دمشق – ماري العمر
يترددون بالتداوي رغم آلام أسنانهم، فارتفاع الأسعار لا يرحم، والذهاب إلى طبيب الأسنان هم كبير، في ظل أسعار المعاينات التي يفرضها الكثير من أطباء الأسنان، والتي قد تصل إلى مستويات لا قدرة للمواطن البسيط على تحمل عبئها، وهو الذي بالكاد يكفيه راتبه لثمن الطعام والشراب.
طال ارتفاع الأسعار الذي يعاني منه السوريون بمختلف القطاعات والخدمات، والذي شمل أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الحياتية والمحروقات، الطبابة والقطاع الصحي عمومًا، وعلاج الأسنان خصوصًا.
ورغم أن سوريا كانت تصنف من الدول الأرخص في العالم بمجال معالجة الأسنان، باتت الأسعار حاليًا تضاهي الدول الأوروبية، وصار المواطن السوري لا يكترث لأمر أسنانه مهما شعر بها من ألم، لعدم مقدرته على تغطية التكاليف التي يطلبها الطبيب.
ويأتي ذلك في ظل تأكيد نقابة الأطباء على تحديد أسعار العلاج، وفرض عقوبات على الطبيب في حال تجاوز التسعيرات المطروحة.
نقيبة أطباء الأسنان فاديا ديب، أشارت خلال تصريح لها بمؤتمر صحفي في مقر نقابة طب الأسنان، ونقلته جريدة “الوطن” المحلية في تشرين الثاني 2018، إلى إجراء دراسة خاصة للأسعار في مهنة طب الأسنان ستصدر في عام 2019، لافتةً إلى العمل على تحديد أسعار العلاجات بطريقة صحيحة ومنطقية لحماية المواطن من ارتفاع الأسعار وحصول الطبيب على حقه بشكل حقيقي، مع فرض عقوبات رادعة في حال تجاوزها، بحسب تعبيرها.
كما اعتبرت ديب أن طبيب الأسنان السوري طبيب فقير، على الرغم من إقرارها بغلاء المعالجات الطبية السنية، وبررت ذلك بأنه “إذا ما تم احتساب سلة التكاليف التي يقدمها الطبيب يبقى له مربح ضئيل يكفيه للعيش كمواطن في ظل ارتفاع الأسعار، إضافة إلى ما يترتب عليه من تكاليف وضرائب وكهرباء وأجور مخبرية”.
عميد كلية طب الأسنان في جامعة دمشق، محمد سالم ركاب، اعتبر من جانبه أن الأجور التي يتقاضاها طبيب الأسنان السوري تعد من الأقل في الشرق الأوسط، وفق ما نقل عنه موقع الاقتصادي، وقد لاقى تصريحه انتقادات كثيرة نظرًا لاختلاف المداخيل الشهرية ومستوى المعيشة بين سوريا ودول أخرى.
وعند البحث عن تكاليف تجميل الأسنان وزراعتها، نجد أنها ارتفعت بشكل كبير، فعلى سبيل المثال تتراوح تكلفة تلبيس السن الواحدة بمادة “الفينير” التجميلية بين 50 و80 ألف ليرة، أما زراعة الأسنان فتتراوح تكلفتها بين 40 و60 ألف ليرة.
ويبلغ متوسط الرواتب الشهرية في سوريا نحو 45 ألف ليرة (90 دولارًا) بحسب موقع “numbeo” المتخصص بالبيانات والإحصائيات المفتوحة.
الأطباء يتذرعون بغلاء الدولار
الأطباء يعتبرون من جهتهم أن تسعيرة النقابة غير منطقية في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد، وارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية.
كما يرى العديد من الأطباء أن الأجور التي يتقاضونها تُعتبر رمزية قياسًا بما يتقاضاه نظراؤهم في البلدان الأخرى، غير آخذين بعين الاعتبار أن دخل المواطن السوري، وخاصة الموظفين منهم من ذوي الأجر المحدود، زهيد أيضًا مقارنة بأجور موظفي دول أخرى.
الطبيبة روعة التي تعمل في عيادة خاصة لها، بررت، في حديثها لعنب بلدي، ارتفاع أسعار المعاينات الطبية، مشيرةً إلى أن ثمن المواد التي يستعملها طبيب الأسنان مرتبط بارتفاع وانخفاض سعر الدولار، كأسعار الحشوات التجميلية، وإبر التخدير، وحشوات الأقنية، وغيرها من المواد المستوردة.
وهبطت قيمة الليرة السورية منذ عام 2011، ليستقر سعر الصرف حاليًا فوق حاجز 500 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان الدولار في عام 2010 يقابل 50 ليرة.
وأضافت الطبيبة أن تجهيزات العيادة باتت متطورة أكثر من السابق، وعلى الطبيب أن يطور عيادته في كل فترة، لأن المعدات الحديثة تساعد الطبيب على العمل بسلاسة، فعلى سبيل المثال لم يعد الطبيب يحتاج لصورة بانورامية للتأكد من وجود نخر في السن، أو لمعرفة حالة العصب فيه، لأن الكراسي الحديثة تحتوي على كاميرات توضح للطبيب ما يتوجب عليه عمله.
الحاجة أم خالد ذات السبعين عامًا، من بلدة سقبا بريف دمشق، التقتها عنب بلدي في إحدى العيادات السنية في الغوطة الشرقية لدمشق، اعتبرت أن الطبيب في هذه الأيام أصبح مثل التاجر “قد ما قدر ياخد من المريض ما بقول لأ”.
وأشارت إلى أنها وفي الفترة التي كانت تعيش فيها بالغوطة، في أثناء المعارك والحصار، لم تكن تستطيع معالجة أسنانها، واضطرت الآن للتوجه إلى أحد الأطباء الموجودين في الغوطة، ظنًا منها أن أجور المعاينة لديه ربما تكون أقل من أجور الأطباء في العاصمة دمشق.
لكنها عبرت عن تفاجئها بتكلفة العلاج، والتي بلغت نحو 13 ألف ليرة سورية للضرس الواحد لقاء سحب العصب منه ووضع حشوة دائمة.
كما أنها ستضطر لدفع 30 ألف ليرة عن كل ضرس ستحتاج لتلبيسه من مادة “الزيركون” التي تعبرالأفضل حاليًا في سوريا.
وسائل بديلة
عامر، شاب في الثلاثينيات من عمره، تحدث لعنب بلدي عن تجربة لجوئه لشخص بدوي لديه خبرة بعلاج الأسنان لكنه غير اختصاصي لمعالجة أسنانه على الطريقة البدائية، كونه لا يستطيع دفع التكاليف للطبيب.
ولم يكترث عامر لأمر التعقيم، والذي يعتبر من الأساسيات المهمة في عيادات الأسنان لتلافي نقل الأمراض الخبيثة، وبرأيه فإن التكلفة التي طلبها منه الخبير البدوي على تلبيس السن الواحدة، والبالغة ستة آلاف ليرة، لا تساوي شيئًا أمام ما يطلبه الطبيب.
وفي ظل التكاليف الباهظة لعلاج الأسنان، وتفرّد الأطباء بتحديد التسعيرة التي تحلو لهم بحجة ارتفاع الدولار، يُطرح التساؤل حول دور النقابة وما عليها فعله لتحديد التوازن بين المواطن وطبيب الأسنان، وما الخيارات البديلة المطروحة أمام المواطنين.