ستة عشر شهرًا من ثورة الشعب البطل ضد النظام الاستبدادي المجرم في سوريا، وأكثر من عشرين ألف شهيدٍ وعشرات الآلاف من المعتقلين مازالوا حتى اللحظة سببًا غيرَ كافٍ أو جدير باحترام المعارضة السورية حتى تلملم شتاتها وتقضي على حالة التشرذم التي تعيشها منذ بدء الثورة السورية.
فبعد أن استطاع النظام أن يخلق شرخًا داخل المعارضة من خلال ما يسمى «هيئة التنسيق الوطنية» وذلك باستمالة ضعاف النفوس من شخصيات مهمة من المعارضة السورية بأمواله الملطخة بدماء الشعب السوري البطل أو بالاستفادة من الانتماءات الطائفية لبعضهم، وحتى ممن تلطخت يدا النظام بدماء عائلاتهم، أوممن قبعوا سنوات طويلة داخل سجونه، بعد ذلك كله، مازالت المعارضة السورية في الخارج مستمرةً في تشويه ثورة الكرامة وعاجزةً عن أداء دورها الرئيسي في حشد تأييدٍ دولي حقيقي لقضية الشعب السوري، فباتت – بمواقفها اللامسؤولة- تساهم في تفاقم معاناة هذا الشعب الثائر.
أكراد المجلس الوطني لم يغيبوا أيضًا عن ساحة الانقسامات من خلال المظهر اللاحضاري الذي اتسم به خروجهم من مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية احتجاجًا منهم على ما سمّوه محاولة الالتفاف على حقوق أكراد سوريا في الوثيقة التي كان مزمعًا الاتفاق عليها في ذلك المؤتمر.
وعلى وقع الدماء وارتفاع أعداد ضحايا مجازر الأسد وشبيحته، ومع محاولات الجيش الحر الذود عن أعراض المدنيين وأرواحهم، اجتمع بعض أعلام المعارضة في روما متمثلين ببعض أعضاء هيئة التنسيق الوطنية ومضافًا إليهم السيدين كيلو وسارة ليطلقوا «نداء روما من أجل سوريا» مطالبين فيه بوقف الاقتتال!! وإيجاد مخرجٍ سياسي للأزمة السورية، ومشددين على رفض العنف الذي يؤرق حياة المواطنين.
انقسامٌ جديدٌ شهدته صفوف المعارضة السورية بعد تشكيل مجلس أمناء الثورة الذي اتخذ من القاهرة مقرًا له وسارع هذا الأخير إلى تكليف السيد هيثم المالح بتشكيل حكومة انتقالية!! تقود المرحلة الحالية، وتنهض بهموم الشارع السوري الثورية بعد أن فشل المجلس الوطني السوري بمهامه الموكلة إليه بحسب تعبير مجلس أمناء الثورة والسيد المالح.
كل هذه الانقسامات والتصدعات التي شهدتها صفوف المعارضة السورية، والتي حاول النظام استثمارها في محطاته الإعلامية لإخماد بركان الشعب السوري الثائر، لم يكن لها انعكاس يُذكر على الأرض!! وهو تساؤلٌ تكمن في الإجابة عنه الحقيقةُ التي لاغبار عليها بأن أشخاص المعارضة السورية لا يملكون «حاضنة شعبية» بالمعنى الكامل لهذا المصطلح.
الشارع السوري الثوري يتقاطع مع أشخاص المعارضة في أفكارهم وأهدافهم، ويحترم تاريخ نضالهم، لكن عندما يتعلق الأمر بمسيرة ثورة الكرامة واستمراريتها فإن أبطال الثورة يلتفتون عن كل الخلافات وكل الانقسامات الحاصلة بين من يجدر بهم العمل على توحيد صفوف الثوار، وليس ذلك فقط، بل إن ثوار الأرض أصبحوا في الكثير من نشاطاتهم الثورية يوجهون الرسائل والنصائح لمعارضة الخارج بالعمل على لملمة الشتات والتوحد، وهو ما رأيناه في لافتات المظاهرات في كل المدن السورية من رفضٍ لأخر مجالس المعارضة «مجلس أمناء الثورة» وأنه لا يمكن تشكيل حكومة مؤقتة إلا من خلال المجلس الوطني واعتماده كممثلٍ للشعب السوري والكف عن الشخصنة وعن عمليات التشبيح الإعلامي التي تمارسها العديد من شخصيات المعارضة.
مسلسل الانقسامات من المرجح استمراره بسبب النهج الذي يسلكه الكثير من المعارضين، لذا فإنه لابد من اتخاذ موقف شعبي حازم من هذه الانقسامات بالرفض القاطع لها يتمثل فيما يتمثل بلافتات المظاهرات ومداخلات الناشطين على قنوات التلفزة وتسمية أيام الجمعة المقبلة بتسمياتٍ تشدد على هذا الرفض، والبدء بالبحث عن سبل توحيد العمل الثوري في الداخل على الأرض بانتخاب مجالس ثورية للمدن كما يحدث في مدينة كفرنبل، وتكوين هيئة ثورية جديدة تنصهر فيها المجالس الثورية للمدن، وهو مايخدم ثورتنا. إذ بذلك ستمتلك الثورة هيئة حقيقية مكونة من الناشطين وضباط الجيش الحر الأمر الذي يشكل ضمانة لمستقبل سوريا بعد الأسد .