أحمد جمال | مراد عبدالجليل | ضياء عودة
روّج النظام السوري أن “حربه على الإرهاب” توشك على نهايتها، بعد عامٍ استعاد فيه السيطرة على مناطق واسعة من سوريا، ليوهم ساكني مناطق سيطرته أن “نصره العسكري” سيتحوّل إلى حالة من التحسن المعيشي حُرموا منها مدة ثمانية أعوام.
رفع النظام سقف التوقعات الشعبية، لكنه لم يبذل جهدًا لتلبيتها، بل ترك المواطنين في مواجهة مضنية مع طوابير الغاز والمازوت، وتحت رحمة ساعات التغذية الكهربائية القليلة.
برد الشتاء الذي عانى منه أغلب السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، تحول إلى حالة من الغليان الشعبي، إذ ارتفعت فيه الأصوات المحتجة، وواجهت حكومة عماد خميس بسيل من الشتائم والاتهامات بالفساد وعدم تلبية احتياجات الشعب.
كما لم يسلم “الرئيس”، وللمرة الأولى، من لوم المواطنين، وإن بدا في أغلبه عتابًا ودعوات للنظر في أحوالهم، وتخليصهم من فساد “بعض” رجالات الحكومة.
ذلك الغليان، عززته دعوات للخدمة العسكرية الاحتياطية، شملت رجالًا فوق سن الأربعين، كما زادت من حدته عشرات الحوادث التي عكست انعدام حالة الأمان التي كان النظام قد روّج لعودتها على لسان وزراء حكومته، وفي إعلامه الرسمي.
وفي ظل حالة من الاحتقان تسم من يفترض أنهم “الحاضنة الشعبية”، لا يبدو أن مؤيدي النظام السوري يعولون اليوم على حكومتهم أو رئيسهم، ولا يبنون أملًا بتعديل أوضاعهم المعيشية.
ترصد عنب بلدي في هذا التحقيق، أبرز الظواهر والأحداث التي تعكس الغليان الشعبي في مناطق سيطرة النظام السوري، وتحاول الوقوف على أسباب عدم استجابة النظام السوري للمطالب الشعبية، رغم الدعم الإيراني- الروسي له.
الغاز يشعل غضب الشارع ولا يشتعل
طوابير الغاز وهواجس الحصول على الجرة الزرقاء، باتت القضية الشعبية الأولى والأكثر تداولًا في سوريا خلال الأسابيع الماضية، في أكبر أزمة عاناها الشعب السوري في أثناء فصل الشتاء، رافقتها أزمات أخرى لا تقل عنها قيمةً كغياب المازوت والكهرباء والغلاء الفاحش.
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص الغاز المفقود من منازل السوريين، لتصل الأمور للتنافس حول أطول الطوابير بين اللاذقية وحمص وغيرها من المناطق، من خلال فيديوهات انتشرت على تلك المواقع ويظهر فيها مئات المواطنين المنتظرين الحصول على أسطوانة غاز، ومعاناة لا تنتهي أمام منافذ البيع الرسمية.
https://www.youtube.com/watch?v=9STxLKHsyKU&fbclid=IwAR114Rtlf90bBzjvndypq_fIE9kLqRvB2LXM9xS2R1ZSS6MTXuBaJs13TE0
طابور الغاز الأطول في مدينة اللاذقية، الذي ضجت به مواقع التوصل الاجتماعي مؤخرًا، دفع وزير النفط، علي غانم، لزيارة المدينة والاطلاع على سير توزيع الغاز على المواطنين، داعيًا لزيادة الإنتاج، لتقول إذاعة “شام إف إم” الموالية للنظام، إن زيارة الوزير كانت بدفع من رئيس الحكومة السورية عماد خميس بعد تكذيبه للتقارير التي تحدثت عن أزمة الطوابير في المدن السورية.
وحوّل بعض الفنانين حالة ندرة الغاز إلى كوميديا ساخرة، جعلتهم يقفون في طوابير غاز في بعض أحياء العاصمة دمشق، ويلتقطون صورًا برفقتها، مثل باسم ياخور ونزار أبو حجر.
