محمد رشدي شربجي
هناك عدة نقاط يجب التأكيد عليها قبل إبداء الرأي في زيارة البابا للإمارات الأسبوع الماضي، النقطة الأولى أنه من حق المسيحيين في الجزيرة العربية وفي أي بلد ذي أغلبية إسلامية سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أن يمارسوا دينهم بحرية، وواجب على الدولة أن تكفل هذا الحق وتسعى لتيسير هذا الأمر عليهم من خلال ترخيص بناء كنائس على سبيل المثال، وليس المسيحيون هم الوحيدين المعنيين هنا بطبيعة الحال، بل ينطبق ذات الأمر على بقية الديانات وبالأخص الهندوسية باعتبار وجود جاليات كبيرة في الخليج من الهند.
من الغريب أن يطالب البعض محقًا ببناء المساجد في أوروبا، ثم يشتم الأوروبيين عندما ترفض هذه المطالب أحيانًا، ويعتبر ذلك حربًا على الإسلام، مشيرًا إلى التناقض والنفاق في الغرب بين ادعاء الديمقراطية وعدم السماح بالحرية الدينية، أقول إنه من الغريب أن يكون موقفنا كمسلمين كذلك “هناك”، ثم نرفض بناء دور عبادة لغير المسلمين في بلادنا “هنا”، هذا تهافت لا يحله اعتبار أن الإسلام وحده هو الدين الحق، وبالتالي يحق لأتباعه ما لا يحق لأتباع غيره، بل يزيده تهافتًا بطبيعة الحال.
ليست وظيفة الدولة أن تعلم الناس دينها، بل أن تقدم لهم الخدمات وتحميهم وتكفل لهم حرية ممارسة دينهم والدعوة له بالطرق السلمية التي يشاؤون، الدول الأيديولوجية هي دول ديكتاتورية بالضرورة، وهي مضرة للدين قبل غيره، ومهلكة للبلاد والعباد.
النقطة الثانية أن موقف بابا الكنيسة الحالي من القضايا العالمية هو في المجمل موقف إنساني نبيل، يدعو البابا الدول الأوروبية باستمرار إلى استقبال ومساعدة المزيد من اللاجئين، ويرفض الدعوات اليمينية للانعزال، كما يرفض تدخلات الغرب العسكرية في البلاد الإسلامية ويضع جهده ضد الحروب حول العالم بما فيها الحرب اليمنية التي تشرف عليها الإمارات نفسها، قد يعيب عليه البعض أنه على طريقة الأمم المتحدة لا يسمي المجرمين بأسمائهم، كما فعل حين ذكر الحرب اليمنية في كلمته في الإمارات دون أن يشير لدور ابن زايد فيها، ولكنه لم يؤيد جرائم موصوفة كما يفعل تواضروس الثاني في مصر، أو البطريرك لحام في سوريا، أو بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الذي وصف حرب بوتين الهمجية علينا بالحرب المقدسة.
النقطة الثالثة أن هناك جهلًا وتجهيلًا متعمدًا في فهم الإسلام، حين يظن البعض -وهو أمر يتكرر في الكتابات الاستشراقية- أن موقع شيخ الأزهر في الإسلام يكافئ بابا الكنيسة في المسيحية، ليست هنالك هذه الهرمية في الإسلام، وشيخ الأزهر يكافئ منصب المفتي في الحقيقة مع بعض الخصوصية في مصر، وليست له أي صفة دينية إضافية عن بقية المسلمين، شيخ الأزهر هو كغيره تمامًا من مشايخ السلطان المنتشرين بكثرة هذه الأيام، وله كغيره باع طويل وخبرة لا يستهان بها في تأييد وتشريع جرائم السلطة.
النقطة الرابعة والأخيرة أن الخطوات الإماراتية والسعودية الأخيرة بالانفتاح على المسيحيين هي خطوات صحيحة وضرورية لو جاءت في إطار برنامج شامل لـ”دمقرطة” النظم الخليجية، ولكنها ليست كذلك بل تقديم لأوراق اعتماد لدى الغرب ولدى اليمين المتطرف الكاره للإسلام خصوصًا، هو شيء يشبه تقديم بشار الأسد نفسه كحام للمسيحيين من “الخطر الإسلامي”، وملايين الجوعى اليمنيين، ومئات ألوف المعتقلين، وأشلاء الشهيد جمال خاشقجي شاهدة على ذلك.