دولة بوتين “الأبدية”

tag icon ع ع ع

بسام مقداد – المدن

أثارت المقالة البرنامج ، التي نشرها مساعد الرئيس الروسي ، وكبير ايدولوجيي الكرملين السابق فلاديسلاف سوركوف الإثنين المنصرم في 11 من الجاري ، موجة عارمة من الإنتقادات والتعليقات على الصورة ، التي رسمها لدور بوتين “التاريخي في مستقبل روسيا” خلال السنوات ، بل القرن المقبل . وثمة اعتقاد ، بأن المقالة والحملة الإعلامية التي ترافقها هي ، في مكان ما ، رد على عرض العضلات ، الذي قام به الأمنيون الروس الأسبوع الماضي ، حين اقتحموا قاعة مجلس الإتحاد أثناء انعقاد جلسته ، من أجل اعتقال أحد أعضائه بتهمة القتل وسرقة أموال الغاز في القفقاز ، وتركوا بوتين ومعظم السياسيين في دهشة من أمرهم .

وقد تم ترتيب نشر المقالة ، كما يبدو ، وفق سيناريو محكم حرص على أن يظهر الكرملين في منأى عنها ، وذلك بهدف إسباغ “موضوعية” أكثر عليها ، وإثارة نقاش أوسع حولها . فلم تُنشر المقالة في صحافة الكرملين المعتادة ، بل نُشرت في صحيفة “NG” ( الصحيفة المستقلة) ، وتولت صحيفة الكرملين “VZ” في اليوم عينه الدفاع عنها بشدة في مقالة حملت عنوان “بوتين يبني نموذج الدولة الروسية” . وعلق الناطق الرسمي للكرملين دمتري بيسكوف عل المقالة بقوله ، أنها تحمل طابعا جدالياً ، لكنها مقالة قيمة ، برأيه ، وسوف تعني الكثيرين وتثير النقاشات و”يمكن ، بل ينبغي نقاشها” . وأكد بيسكوف أنه قرأ المقالة ، وهي “مقاربة شخصية” لكاتبها ، الذي “يحوز رأيه بالتأكيد على أنصار في الكرملين” ، وقال يأنه سوف يتم إطلاع بوتين عليها ضمن الموجز الصحافي.

مقالة فلاديسلاف سوركوف ، صاحب مقولة “الديموقراطية السيادية” وأحد مؤسسي حزب الكرملين “روسيا الواحدة” ، حملت عنواناً رئيسياً “دولة بوتين المديدة” وآخر ثانوياً ، “حول ماذا يجري هنا” ، اعترف كثيرون بعدم فهم القصد منه ، بل وبصعوبة لغة المقالة ككل . وأوجزت معظم المواقع المقالة البرنامج الطويلة هذه ، وأجمعت على أنها محاولة لوضع أساس أيدولوجي لما تسميه “البوتينية” . وقال أحد المدونين في موقع “KASPAROV” المعارض ، أن المقالة تثبت أن نظام بوتين يمتلك أيدولوجية ، وأن عدم وجود كتاب يحمل اسم “البوتينية” ، حتى لو لم يكن رأس النظام هو من كتبه ، لا يغير في الأمر شيئاً . ويقول بأن أيدولوجية نظام بوتين هي شكل من أشكال الفاشية ، وأن “عدم إنجاز” بناء الدولة الروسية الفاشية لايغير كذلك في الأمر شيئاً. ويؤكد بأن نظام بوتين يطمح إلى القضاء على الديموقراطية الليبرالية، كنموذج اجتماعي سياسي عالمي ، و”إخراجها من التاريخ” ، وأن هذه الديموقراطية لن تتمكن من الدفاع عن نفسها ، إلا بإجبار الدولة الروسية الإمبراطورية على “الخروج من التاريخ” .

وتحت عنوان “مساعد بوتين … يعلن السير نحو “البوتينية”” علق موقع BBC الناطق بالروسية على المقالة بالقول، أن سوركوف يبدأ مقالته بالنقاش حول “البديل السيادي للتطور الديموقراطي” لروسيا ، وسبل البناء الحر للدولة، الذي “لا توجهه الأوهام المستوردة ، بل يوجهه “منطق العمليات التاريخية” . ويصف سوركوف روسيا المعاصرة بأنها “دولة من طراز جديد لم يكن متوفراً لدينا من قبل” . ويقول بأن طراز البناء السياسي هذا ، سوف يكون أداة فعالة “من أجل بقاء الأمة الروسية ورفعتها خلال القرن القادم بأكمله ، وليس هذا الطراز سوى “دولة بوتين”.  ويضع سوركوف بوتين في مصاف القيصر إيفان الثالث (الذي وحد الإمارات الروسية في دولة واحدة في القرن الخامس عشر) ويساويه بالقيصر بطرس الأكبر وفلاديمير لينين. ويعتبر سوركوف، أن “دولة بوتين” ليست الماضي ولا الحاضر، بل هي “المستقبل بالذات، حيث ستستمر بالعمل تلك الآليات السياسية، التي تكونت في عهده .

ويقول سوركوف، حسب الموقع، أن بوتين نفسه “بالكاد يكون بوتينياً، تماماً مثلاً ، كما لم يكن ماركس ماركسياً، وليس من المؤكد أنه سيقبل بأن يكون كذلك، إذا عرف ماذا يعني ذلك”.  ويؤكد سوركوف، أن “ماكينة بوتين السياسية الكبيرة ” لا تزال في بداية عملها ، وأن عملها بكامل طاقتها سوف يمتد إلى أمد طويل في المستقبل، حيث ستبقى روسيا، بعد سنين كثيرة ، “دولة بوتين” ، على غرار ماتزال فرنسا المعاصرة “جمهورية ديغول”، وتركيا “جمهورية أتاتورك” .

وبعد أن يدخل سوركوف في محاكمات طويلة حول علاقة روسيا مع الغرب ومشاكل الديموقراطية الغربية، يخلص إلى التأكيد بأن النظام السياسي الروسي، أي “دولة بوتين” ، هو نظام “أكثر نزاهة” . ويقول  أنهم في دولة بوتين لا يخفون الوظائف العسكرية البوليسية للدولة ، بل يجاهرون بها ، وثمة صلة بين رأس الدولة والشعب. وينفي سوركوف وجود دولة عميقة في روسيا ، بل كل شيئ ظاهر وعلني ، لكنه يقول  بوجود “شعب عميق” في روسيا ، يخفي في داخله ما لا تتمكن من الوصول إليه الدراسات السوسيولوجية والدعاية والتهديدات وسواها من طرق الدراسة والتأثير .

ويقول سوركوف، أن القدرة على الإستماع إلى هذا “الشعب العميق”، هي ميزة “دولة بوتين” الأساسية، وهي التي تسمح للبوتينية بأمل البقاء طويلاً . ويقترح سوركوف تقييم الموظفين تبعاً لكفاءتهم في توفير الثقة في تواصل “الحاكم الأعلى” مع المواطنين في هذه الدولة. وحين يخلق الغباء ، أو التخلف والفساد تشويشاً في خطوط التواصل مع الناس، يتم اتخاذ تدابير صارمة لإعادة السمع إلى هذه الخطوط . ويقول بأن المؤسسات السياسية، التي أخذتها روسيا عن الغرب، ليست سوى ستارة يشبهها بالثياب، التي يرتديها الناس أيام العطل، ” لكننا في البيت نرتدي الثياب المنزلية” .

وفي تعليق له على المقالة البرنامج هذه، وتحت عنوان “بوتين أصبح إلهاً تقريباً” ، قال أحد كتاب موقع “Rosbalt” الشيوعي، أن أحد إيدولوجي الكرملين يقترح نظرية للدولة الروسية المعاصرة ، يُعطى الشعب فيها دور الحيوان في القفص. ويقول، أن سوركوف ينطق بما يدور في خلد بوتين ، ولولاه “كيف كنا لندرس تطور البوتينية” في روسيا . ويشير إلى أنه كان ينتظر منذ شهور بدء تشكل أيدولوجية روسية جديدة، قادرة على العمل في مثل هذا النظام السياسي، الذي ضرب عرض الحائط بالإقتصاد ومعيشة الناس ، وعمد إلى تزوير الإحصاءات بشكل مكشوف، ولم يعالج المشاكل المالية بإصلاحات جدية ترفع الإنتاج ، بل بزيادة الضرائب ورفع سن التقاعد .

ومن جهتها ، تعلق صحيفة “kommersant” المستقلة على مقالة سوركوف، وتقول بأنه إبن مجرب للجهاز. وتتساءل الصحيفة لماذا كل هذا الآن، وما الحاجة إليه . وتقول بأن الإجابة واضحة وجلية ، إذا أخذنا بالإعتبار أن نقاشا واسعاً قد بدأ حول مايسمى مشكلة العام 2024 ، وكيف يمكن أن يبقى بوتين في السلطة، حين تنتهي صلاحياته الرئاسية في ذلك العام. ويبدو واضحاً أن سوركوف يسعى لكي يكون أحد المساهمين النشيطين في هذا النقاش ، ولكي يذكر بنفسه ، إذ يمكن أن يتجاهلوه، سيما أنه لم يسجل في الفترة الأخيرة أي علامة إيجابية في خانة الإنتصارات .

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة