عنب بلدي – محمد حمص
لا يعيش قطاع الزراعة في سوريا في أحسن أحواله بعد تعرضه لعدة أزمات بداية من توسع رقعة الصراع على طول الخريطة، وقلة الإنتاج بسبب الأحوال الجوية، أو ضعف التصريف عندما يكون الإنتاج جيدًا، بحسب المزروعات ودرجة الطلب عليها.
ورغم استقرار إنتاج بعض المناطق التي لم تشهد معارك بشكل مباشر، بات سوق تصريف المنتجات ضيقًا، ما أدى إلى كساد البضاعة وتضرر الفلاحين.
تقسم المناطق السورية وفقًا لتوزع سيطرة أطراف النزاع السوري إلى ثلاث مناطق، منطقة يسيطر عليها النظام السوري، ومنطقة تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب وريف حلب الشمال والغربي وريف حماة الشمالي، والمنطقة الأخيرة التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” وذراعها العسكرية “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وتشهد المناطق الثلاث فيما بينها تبادلًا تجاريًا، لكنه مشروط بكمية إنتاج هذه المناطق، والتضييق الأمني الذي تعيشه تلك المناطق على خلفية التطورات السياسية والعسكرية.
حكومة النظام المسؤول التسويقي الأول
يعاني سوق الحمضيات السورية من مشكلة في تصريف المنتج خارجيًا على الرغم من توقيع حكومة النظام السوري عدة اتفاقيات لإيجاد أسواق خارجية لتصريف المنتج المحلي في القرم وروسيا وإيران.
واعتمدت حكومة النظام على آليات لتصريف المنتج المحلي، ومنها البيع إلى مناطق خارجة عن سيطرتها وتسهيل وصول الحمضيات إليها، كما هو الحال في محافظة إدلب، ولكن الأخيرة لا تعتمد بشكل مباشر على الواردات من مناطق النظام السوري بسبب اعتمادها على البضائع التركية، بالإضافة لتوفر إنتاج محلي يغطي جزءًا من الحاجة.
وفي مناطق سيطرتها تعمل حكومة النظام على تسويق محصولها من خلال المؤسسة السورية للتجارة التي بدأت العمل بتسويق محصول الحمضيات المستجر من الساحل السوري ومحصول التفاح المستجر من محافظة السويداء في الأسواق المحلية لدمشق وريفها، وفق ما قال المدير العام للمؤسسة السورية للتجارة، عماد محمد، لصحيفة “تشرين” الحكومية، الأربعاء 7 من شباط.
وأطلقت المؤسسة عمليتها التسويقية في محافظة دمشق بواقع تسويقي ما بين 100 إلى 150 طنًا من مختلف أنواع الحمضيات والتفاح خلال هذا الموسم، وفق المدير العام للمؤسسة.
وستستمر العملية التسويقية حتى انتهاء الموسم، وستتم في الأحياء والحارات الشعبية عن طريق سيارات المؤسسة التي يتراوح عددها يوميًا ما بين 20 إلى 25 سيارة شاحنة بمختلف الحمولات.
خارجيًا، أنشأت محافظة اللاذقية مركزًا لتصدير الحمضيات إلى روسيا عبر موانئ جزيرة القرم، وأعلن عن إنشاء المركز الرئيس المشارك للجنة المنظمة لمنتدى يالطا الاقتصادي الدولي الرابع والمنظمة العامة الروسية، أندرية نزاروف، بحسب ما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 3 من تموز الماضي.
وتسعى مديرية الاقتصاد الزراعي إلى حل أزمة كساد الحمضيات في الأسواق السورية عن طريق “رفع ثقافة المستهلك نحو أهمية استهلاك الحمضيات الطازجة والابتعاد عن العصائر المستوردة الجاهزة والمكثفات”.
وقال مدير الاقتصاد الزراعي، مهند الأصفر، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، في 23 من كانون الأول الماضي، “لو استهلك كل مواطن برتقالة في اليوم الواحد لما واجهنا أي مشكلة تسويقية”.
أزمة تصريف الحمضيات تأتي في وقت انخفض محصول الحمضيات من مليون إلى نحو 800 ألف طن وفق إحصائيات رسمية وإحصائية منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو).
القمح من الاكتفاء الذاتي إلى الاستيراد
القمح السوري يعتبر المعضلة الرئيسية في القطاع الزراعي مع انقطاع الطرق الداخلية وضعف التسويق من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” إلى مناطق سيطرة النظام السوري، إذ اشترت سوريا، في أيلول الماضي، نحو 200 ألف طن من القمح الروسي في مناقصة عالمية، وتعتزم استيراد نحو 1.5 مليون طن من القمح معظمها من روسيا، لسد النقص المعروض فيها، بعد أن كانت مكتفية ذاتيًا من القمح.
لكن وبسبب التقسيم في مناطق النفوذ فإن معظم الإنتاج السوري من القمح يتركز في شرق وشمال شرقي سوريا حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ويصدّر قسم منه إلى مناطق إقليم كردستان العراق عن طريق معبر سيمالكا الحدودي.
وأدى انخفاض الإنتاج الزراعي للقمح إلى تحول سوريا من بلد مكتفٍ ذاتيًا إلى مستورد للقمح، إذ نشرت منظمة “فاو” تقريرًا لها، في تشرين الأول الماضي، قالت فيه إن إنتاج سوريا لعام 2018 من القمح لم يتجاوز 1.2 مليون طن، أي ما يقارب ثلثي إنتاج عام2017 بعد أن كانت تنتج نحو مليونين و200 ألف طن سنويًا.
ويختلف الإنتاج من عام لعام تبعًا لعوامل متعلقة بالأحوال الجوية والهطولات المطرية والبذار.
إدلب.. تسهيلات لدعم المنتج المحلي وتنشيط الزراعة
تتركز زراعة الزيتون في مناطق محافظة إدلب شمالي غرب سوريا وريف حلب الشمالي في عفرين والمناطق المحيطة بها إلى جانب زراعته في مناطق ريف دمشق والساحل السوري وحمص.
إدلب تقع تحت سيطرة المعارضة السورية وتنتج ما بين 450 و500 ألف طن أي ما يعادل أكثر من نصف الإنتاج المحلي الكامل من الزيتون والذي يبلغ نحو 871 ألف طن، وفق إحصائية “فاو” لعام 2017.
حال الزيتون كحال الحمضيات، فعلى الرغم من الكثافة السكانية غير المسبوقة والتي تشهدها مناطق شمالي سوريا نتيجة ظروف الحرب (قرابة أربعة ملايين مواطن بحسب تقديرات فريق منسقي الاستجابة)، لكنها لا تستطيع تحمل أعباء تصريف مئات الآلاف من الأطنان من الزيتون ومنتجاته، وهذا ما يعود بالخسارة أولًا على الفلاح.
وتعتمد المنطقة في تصريفها للمنتج على الاستهلاك المحلي وتوريد كميات قليلة ليبقى الفائض دون تسويق لبيعه، ما سبب انخفاض سعر الزيتون ومشتقاته، فوصلت صفيحة زيت الزيتون لسعر 14-16 ألف ليرة سورية وهو سعر منخفض عن سعرها سابقًا.
ولتشجيع التصدير أعلن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا إعفاء الصادرات الزراعية من الشمال السوري من الرسوم الجمركية، وفق ما قال مدير المكتب الإعلامي في المعبر، مازن علوش، لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن ذلك جاء تنشيطًا للقطاع الزراعي ودعمًا للمنتج المحلي.
وبحسب علوش، فإن أبرز المنتجات التي يتم تصديرها حاليًا هي الفستق الحلبي وزيت الزيتون، وخلال فترات سابقة كانت تصدر البقوليات والكمون والحبة السوداء، إضافة إلى مادة الحجر لكنها غير مشمولة في القرار الحالي.
وأوضح المسؤول الإعلامي في المعبر أن زيت الزيتون يتم تصديره ترانزيت عبر مرفأ مرسين في تركيا إلى البلدان الخليجية سواء إلى ميناء جدة أو جبل علي في الإمارات، إضافة إلى تصدير مادة الحجر إلى بعض البلدان الخليجية والأوروبية.
سوء التصريف يضر الفلاح أولًا
يرى معاون وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي، أن تقسيم مناطق النفوذ في سوريا يؤثر سلبًا وبشكل رئيسي على الفلاح، فكل منطقة فيها منتج معين تمتاز به كإدلب التي تشتهر بزراعة الزيتون، ولكن التبادل التجاري بين تلك المناطق محدود، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الزيتون ومشتقاته في مناطق وارتفاعه في مناطق أخرى.
كما يلعب التضييق الأمني بين تلك المناطق دورًا في محدودية التبادل التجاري، فالنظام السوري، وفق المصري، يسهل خروج المحاصيل التي يتم إنتاجها بكثرة في مناطق سيطرته كالحمضيات والتفاح، دون فرض رسوم عليها عند خروجها إلى مناطق المعارضة لتشجيع بيعها، على عكس المواد المنتجة في المناطق المحررة التي يفرض عليها رسومًا.
وقال المصري إن ضعف التسويق يؤدي إلى انخفاض السعر بشكل كبير، بحيث لا يغطي جزءًا من التكاليف، وبالتالي قد يتوقف الفلاحون عن الزراعة، ما ينعكس سلبًا على الكميات المنتجة لاحقًا.