مؤتمران وأربعون عامًا من فاشية ملالي طهران
إبراهيم العلوش
بمناسبة الذكرى الأربعين لثورة الخميني سينعقد مؤتمر في بولونيا، في الثالث عشر من الشهر الحالي، للتباحث في أفعال إيران المزعزة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فإيران التي تفاخر بأنها عضو عنيد من أعضاء محور الشر، لا تزال تمارس الإرهاب في سوريا، وتسهم في تهجير شعبها، وتستولي على بيوت السوريين الفارين من تشبيح ميليشياتها، ولعل سوريا هي المثال الساطع اليوم لهذه الممارسات الفاشية والمنفلتة من كل ضابط أخلاقي أو قانوني.
في عام 1979 عقدت الدول الغربية الكبرى حينها مؤتمر غواديلوب، وقررت فيه إزاحة الشاه ونقل الخميني بطائرة فرنسية من باريس إلى طهران، رغم أنف الحكومة الإيرانية الموالية للغرب، وكانت الدول التي عقدت ذلك المؤتمر هي الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية، وكانت لها أهداف كثيرة من هذه الإزاحة، أهمها القبول بنظام ديني في إيران لمحاربة الشيوعية، ورغم أن معظم شيوعيي ويساريي العالم العربي اليوم يساندون النظام الإيراني تحت عنوان الممانعة، فإن الخميني كان أشرس من سحق الشيوعيين واليساريين الإيرانيين، وحطم حزبهم (حزب تودة)، بعدما كانوا الأداة الفعالة لإسقاط الشاه. وفوقها صاغ الخميني النظام الديني الطائفي الذي فرش البلاد كلها بالممنوعات، وحطم الأيديولوجيات العلمانية، وسهّل الإعدام بحق أبناء القوميات غير الفارسية، التي تؤلف حوالي نصف عدد سكان إيران من عرب وكرد وتركمان وبلوش وغيرهم.
اليوم ينظر ملالي إيران برعب إلى مؤتمر بولونيا المقبل، خاصة بعد فسخ الاتفاق النووي مع البلدان الكبرى الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، وبعد صدور منظومات معقدة وقاسية من العقوبات ضد إيران التي تجول الشرق الأوسط بميليشياتها، وبأيديولوجيتها الطائفية وغير الآبهة باستقرار المنطقة العربية ولا بشعوبها، بل تعتبر أنها تحصد حقولًا متروكة، وتستفيد من مخلفات التلوث الاستبدادي الذي نخر العالم العربي وطرحه أرضًا بلا حول له وبلا قوة.
وبالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، فإن الطيران الإسرائيلي يقصف بلا هوادة وعبر مئات الطلعات، ويستهدف المنظومات الإيرانية في سوريا، والحليف الروسي يقف مكتوف اليدين يتفرج بسعادة غامرة على تصفية شريكه الإيراني الذي ساعده بسرقة سوريا واحتلالها، وطرد نصف شعبها من بيوتهم.
ووصل الأمر بالشريك الروسي بأن يتجرأ على الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والتي أعلنت ولاءها التام لإيران، وصار قادتها، والفاعلون فيها، هم من الحرس الثوري الإيراني، ومن الميليشيات الطائفية التي استقدمتها إيران إلى سوريا.
والهجوم المتواصل ضد الفرقة الرابعة في غرب حماة، الذي يشنه الفيلق الخامس الروسي بقيادة سهيل الحسن، فيلسوف المخابرات الجوية، يعتبر خطوة متقدمة من قبل الروس ضد المصالح الإيرانية، ويسقط فيه عشرات القتلى من الطرفين كل يوم. فالروس بذلك الهجوم يكونون قد شقوا الطائفة العلوية، بين علويي الساحل، وعلويي الداخل. فعلويو الساحل يحتكرون المناصب القيادية، وينظرون بتعالٍ إلى علويي الداخل الذين يمثلهم سهيل الحسن، والذي نال المديح من بوتين وبوجود بشار الأسد نفسه، وهذا أهم تخريب لقدسية عائلة الأسد بالإضافة إلى ممارسات الروس المتعددة ضد بشار الأسد.
إيران اليوم ليست لديها منطقة آمنة إلا في شرق الفرات، وشرق حلب، التي تجوبها بعثاتها التبشيرية طوال الوقت، وتنظم فيها الميليشيات والحسينيات. وما زيارة الإيرانيين في الأسبوع الماضي إلى مدينة الميادين، إلا واحدة من تلك الزيارات التي تخيّر الناس بين الاعتقال الأمني، أو الانضمام إلى الميليشيات الطائفية التي تشكلها كميليشيا الباقر، وميليشيا درع الأمن العسكري، وغيرها من أدوات إعادة قتل وتهجير من تبقى من السوريين.
السؤال اليوم هل تستسلم إيران للروس وللنظام، وتترك دمشق والساحل السوري، وتكتفي بما تجود به الدول المنسحبة من مناطق مؤجلة المصير؟ ولماذا يدخل قاسم سليماني مع الحشد الشعبي من جديد إلى سوريا؟ هل فقط من أجل مد الطريق الإيراني المنشود عبر البادية السورية إلى بيروت، أم أن لدى الخامنئي منظومة إرهابية جديدة للعبث في سوريا، وإدامة عدم الاستقرار فيها، ولعل مصير علي عبدالله صالح الذي كان حليف الإيرانيين في اليمن لا يغيب عن قادة النظام السوري، وخاصة بشار الأسد، فالإيرانيون قادرون وبدراية عالية، على الوصول إلى كل نقطة من مفاصل النظام، وإذا قامت طهران بتصفية بشار الأسد على شاكلة تصفية حليفها علي عبد الله صالح، فلن تقوم بذلك استجابة لرغبة السوريين، أو لوضع حد للخراب و للدمار الذي قام به رؤوس هذا النظام، بل من أجل تغيير عناوين وجودها، وإذابة ميليشياتها وسط الفوضى السورية التي تعم كل البلاد، وهذه الطريقة كانت ناجعة في لبنان عن طريق حزب الله، الذي لا يحكم ولكنه يتحكم بكل شيء في لبنان، وفي اليمن حيث أنصارهم الحوثيون لا يحكمون ولكنهم أهم من يتحكم بمصير اليمن.
لن تتمكن شعوب المنطقة من وقف ثورة الخميني الفاشية، التي يمر اليوم أربعون عامًا على قيامها، عند حدها ما لم تعاونها الجهود الدولية، والحصار الدولي ضد هذا السرطان الطائفي، ولعل مؤتمر بولونيا، الشبيه بمؤتمر غواديلوب، سيكون حجرًا جديدًا في جدار حصار فاشية الملالي، بالإضافة إلى العقوبات الأوروبية الأخيرة التي صدرت تحت عنوان إقامة نظام تبادل بتسمية صريحة (النفط مقابل الغذاء)، وهذا هو نفس النظام الذي دمّر العراق قبل عقدين من الزمن.
فهل تسير إيران إلى هذه النهاية المحتومة، وهل ستظل تتحدى كل العالم وتعادي كل البشر، ولا تخجل أبدًا من كل أفعالها الشريرة (الممانعة)؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :