يروي الكاتب اللبناني «أمين معلوف» في روايته ذائعة الصيت «التائهون» والصادرة عن دار الفارابي، بحس سردي جميل، أحداث جيلٍ كامل، ومعاناة قرن برمّته، يستلهمها من مشاهد حياة مجموعة من الأصدقاء (الشلة البيزنطية) كما كانوا يُلقبون، أصدقاء مختلفون متنوعون حالمون ماركسيون اشتراكيون مسلمون مسيحيون يهوديون، يمثلون أطياف الوطن وطموح الشباب في تلك الفترة، فرقتهم الحرب ومزقتهم لترمي بهم في مختلف أصقاع الأرض.
كلُّ واحد من هؤلاء الشباب سلك دربًا من دروب الحياة دفعته إليه الحرب بطريقتها، فرقتهم الحرب وجمعهم تيههم، بين إيمان وإلحاد، غربة أو انتماء، التزام أو تحرر، ثقافة شرقية أو غربية، منفى أم وطن، إخلاص لهذا أم لذاك؟.
«لكانت الأمور سهلة لو اضطررنا فقط على دروب الحياة للاختيار بين الخيانة والإخلاص ففي أغلب الأحيان نجد أنفسنا مضطرين للاختيار بالأحرى بين إخلاصين يستعصي التوفيق بينهما».
وفي الصراع الحامي بين أفراد المجموعة، بين الخروج من الوطن والحفاظ على «نظافة الكف» أو البقاء وفاء له ولو تلطخت الأيادي بدمه.. وبين النجاح خارج أسوار الوطن أو الفشل في أحضانه دارت معظم أحداث الرواية، فآدم الذي كان مقتنعًا أنه وُلد في كوكب لا في بلد، هاجر من بلاده وبقي صديقه نعيم الذي حاول كثيرًا أن يقنعه بالعودة ولم يفلح.
فبرأي آدم «لكل امرئ الحق في الرحيل، وعلى وطنه أن يقنعه بالبقاء»، «الوطن الذي بوسعك أن تعيش فيه مرفوع الرأس تعطيه كل ما لديك، حتى حياتك، أما الوطن الذي تضطر فيه للعيش مطأطئ الرأس فلا تعطيه شيئًا. فالنبل يستدعي العظمة، واللامبالاة تستدعي اللامبالاة، والازدراء يستدعي الازدراء، ذلك هو ميثاق الأحرار ولا أعترفُ بميثاق آخر”.
يحاول الكاتب أن يسقط ما جرى في الحرب الأهلية في لبنان على ما يحدث في سوريا اليوم، ربما لذلك لم يذكر اسم لبنان في أي من فصول الرواية، لعله يقصد أن هذا التيه ليس محصورًا في لبنان ولم يقتصر عليه، بل كل بلد عربي حصلت فيه ثورة تحولت حربًا بعد ذلك.
الرواية عميقة وحقيقية تقع في 555 صفحة مترجمة ترجمة أنيقة من الفرنسية بقلم «نهلة بيضون»،
ولعلها أنسب قطعة أدبية كمدخل لمن يريد أن يبدأ بالنتاج الفكري والأدبي للكاتب العالمي «أمين معلوف».