مع أن البعض منا يكونون حملانًا وديعة مع كل الصواريخ التي انهالت من قبل قوات الأسد، وها هم قردة خاسئون مع قذائف علوش وتهديداته، ومع ذلك فالبعض يبرر لهذا وآخرون لذاك، فما هي الجينية والمورثة الحقيرة التي تخترق أدمغتنا العفنة؟ ناسين أو متناسين أن المحصلة موت لضحايا لا ناقة لهم بالحرب ولا جمل، على يد الأسد أو علوش أو داعش.
ومهما اختلفت الأسامي فالموت واحد، ولكن الفرق أن تكون قادرًا على الوقوف بوجه الموت أمام كل آلاته مهما اختلف الفاعل، لا تحابي طرفًا لحساب آخر وتتغافل عن جرائم الأول أمام عظيم امتعاضك لإجرام الثاني والثالث وغيرهم الكثير من الطغاة.
لا أذكر عندما درسنا أبحاثًا تتعلق بالجينات إن كانت مورثات الاستغباء والاستكانة لطاغية خوفًا من جبروت طاغية آخر تنتقل جينيًا، أو بأسوأ الأحوال عن طريق العطاس مثلًا، ولكن ها هي المواقف الكثيرة تعترضنا لتؤكد لنا مرارًا إمكانية تحول الإنسان إلى ظالم لغيره، ودونما مورثات أو جينات لمجرد عدم وقوفه إلى جانب الحق، فاصدح بالحق وارحم مورثات أحفادك، ترحمك جيناتك الآن.
منذ نعومة أظفارنا وسياسة حكومتنا تتحفنا ببديع ثقافتها في إسكات العقل، والقبول فقط بكلام واحد، ومع أنها كانت تشجع على الممانعة وحب الوطن والإيمان بمبادئ الحزب، بل وحتى النصر أو الشهادة، لكننا بعد 40 عامًا تهنا بهم ضلالة.
وها نحن نعايش حقيقة تلكم الكذبات، فالوطن أحلامهم العدوانية لا أحلامنا، وممانعتهم لقتل الأبرياء لا انتصارًا للحق، وحزبهم واحدٌ لا يقبل بوجود الآخر، وعلمونا وبكل سذاجة أن كل من لا يرتدي حذاء عسكريًا يطأ به أرض الوطن، فهو حتمًا ينتعل حذاء آخر ليطأ به رؤوسنا، ومرة أخرى دونما أن يبقى لنا متنفس وقت لنرى القادم، لعله أراد بنا خيرًا، وليعمّ كلامنا بين أروقة الصمت فقط.
وها نحن ندان على صمتنا -نعم الصمت إدانة-، فالعاقل لا يصمت حين يحين وقت الكلام، وللكلام وقت كما للصلاة، ولا بد أن يسبقه أذان وإجهار لصوت هذا القادم، فلعل كلامه خير، فلا ترجع الكلمة فارغة، بل تؤتي أكلها بإذن من مسخرها وقائلها.
لنعود مرة أخرى إلى ثقافتنا التي نخرت عظامنا بعبارات من قبيل “الصمت أبلغ الكلام”، و”كثرة الكلام لا تخلو من معصية”، و”كثيرًا ما تكلمت فندمت، أما عن سكوتي فما ندمت”… ولكن إلى متى هذي الحال، هل سنبقى صامتين تطحن الحرب ألسنتنا قبل أجسادنا؟ وهل أعيانا إلا كثرة رؤيتنا للخطأ لدرجة استمرائنا له دونما أن نبوح بكلمة، نعم لا ننكر خطورة هذه الكلمة ولكن ليس في مجال الحق، وهل الساكت عن الحق إلا شيطان أخرس بمفهوم الثقافة ذاتها التي أنتجتنا صامتين؟
واحذر السكوت فهو علامة الصمت بنفس الثقافة البائسة، وشتان بين هذه الثقافة وبين رسالة النبي محمد حينما أعلنها “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”، وها هو مرة أخرى يوجهنا عند رؤيتنا لمنكر ما إلى تغييره بلساننا بعد يدنا، ثم أتبعهما بقلبنا، وذاك الصمت أضعف الإيمان، فقرن قول الحق بالإيمان.
أنا لا أدعوك إلى القيل والقال، والمراء في أمورنا ما ظهر منها وما بطن، بل إلى وقفة حق في وجه ظالم مهما استمات لشراء صمتك، ولا تجعل صمتك يغتالك ثم يتبرأ منك براءة الذئب من دم يوسف.
وتأكد أن الفكر يأسن إن أطال الصمت كما يأسن الماء إن أطال الركود، فلك أن تتخيل فقط لبرهة حياةً بدون صوتك، فهل كان الله -حاشا له- عاجزًا عن خلقك أبكمًا صامتًا لو كان الخير في ذلك!