ولم تفلح تحركات حكومة النظام السوري لاحتواء الأزمة، إذ وصل سعر الأسطوانة الواحدة من الغاز في السوق السوداء إلى عشرة آلاف ليرة و15 ألفًا في بعض الأحيان للجرة، بينما يقدر سعرها الرسمي بنحو ثلاثة آلاف ليرة.
سباق أسعار
شهدت أسعار المواد الغذائية في المحافظات السورية وخاصة العاصمة دمشق، ارتفاعًا ملحوظًا منذ بداية العام الحالي، على خلفية هبوط الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
وأفاد مراسل عنب بلدي في دمشق، أن معظم أسعار المواد الغذائية والخضراوات شهدت ارتفاعًا بنحو 15%، عقب هبوط الليرة السورية.
استنادًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر نهاية كانون الثاني الماضي، فإن سوريا والصومال احتلتا المركزين الأخيرين على مؤشر الشفافية، باعتبارهما من الدول الأكثر فسادًا والأقل محاربة للفساد حول العالم لعام 2018.
وجاء في التقرير أن سوريا التي تشهد حالة من النزاع وعدم الاستقرار ظلت قابعة في ذيل قائمة الفساد، إذ تراجعت بمعدل 13 نقطة خلال الأعوام الثمانية السابقة، وحصلت على 26 نقطة عام 2016 في حين حصلت على 13 نقطة عام 2018. وأشار التقرير إلى أن التراجع الحاصل في حقوق الإنسان في سوريا، بالإضافة إلى عدم استقرار المؤسسات الحكومية وغياب الرقابة سمح للفساد بالانتشار في البلد. ويعتمد مؤشر الفساد على بعض السلوكيات كالرشوة واختلاس المال العام، واستغلال السلطة لمصالح شخصية والمحسوبية في الخدمة المدنية. |
وكانت الليرة سجلت هبوطًا ملحوظًا أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار، لتصل إلى 530 مقابل الدولار الواحد منذ مطلع شهر شباط الحالي، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا.
وبحسب المراسل، فإن معظم أسعار المواد الغذائية للكيلو الواحد زادت من 50 إلى 100 ليرة على كل مادة.
لكن مديرة الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ميس البيتموني، أكدت بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام في 5 من شباط الحالي، أنه لم تطرأ أي زيادة على نشرة أسعار المواد والسلع الغذائية الأساسية التي تصدر عن الوزارة.
وأوضحت البيتموني أن ما يجري في الأسواق هو “مجرد تأثير للعامل النفسي نتيجة تذبذب أسعار الصرف بشكل يومي، حيث يقوم بعض التجار في الأسواق برفع الأسعار بشكل مباشر مع ارتفاع سعر الصرف”.
تصريح مديرة الأسعار أثار سخرية مستخدمي موقع “فيس بوك”، وكتب المستخدم أحمد شبلي، في تعليق على منشور حول التصريح في صفحة “شبكة أخبار حي الزهراء بحلب”، “إذا كانت هذه التصريحات حقيقية فهي إما استهتار بعقول الناس أو أن صاحب التصريح يعيش في كوكب آخر”.
هاجس الاحتياط وغياب الأمن
رفعت قوات الأسد سقف أعمار المطلوبين لخدمة الاحتياط في صفوفها، ضمن قوائم جديدة صدرت في نهاية العام الفائت تحمل ما قدره ناشطون بنحو مليون اسم.
ونقلت عنب بلدي عن مصادر أهلية متقاطعة في مناطق ريف دمشق، أن جميع أسماء الاحتياط التي شطبت في تشرين الثاني الفائت، أعيد طلبها مجددًا، إلى جانب أسماء جديدة طلبت لأول مرة.
وأضافت أن قوائم الأسماء الجديدة المطلوبة لخدمة الاحتياط تشمل مواليد عام 1976 و1977 و1978 و1979.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات من أمام شعبة المزة للتجنيد بدمشق، تظهر سحب المئات من الشباب للخدمة العسكرية والاحتياطية.
https://www.facebook.com/Worldnewsletter /videos/335803190358458/
ومع الملاحقات الأمنية المكثفة ضد المطلوبين للاحتياط والخدمة الإلزامية، باتت الشوارع شبه خالية من فئة الشباب المتوارين، خوفًا من الاعتقال والزج في معارك خاسرة، إلى جانب خسارتهم لأعمالهم ومصادر رزقهم.
وتأتي الدعوات للاحتياط في وقت تراجعت فيه العمليات العسكرية إثر سيطرة النظام السوري العام الماضي على الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي.
لكن ما روّج له النظام من “انتصارات عسكرية” لم يخفف حركة التجنيد، كما أنه لن يحسّن الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرته.
وسجّلت مدينة دمشق مؤخرًا حالات خطف، بعض ضحاياها من النساء، سجلت ضد مجهول، أشهرها ما حدث للفتاة آية القسطي، التي فقدت في حي المزة في حزيران الماضي، وعاود أهلها مناشدة المسؤولين للبحث عنها خلال الأيام الماضية، بعد أن نظموا ضبطًا لدى الشرطة التي لم تقم بواجبها بحسب وصفهم.
صفحة “حاجتكم فساد تخنت” المتخصصة برصد حالات الفساد في سوريا، اتهمت وزارة الداخلية بالتقصير حيال قضايا حساسة مثل غياب تلك الفتاة.
عشرات الحوادث المشابهة وقعت في دمشق خلال العام الماضي وحتى اليوم، وثقتها صفحات “فيس بوك”، وكذلك في بقية المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام.
البطاقة الذكية تؤرّق المواطنين
فرضت وزارة النفط والثروة المعدنية منذ العام الفائت نظام “البطاقات الذكية” في محطات الوقود في أغلب المدن السورية لتقييد كميات التعبئة للسيارات العامة والخاصة، لكن ذلك لم يكن كافيًا لأن تلك المحطات ليست جاهزة بالشكل المطلوب لخدمة الناس، إلى جانب الفساد المتواصل في تلك المحطات.
ويعتبر نظام البطاقات جديدًا على الأهالي، لذلك فإن آلية عمله ما زالت مجهولة نوعًا ما لكثير من المواطنين، لذلك يتساءل كثيرون وفق ما رصدت عنب بلدي، عن طريقة وآلية وشروط التعبئة والتزود بالمحروقات.
وبحسب فيديوهات على “فيس بوك”، فإن محطات الوقود ترفض تعبئة المحروقات إلا عبر البطاقة، الأمر الذي أدى لاستياء عدد من المواطنين بينهم عسكريون وثقوا ذلك في محافظة اللاذقية في أثناء رفض المحطة تعبئة وقود وهم في طريق سفر.
كما عقّدت البطاقة الذكية عملية شراء المحروقات المحددة، الأمر الذي دفع الكثيرين لشراء تلك المواد من السوق السوداء ولكن بأسعار مرتفعة جدًا.
وأدى حصر تزويد المحروقات من المحطات بحاملي البطاقة الذكية، إلى ارتفاع أسعار المحروقات بشكل ملحوظ، ووصل السعر في المنطقة الجنوبية إلى حدود 400 ليرة لليتر الواحد للمازوت، في حين يباع بالمحطات بـ 250 ليرة سورية.
ندرة مادة المازوت في الأسواق وغلاء أسعارها، دفع السوريين للاعتماد على الكهرباء والغاز كوسائل للتدفئة في أشهر الشتاء القاسية، خاصة وأن ثمن المازوت لا يتناسب مع الدخل الشهري للسوريين في حال كان هناك مردود يغطي نفقاتهم اليومية بشكل مقبول.
ويصل سعر البرميل الواحد بسعة 200 ليتر إلى 40 ألف ليرة سورية، وهو رقم يقترب من متوسط دخل المواطن السوري.
استطلاع: هذا الغليان لا يؤدي إلى نتيجة
طرحت عنب بلدي سؤالًا في استطلاع للرأي نشرته عبر منصاتها الإلكترونية، عن جدوى هذا التذمر الشعبي تجاه أزمات الخدمات في سوريا وما إذا كان سيصل إلى نتيجة، وشارك فيه 1330 مستخدمًا.
ورأت نسبة 75% من المصوتين أن هذا التذمر الشعبي لن يؤدي إلى نتيجة، بينما تفاءلت نسبة 25% بأنه قد يرى بصيصًا من نور.
وربطت معظم التعليقات عبر صفحة عنب بلدي في “فيس بوك” بين الصمت تجاه المجازر التي حمّل المشاركون النظام السوري المسؤولية عنها وبين الغليان تجاه أزمات الخدمات، وكتب محمد قول آغاسي “إذا ضرب الشعب بالبراميل ولم يتكلم أحد، هل يكون التحرك لأجل القليل من الغاز؟”.
ورغم استبعاد سما البردان أن يؤدي هذا الغليان إلى نتيجة، ترى أن انتشار ثقافة الانتقاد وثقافة أن الحكومة والدولة مسؤولة عن هذه المشاكل إيجابي، حتى يتذكر المواطنون أن موظفي الدولة مهمتهم خدمة الشعب وليس شيئًا آخر.
وذهب حساب تحت اسم “أبو المعتصم” إلى أن المقصود من هذه الأزمة إشغال الناس بلقمة العيش وتركهم في غيابة الجهل، حتى لا يناحر أحد المسؤولين أو يفكر بالخروج عليهم، وبالتالي يتمكنون من استعباد الجيل القادم كما استعبدوا الماضي.
بعيدًا عن الواقع.. مسؤولو النظام يردون على المواطنين
زادت طريقة تعاطي مسؤولي النظام السوري مع الأزمات الخدمية والمعيشية، ووعودهم المتكررة بإنهائها دون خطوات تذكر، سخط المواطنين تارة وسخريتهم من التصريحات غير الواقعية تارة أخرى.
خميس يعتذر
أطلق مجلس وزراء النظام السوري خلال اجتماعه، منتصف الشهر الفائت، وعودًا بانفراج قريب لأزمة المشتقات النفطية، وأرسل تطمينات إلى المواطن السوري بأن الأزمة “في طريقها إلى الانحسار”، كما جدّد، الجمعة 18 من كانون الثاني، وعوده عقب وصول ناقلتين تحملان 4400 طن من الغاز السائل إلى ميناء بانياس في الساحل السوري.
لكن الأزمة استمرت وطوابير مادة الغاز طالت، ما دفع رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، إلى تقديم الاعتذار للمواطن السوري تحت قبة مجلس الشعب، 20 من كانون الثاني، وقال خميس إن “الحكومة لا تجد أي حرج في تقديم الاعتذار للمواطنين الذين أذهلوا العالم بصبرهم وإيمانهم وتعلقهم بوطنهم”.
وحمّل خميس سبب الأوضاع الراهنة إلى العقوبات الاقتصادية التي وصفها بـ “الظالمة” التي تستهدف سوريا، باعتبارها تسببت بتأخر وصعوبة وصول السلع والمواد الغذائية والنفطية المستوردة وحصول نقص واختناقات، معتبرًا أن “تشديد العقوبات الأمريكية والغربية على المنطقة والأصدقاء (إيران) منعت وصول السفن المحملة بالمشتقات النفطية إلى السواحل السورية”.
“فيس بوك” هو الجاني
أما رئيس مجلس الشعب، حمودة الصباغ، الذي طلب من خميس عقد اجتماع طارئ مع المسؤولين عن موضوع أزمة الطاقة لتحديد المسؤوليات ورفضت الحكومة طلبه، فاتهم جهات خارجية، لم يسمها، بالوقوف وراء الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي الناقدة لسياسة النظام وحكومته.
وقال الصباغ، خلال افتتاح الدورة التاسعة للمجلس في 20 من كانون الثاني، “إن الحملات الإلكترونية اشتدت عبر فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي، وغالبها يدار من الخارج، وللأسف يقع في حبائلها من في الداخل سواء عن قصد أو غير قصد، فيروجون لها ويعملون على انتشارها مع كل ما يحمله ذلك من بلبلة في صفوف الرأي العام”.
وأضاف الصباع أن “العدو عندما يفشل في استخدام القوة الخشنة يلجأ إلى القوة الناعمة، ومن أهم أدواتها الحرب النفسية ونشر الخلاف بين المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها مجلس الشعب والحكومة، ومن أدوات هذه الحرب التضليل والكذب ونشر معلومات غير صحيحة”، مشيرًا إلى أن هناك مواقع في إسرائيل متخصصة بإثارة الفتن وتصعيد الحرب النفسية ضد السوريين.
