مجلس التعليم العالي يُغلق وطلاب يبحثون عن مستقبل بديل
أزمة الجامعات تتفاقم في الشمال السوري
عنب بلدي – نور عبد النور
أغلقت جامعة “الإنقاذ الدولية” في ريف إدلب أبوابها أمام الطلاب، في سلسلة قد لا تنقطع من إغلاق الجامعات الخاصة التي لم تحصل على تراخيص من مجلس التعليم العالي، والذي بات يدير بشكل أساسي العملية التعليمية للمرحلة الجامعية في إدلب.
وصدر قرار عن إدارة الجامعة أعلنت فيه إيقاف العملية التدريسية ابتداءً من 6 من شباط الحالي، تنفيذًا لقرار مجلس التعليم العالي، بعد مفاوضات بين الجامعة والمجلس لم تسفر عن ترخيصها، وسط احتجاجات من الطلاب واعتصامات ومظاهرات لم تفضِ إلى نتيجة.
وكان “مجلس التعليم العالي” أصدر في 12 من كانون الثاني الفائت قرارًا بإيقاف العملية الامتحانية في كل من “جامعة الإنقاذ الدولية”، وجامعة “الريان العالمية” وجامعة “آرام للعلوم” و”الجامعة السورية الطبية” و”جامعة شمس القلوب”، ومُنحت كل منها مدة شهر لتسوية أوضاعها واستكمال تراخيصها، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
أنشئ مجلس التعليم العالي عام 2017 باتفاق بين عدة جامعات أبرزها “جامعة إدلب” و”أوكسفورد سوريا”، وسط رفض للحكومة المؤقتة و”جامعة حلب الحرة”، وهي أكبر الجامعات في مناطق المعارضة آنذاك.
ولا يتبع المجلس رسميًا لـ “حكومة الإنقاذ” التي سيطرت مؤخرًا على إدلب بعد توسع “هيئة تحرير الشام”، لكنه يتهم بالتبعية لها. أما وزارة التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة، فبدأت نشاطاتها عام 2013، وتدير عددًا من الجامعات أبرزها “جامعة حلب الحرة”، وعدة جامعات خاصة في ريف حلب الشمالي. |
بعد احتجاجات طلابية.. “الإنقاذ” في الواجهة
على الرغم من أن قرار المجلس شمل أكثر من جامعة خاصة عاملة في الشمال السوري، تصدّرت قضية جامعة “الإنقاذ”، التي افتتحت عام 2017، المشهد مؤخرًا، نتيجة احتجاجات طلابية ومظاهرات طالبت بعدم إغلاق الجامعة.
ورصدت عنب بلدي خلال الاحتجاجات التي سبقت قرار الإغلاق آراء بعض الطلاب الذين كانوا رافضين له، ومنهم الطالب أحمد شرفان، الذي خاطب مجلس التعليم العالي قائلًا إن “جامعتنا تساعد المهجرين قسرًا وأبناء الشهداء والمعتقلين بتأمين تعليم مجاني، وهذا ما عجزتم عن توفيره. لن نسمح لأحد أن يغلق جامعتنا ويدمر مستقبلنا”.
وتساءل الطالب في كلية الطب، أسامة العيدو، “لماذا تريدون إغلاق الجامعة وهناك أكثر من ألف طالب فيها؟ ما مصير هؤلاء الطلاب؟”.
عنب بلدي توجهت بسؤال العيدو إلى رئيس مجلس التعليم العالي، وحول سبب إغلاق الجامعة أجاب، “في العام الدراسي الحالي أصدرت هذه الجامعة مفاضلة تضم 26 اختصاصًا، بمعدل 52 كلية ومعهدًا في المنطقتين، بعد أن كانت الجامعة حاصلة على ترخيص لثلاث كليات وستة معاهد، لذا صدر بيان عن الحكومة المؤقتة بعدم الاعتراف بالكليات والمعاهد الجديدة، وكذلك مجلس التعليم العالي”.
وتابع، “تم عقد عدة اجتماعات مع الإخوة في جامعة الإنقاذ لتسوية هذه الأوضاع وإعادة دراسة الملفات ولم نلقَ أي استجابة”.
لكن عميد كلية الطب في جامعة “الإنقاذ”، الدكتور مازن السعود، أكّد لعنب بلدي أن الجامعة قدمت كل المعايير المطلوبة للترخيص، لكن مجلس التعليم العالي لم يستجب، وأضاف أن “الجامعة كانت جاهزة، وقرار الإغلاق فوضوي تعسفي، لأننا جاهزون لتحقيق أي معيار يريدونه”.
وأضاف، “جامعات بمعايير متدنية مرخصة في المجلس، ونحن معاييرنا أفضل، هناك مشكلة في السلوك وآليات العمل واتخاذ القرار”.
وقال السعود إن “المجلس حاول إغلاق الجامعة بدايةً بشكل فوري، وبعد احتجاج أهالي مدينة معرة النعمان، تم تشكيل لجنة لتغطية قرار إغلاق مسبق، ثم منحوا الجامعة مهلة شهر، ثم قرروا تحويلها إلى جامعة عامة، وبالنهاية أصروا على الإغلاق رغم تجاوبنا مع طلباتهم، وأُجبرت إدارة الجامعة على توقيع قرار الإغلاق”.
وعلّق وزير التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، الدكتور عبد العزيز الدغيم، على إغلاق “جامعة الإنقاذ” في لقاء مع عنب بلدي، قائلًا، “نحن رخصنا ثلاث كليات وستة معاهد لجامعة الإنقاذ في السابق، لكنهم أغلقوا جميع الكليات الجديدة والقديمة”.
وأضاف الدغيم “رغم وجود تجاوزات للجامعة لا يجب إغلاقها، وهناك فرق بين معالجة التجاوزات وإيقاف العمل بالجامعة”.
مصير الطلاب في عهدة المجلس
يتخوف عميد كلية الطب في جامعة “الإنقاذ”، الدكتور مازن السعود، من المصير الذي سيؤول إليه حال الطلاب بعد تنفيذ قرار إغلاق الجامعة، معتبرًا أن الطلاب سوف يجدون أنفسهم “في الشارع”.
لكن رئيس مجلس التعليم العالي، الدكتور مجدي الحسني، يؤكد أن جميع طلاب الجامعات الخاصة ستتم تسوية أوضاعهم.
ويضيف في لقاء مع عنب بلدي أن المجلس لديه تصور مبدئي “أن طلاب جامعة الإنقاذ يمكن أن يسجلوا في الجامعات العامة بمفاضلة مجلس التعليم العالي سواء في جامعة حلب الشهباء أو إدلب، أو بالتسجيل بالمفاضلة الصادرة عن الحكومة المؤقتة، وفق مفاضلتيها العامة والخاصة بأبناء الشهداء والمعتقلين وذوي الاحتياجات الخاصة وأبناء أعضاء الهيئة التدريسية”.
ويؤكد الحسني أن اللجنة التي ستدرس ملفات الطلاب ستراعي أوضاعهم وستقوم بتسوية أمورهم بعد دراسة ملفاتهم كاملة، و”في حال رغب الطالب بتغيير فرعه أو لم يحقق معايير الفرع الذي كان يدرس فيه بالجامعات الخاصة، سيتم إعطاؤه فصلًا تكثيفيًا، أو سيقدم مواد إدارية لا تدخل في موضوع الرسوب والنجاح، ويتم تعويضها في السنة المقبلة”، لافتًا إلى أن “هذا الحل غير نهائي، ريثما تخرج اللجنة بدراسة جميع الملفات”.
شروط الترخيص
يفرض مجلس التعليم العالي مجموعة من الشروط على الجامعات الخاصة العاملة في الشمال السوري لضمها إليه، وفي حال لم تنضم جامعة ما يتم إغلاقها كما حدث مع جامعة “الإنقاذ الدولية”.
إذ يتوجب على مؤسسي الجامعة تأمين كفالات، وتوفير معايير يحددها المجلس تتعلق بالخطة الدراسية والتجهيزات والكوادر التي سيتم التعاقد معها، بحسب ما أوضحه الدكتور مجدي الحسني، رئيس مجلس التعليم العالي، لعنب بلدي.
وبحسب الحسني، فإن مجلس التعليم العالي الذي تأسس منذ عام ونصف تقريبًا، انطلق في بداية عمله من إعطاء ترخيص مؤقت للجامعات لمدة ستة أشهر للارتقاء بهذه المؤسسات، وضمان جودة التعليم للطالب، وبعد الأشهر الستة “تم إيقاف تمديد الترخيص لبعض هذه الجامعات لعدم وجود المتطلبات الخاصة بوجود الترخيص، مثل جامعة الإنقاذ، بينما تم تمديد الترخيص لجامعات أخرى”.
وحول الإطار التشريعي للمجلس، أضاف الحسني، “يقوم مجلس التعليم العالي على مجموعة من المعايير وقوانين تنظم عملية التعليم في هذه المؤسسات، حيث صدر في أول جلسة قانون تنظيم الجامعات وهو ينظم العملية التعليمية في الجامعات العامة، وقانون الجامعات الخاصة اعتمد على القانون 31 الصادر عن مجلس التعليم العالي في حكومة النظام كمستند قانوني في عملية منح التراخيص مع مراعاة الوضع الراهن في المناطق المحررة”.
وتابع، “تم إجراء بعض التعديلات على القانون فيما يخص الطاقة الاستيعابية بناء على أعضاء الهيئة التدريسية والمتعاقدين، بالإضافة إلى المعايير المطلوبة في كل كلية مفتتحة في هذه الجامعات”.
آلية الترخيص
يشترط على أي جامعة خاصة في محافظة إدلب تريد ترخيص عملها أن يتقدم مؤسسوها بطلب إجراءات الترخيص، ثم تخرج لجنة الإشراف على الجامعات الخاصة إلى المؤسسة وتقيّم الوضع الفني والأكاديمي فيها، وفق ما أوضحه الدكتور مجدي الحسني لعنب بلدي.
بدورها، تقدم اللجنة اقتراحها لمجلس التعليم العالي الذي يعطي قرار إحداث الجامعة، أو قرار إحداث الكلية في الجامعة إذا كانت مرخصة، وبعد استكمال جميع الإجراءات الفنية بناء على تقرير اللجنة تعطى قرار الافتتاح بحيث يتم استقبال الطلاب.
ويفوق عدد الجامعات غير المرخصة تلك التي حصلت على ترخيص أو تمديد للترخيص من مجلس التعليم العالي، الذي يطغى دوره حاليًا على دور وزارة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، التي تقلص تأثيرها مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” على أغلب مساحة إدلب.
والجامعات غير المرخصة هي “جامعة الإنقاذ الدولية”، وجامعة “الريان العالمية”، وجامعة “آرام للعلوم”، و”الجامعة السورية الطبية”، و”جامعة شمس القلوب”، و”كلية الإمام الشاطبي”، و”جامعة مينيسوتا الإسلامية”، و”كلية الدراسات والعلوم التطبيقية”، و”الجامعة السورية” في الدير الشرقي، وجامعة “سمعان” في دارة عزة، وجامعة “أهل الصفة”.
أما الجامعات المرخصة، فهي جامعة “أوكسفورد سوريا”، وجامعة “روما”، وجامعة “ماري” في سراقب، و”الجامعة العثمانية”، وجامعة “الزهراء”، وجامعة “الحياة”، وجامعة “العلوم الصحية”، و”أكاديمية الطاقة البديلة” في منطقة دير حسان.
جامعة حلب تقاوم رغم اتهامات “الفساد”
رغم أن “جامعة حلب” الحرة لم تُطالب من قبل مجلس التعليم العالي بالترخيص، لكنها تواجه قرار الضم الإجباري، ومن شأن رفض هذا القرار أن يعيق أو يعرقل عمل الجامعة التي تضم آلاف الطلاب. كما تواجه الجامعة اتهامات بالفساد، دفعت ببعض الطلاب إلى إطلاق دعوات للتظاهر ضد رئاسة الجامعة.
وأصدرت الهيئة الطلابية في كلية التربية التابعة لجامعة حلب في 5 من شباط الحالي، بيانًا قالت فيه “نظرًا لكثرة الفساد في رئاسة جامعة حلب، وخاصة الجانب الإداري، وكثرة الغايات الشخصية، ومن تعيين شبيحة النظام في الجامعة، ومن تسريب أسئلة للطلاب وغيرها من ملفات الفساد، تؤجل الامتحانات ويتم توقيفها، ويقام غدًا احتجاج في ساحة كلية التربية بمعرة النعمان ضد شبيحة النظام وأعوانه في المناطق المحررة”.
ونتيجة تزامن الدعوات للاحتجاج مع المهلة التي حددها مجلس التعليم العالي لضم جامعة حلب، والتي انتهت في الرابع من شباط الحالي، اعتبر بعض الناشطين أن الاتهامات “مفتعلة”.
عنب بلدي حاورت وزير التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، عبد العزيز الدغيم، والمدرّس في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، ونفى أن تكون اتهامات الفساد صحيحة.
وقال الدغيم، “ليس لدينا فساد في جامعة حلب، هناك أخطاء إدارية لا ترقى لتكون فسادًا، وليست لدينا أرضية للفساد. يدير جامعة حلب بأكملها نحو 150 موظفًا، والأموال تأتي محسوبة بالدولار للموظفين والمصاريف التشغيلية”.
ونفى الدغيم وجود أشخاص موالين للنظام في الجامعة، وأضاف، “بعضهم يقولون إن أشخاصًا تخرجوا في جامعات النظام في العامين 2015 و2016 وتم تعيينهم في جامعة حلب، هل يمكن أن نقول لا لمن حمل شهادة الدكتوراه وأتانا؟ هو ترك النظام وأتى. وفي حال علمنا أن أي شخص لديه انحراف باتجاه النظام لا نعينه في الجامعة”.
وتتوزع جامعة حلب في المناطق بأربع كتل: كليات طبية في كفر تخاريم بريف إدلب، ست كليات ومعهدين في معرة النعمان بريف إدلب، عشر كليات في الأتارب بريف حلب، وست كليات في اعزاز بريف حلب.
وفي رد على سؤال حول احتمالية إغلاق جامعة حلب، قال الدغيم، “نحن لا نستغرب شيئًا للأسف”، مضيفًا، “مجلس التعليم العالي طلب تراخيص من كل الجامعات الخاصة وأغلق من لم يرخص”.
وأضاف، “منحوا جامعة حلب فترة لأنها جامعة حكومية ومستوفية الشروط ومعاييرها موفرة من حيث الهيئة التدريسية والمباني. لدينا حولي 175 مدرسًا من حملة شهادة الدكتوراه، و120 من حملة الماجستير، يدرّسون 7200 طالب وطالبة” وهذه أمور لا تجعل إغلاق الجامعة أمرًا منطقيًا، بحسب الدغيم.
وفي حال ضم جامعة حلب لمجلس التعليم العالي، تصبح العملية التعليمية الجامعية في محافظة إدلب خاضعة بشكل كامل للمجلس، ما يعني نهاية دور وزارة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة في المحافظة، والتي لا تملك بدورها قوة تنفيذية على الأرض يمكن أن تحمي الجامعة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :