريكا هددت الجيش الحر في البادية السورية إن هو أقدم على مهاجمة قوات النظام هناك، مع أن الأطفال يعلمون أن قطع الاتصال السوري العراقي ضروري لقطع اتصال المشروع الإيراني، ثم سحبت دعمها نهائيًا للجيش الحر من جنوب سوريا ما أجبره على الاستسلام والانسحاب إلى إدلب، لتعود قوات النظام السوري، التي تغلغلت فيها إيران خلال سنين الثورة، وتسيطر على المنطقة. وفوقها أصرت في شمالي سوريا على دعم حزب العمال الكردستاني برغم علاقاته المعروفة مع النظامين السوري والإيراني.
العقوبات الاقتصادية على إيران مؤلمة بحق للنظام الإيراني، والحقيقة أن الولايات المتحدة، وهذا ما كرره الأمريكيون في أكثر من مناسبة، تُرِيد تغيير سلوك النظام الإيراني، أو بشكل أدق، تريد أن تتحول إيران إلى “دولة طبيعية”، كما كان يقول هنري كسنجر، دون شعارات وأيديولوجيات وعداء لإسرائيل، أما أدوار إيران الأخرى فلا ترى أمريكا -ولا أوروبا بطبيعة الحال- فيها ما يضر، فليس من بين البائسين الذين تذبحهم إيران يوميًا في المشرق العربي غربي، ولن يصل أحد من ملايين اللاجئين العرب المسلمين الذين هجرهم النظام الإيراني إلى الولايات المتحدة، عدا عن الدور المشهود الذي تلعبه ولعبته إيران وميليشياتها في محاربة “الإرهاب السني”.
لا شك أن لدى العرب القدرة البشرية والمالية لمواجهة إيران لوحدهم، ولكن النظام العربي المصاب بعقدة الشرعية، والذي ليس لديه أي مشروع آخر غير مشروع البقاء في السلطة، يعتقد بغباء أن إسرائيل ستدمر إيران لأجلهم، وهذا هراء، إيران تحتاج إلى إسرائيل، وإسرائيل تحتاج إلى إيران. هذه الثنائية ضرورية لاستمرار المشروعين وتوسعهما.
” السيرك ” في وارسو، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، كان أقرب “للعرس” كما وصفه وزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم، لم يكن لمواجهة إيران بقدر ما كان لإعلان زواج النظام العربي بإسرائيل، وهو ما لن يفيد إلا إيران وإسرائيل بذات الوقت.
العرس في بلادنا والطبل في وارسو!