“سوريا بخير”
خلال الأسابيع الماضية ضجت مواقع التواصل بمنشورات غاضبة من قبل مواطنين ردًا على نفي عدد من مسؤولي النظام وجود أزمات في سوريا، إذ عبر عضو مجلس الشعب، موعد ناصر، خلال كلمته في جلسة الثلاثاء 22 من كانون الثاني، عن غضبه من ارتفاع الأسعار بكلمة “تعبنا” ليرد عليه رئيس المجلس “وكّل الله”.
التصريح الذي اعتبره مواطنون الأكثر سخرية، صدر عن وزير المالية، مأمون حمدان، عندما قال خلال لقائه في التلفزيون السوري، إن الأزمات صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تدار من الخارج، في حين لا توجد أزمات غاز ولا مازوت ولا خبز في سوريا، الأمر الذي لاقى غضبًا على “فيس بوك” باعتباره استهزاء بحق الشعب السوري.
وإلى جانب ذلك قال رئيس قسم غاز اللاذقية، أسامة عديرة، إنه لا وجود لأي أزمة غاز في محافظة اللاذقية، وذلك ردًا على الفيديو الذي انتشر لـ “طابور” من المواطنين المصطفين للحصول على أسطوانات الغاز في منطقة قوس النصر في اللاذقية، معتبرًا خلال اتصال مع إذاعة “شام إف إم”، مطلع الشهر الحالي، أن التسجيل مفبرك ولا وجود لمثل هذا الطابور في اللاذقية.
تصريحات عديدة دفعت رئيس الحكومة، عماد خميس، إلى إيفاد وزير النفط، علي غانم، لمعاينة الأزمة على أرض الواقع، وأكد الوزير، بحسب وزارة النفط في “فيس بوك” الاثنين 4 من شباط، من هناك أن الحكومة طرحت كميات إضافية على التوريدات النظامية، كما عملت على إجراءات رقابية بشأن عملية التوزيع.
الحق على الحكومة.. و”سيادة الرئيس” خط أحمر
مطلع عام 2011 نادى أهالي مدينة حمص بشعار “الشعب يريد إسقاط المحافظ”. المحافظ هو إياد غزال، الذي عرف بأنه “حاكم المدينة”، وصاحب “حلم حمص”، المشروع الذي قوبل برفض شعبي كان وراء إقالته من قبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لكن في وقت متأخر بعد فرض القوة الأمنية على المدنيين والبدء بقتل واعتقال كل من يخرج في وجه “الدولة”، لتتحول المطالب حينها من إسقاط المحافظ إلى إسقاط النظام السوري.
منذ ذلك الوقت ارتبط اسم إياد غزال، الذي ضيّق بشكل كبير على أهالي حمص من ضرائب وغرامات، بسوء الخدمات والمطالب الشعبية التي ينادى بها في سوريا بين الفترة والأخرى، وتأتي المقاربة من باب السماح للمواطنين بانتقاد أي مسؤول في “حكومة النظام” شرط الابتعاد عن بشار الأسد، والذي يعتبر الحديث عن شخصه خطًا أحمرَ يعرض صاحبه للاعتقال والقتل بتهمة “إضعاف الشعور القومي” و”كسر هيبة الدولة”.
اليوم تعود المطالب الشعبية وحالة التذمر الشعبي من جديد، لكن في كل المدن السورية، مع اختلاف الوضع الخاص بها، ففي السابق قابلها النظام السوري بالقوة وحولها إلى حرب ضد “الإرهاب” والدولة ككل، أما في الوقت الحالي فيبدو أنه يمضي بمسلك آخر ذي طابع “مخابراتي” يقوم على إفساح المجال للمواطنين بالحديث عما في داخلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والسماح لهم بانتقاد الحكومة والوزراء، بعيدًا عن شخص الأسد والمسؤولين الكبار الذين يمسكون بالقرار الأساسي في الدولة، والمتحكمين بجميع مداخلها ومخارجها.
“تنفيس” عبر مواقع التواصل
يرى محمد العبد الله، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، أن طريقة تعامل النظام السوري في الوقت الحالي مع حالة التذمر الشعبي لا ترتبط بالحريات والتسامح والديمقراطية.
ويشير في حديث لعنب بلدي إلى نقطتين، الأولى هي أن مستوى الخدمات الحالي في سوريا أصبح سيئًا لا يمكن السكوت عنه، وطوابير الغاز لساعات طويلة وفقدان أساسيات الحياة تعطي صورة أن المواطنين وصلوا إلى مرحلة الانفجار من الواقع الذي يعيشونه.
ولا يمكن للناس الذي يؤيدون النظام واتخذوا موقف السكوت والخوف في السنوات الماضية من العيش في الجوع، ولا سيما أن الوضع المعيشي السيئ ليس لفترة مؤقتة بل لمدة طويلة، سواء فيما يخص المحروقات أو الغاز والخدمات الأخرى.
وبحسب العبد الله، فإن “سماح النظام للناس بانتقاد الحالة المعيشية هو نوع من التنفيس، طالما أن المطالب محصورة بانتقاد المحافظ والحكومة، ووزارة الاقتصاد والخدمات، بعيدًا عن الرأس والقيادات الكبيرة”.
النقطة الثانية التي أشار إليها العبد الله هي أن النظام السوري يستفيد من تأليب الشارع على موضوع العقوبات الأمريكية.
ويوضح أنه بعد إقرار قانون “سيزر” (قانون قيصر) من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، اتجهت آلة النظام الإعلامية إلى إلقاء اللوم على العقوبات، وأن أمريكا تعمل على معاقبة الشعب السوري، لافتًا إلى أن “النظام يحاول الاستفادة من العقوبات للتخلص من أزمة الخدمات، لكنه لن ينجح بسبب وجود إعلان خارجي من أمريكا أن العقوبات هي سابقة ولا تؤثر على ذلك”.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي أقر بالأغلبية قانون “قيصر”، الذي يقضي بفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه، وحصل القانون على موافقة 77 صوتًا مقابل معارضة 23 صوتًا له، وجاء من ضمن مجموعة قوانين متعلقة بالشرق الأوسط، أقرها المجلس، مطلع شباط 2019.
وبموجب ذلك سيتم تحويل القانون إلى مجلس النواب الأمريكي ليخضع للتصويت النهائي، ثم يتم تحويله إلى المكتب الرئاسي، حيث يوقع عليه الرئيس الأمريكي ويصبح ساري المفعول.
مع ما سبق يفسح النظام السوري المجال أمام الناس للحديث عما في داخلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأن ينتقدوا عمل الحكومة، كي تبقى العملية “ثرثرة وتذمر وحكي شارع”، بحسب العبد الله الذي تطرق إلى أسلوب يتبعه النظام يحاكي الوضع الأردني، إذ تفرض ضرائب ويتحول تذمر المواطنين ضد الحكومة، وفيما بعد يخرج الأسد في دور بطولي لإقالتها.
ويستبعد العبد الله خروج المواطنين في مناطق النظام إلى الشارع لانتقاد الوضع المعيشي، إذ إن حجم الخوف لدى الناس كبير حتى اليوم، وإن حصل ذلك سيتجه الأسد إلى استثمار الموضوع لحل الأزمة من خلال إقالة الشخصيات التي “لا قدرة لها على التصرف أو اتخاذ القرار”.
هل يوجد سقف للحريات؟
من وجهة نظر المحامي السوري، أنور البني، فإن النظام لم ولن يرفع سقف الحريات لا من قبل ولا في الوقت الحالي، وفي الأساس هو لا يفهم ولا يعترف بالحريات، وربما يجند بعض الأشخاص لتنفيس الاحتقان “كما استعمل دريد لحام سابقًا وغيره، ووسام الطير مثالًا”، معتبرًا “عندما تخرج عن المخطط يتم نسفك مهما كنت”.
ويقول البني لعنب بلدي، “الذي لا يدركه النظام هو أن السوريين بمن فيهم من دعمه لم يعد باستطاعتهم العودة لما قبل 2011 (…) التذمر سيمتد، هي ثورة لن تتوقف حتى عند الموالين، لأنها كانت على أوضاع يعاني منها كل السوريين”.
كيفية تعامل النظام مع انتقادات المواطنين في الوقت الحالي، يراها المعارض السوري، رياض نعسان آغا، لا تصب في رفع سقف الحريات.
ويوضح في حديث لعنب بلدي أن الوضع صار أشد صعوبة من السنوات الماضية، ومن الطبيعي أن يولّد حالات انفجار يصعب على النظام قمعها بين صفوف مؤيديه، وربما تعكس بعض “الانتقادات الساخنة” من أشخاص محددين من المؤيدين للنظام حالة من صراع داخلي بين المتنفذين.
وبحسب المعارض السوري، تعطي الانتقادات انعكاسًا أيضًا لما نسمع ونلاحظ من انشطار مراكز القوى بين الولاء لروسيا أو الولاء لإيران، ويشير “بدأ بعض المؤيدين يدركون خواء رهانهم على الاستبداد، وأما الصامتون الذين يخشون خطر التعبير عن مواقفهم الحقيقية وهم غالبية الشعب في الداخل فهم الذين يعانون اليوم من فقدان مقومات الحياة”.
لماذا لا تحل روسيا وإيران الأزمات الخدمية؟
لم يتوقف الدعم الذي قدمه حليفا النظام الأبرز، روسيا وإيران، على الدعم العسكري، بل تجاوزه إلى الدعم الاقتصادي، لكن الأزمة الخدمية التي تشهدها مناطق سيطرة النظام السوري اليوم لم تقابل بحلول من النظام، ولا من حليفيه.
ففي ظل أزمة الغاز الخانقة، لم تسد روسيا وإيران أيًا من احتياجات المواطنين، مع العلم أنهما من أوائل الدول في احتياطي الغاز الطبيعي.
وفق تقرير إحصائيات الطاقة العالمية 2018 الصادر عن “شركة النفط البريطاني (BP)، نشرته وكالة “الأناضول” في حزيران من العام الفائت، حلت روسيا في المرتبة الأولى بين الدول صاحبة أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي المؤكد في 2017، بـ 35 تريليون متر مكعب، وجاءت إيران في المرتبة الثانية بـ 33.2 تريليون متر مكعب.
وشرح المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، لعنب بلدي أسباب عدم توريد الغاز من إيران وروسيا، واعتبر أن “إيران تمنع وصول الغاز إلى سوريا عن طريق العراق (البر) وعن طريق لبنان عبر حزب الله الذي يأتمر بأمرها، بحجة أن النظام غير قادر على تسديد الأموال وقيمة القروض الائتمانية التي منحتها له، من أجل دفعه للرضوخ لمطالبها على الصعيدين السياسي والاقتصادي”.
كما “تمنع روسيا توريد الغاز إلى النظام، إضافة إلى سيطرتها على الواجهة البحرية عبر قاعدتها العسكرية في طرطوس، الأمر الذي يمنع وصول شاحنات الغاز إلى سوريا وإبقائها عالقة في البحر، في محاولة للضغط على النظام ودفعه لتقديم تنازلات دولية لصالحها، تحقق لها عودة قوية كمنتصرة على الساحة الدولية”.
وأرجع الكريم سبب ذلك إلى “تضارب المصالح بين البلدين داخل سوريا في محاولة السيطرة عليها، ومحاولة كل طرف منهما الضغط على النظام للسيطرة على عقود حقيقية في الاقتصاد، باعتبار أن العقود المتفق عليها هي عقود تفاهمية، والسيطرة على العقود السيادية، لأن ذلك يثبت حصص الطرفين في إعادة الإعمار ويثبت شرعيتهما بالوجود اقتصاديًا في سوريا”.
وأكد المحلل الاقتصادي أن المشاكل بدأت تنفجر في سوريا بعد الخناق الشديد على رقبة النظام، إن كان من قبل حلفائه، أو من جهة عجز الدول العربية عن تقديم المساعدات له بسبب العقوبات الأوروبية والأمريكية المتزامنة.
إضافة إلى “توقف المانحين عن دعم مشاريع المعارضة، ووقف تدفق قطع النقد الأجنبي التي كانت تصب في جيب النظام، ما أدى إلى عدم توفر سيولة لديه من أجل استجرار المستلزمات عن طريق التهريب”، بحسب الكريم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :