محمد حمص | مراد عبد الجليل
في ظل ضجيج إعلامي ودعاية مكثفة وتوقعات بالوصول إلى مراحل متقدمة في بطولة أمم آسيا، لعب المنتخب السوري أول مباراتين بأداء باهت ودون تسجيل أي هدف، ليقيل الاتحاد المدرب الألماني شتانغه، ويعين فجر إبراهيم بدلًا عنه، لكنه لم يستطع إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه أساسًا.
وعقب البيان الأخير الذي أصدره الاتحاد السوري لكرة القدم، في 26 من كانون الثاني، والذي أعلن فيه عن حل الجهاز الفني والإداري للمنتخب السوري وتعيين فجر إبراهيم مديرًا فنيًا، طفت عبارات الفشل والانهزام بين متابعي الكرة والجمهور السوري، وتصدرت عبارات من قبيل: “لا تتأمّلوا بالرياضة السورية كثيرًا، فهي نفسها منذ 40 عامًا.. ذات الإخفاقات والنتائج بجميع الفئات، ولن يقوم لها قائمة إلّا بنسف هذا الفكر المتحجر، ولو تغيرت الأسماء فالآلية ستبقى ذاتها، والفشل سيبقى ذاته”.
ولكن هل من الممكن تغيير الفكر الكروي السوري والوجوه التي تتقلب بين كراسي الإدارة الرياضية للعبة؟ هل يستطيع المنتخب السوري الوصول إلى نهائيات قطر 2022 لأول مرة في تاريخه، أم أن ذلك حلم صعب وبعيد المنال؟
ومع بدء العد التنازلي لبطولة كأس العالم 2022 المقرر إقامتها في قطر، بدأت المنتخبات بالتحضير والإعداد ليكون لها نصيب من المشاركة في البطولة، لكن نكستي المنتخب السوري في التأهل لنهائيات روسيا 2018 والخروج المذل من قطر، تفتحان جروحًا قديمة لا تندمل، وتحتمان تغييرًا جذريًا وتجديد الدماء أو تبديلها كليًا للخروج من إطار “المشاركة المشرفة” في المحافل الدولية.
لماذا لا تتطور الكرة السورية؟
تمثل الرياضة السورية وسيلة بين يدي المسؤولين، فهي أداة لتحقيق أهداف سياسية وليست رياضية، وهذا ما تجلى في تصريحات المسؤولين الرياضيين الحاليين أو السابقين عن الهدف الحقيقي من الرياضة السورية.
النصر يحسب بعدد مرات عزف النشيد
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ما حدث في قصة توقيع الاتفاقية بين الاتحادين السوري والقطري لكرة القدم، في آذار الماضي، والمشكلة التي نشبت بسببها، والتي استقال إثرها رئيس اتحاد كرة القدم، صلاح رمضان، بعد طلب من رئيس الاتحاد الرياضي العام واللجنة الأولمبية، موفق جمعة.
فتحت هذه الاتفاقية الملغاة على الرغم من عديد الفوائد التي تجنيها للكرة السورية حربًا سجالية بين رمضان وجمعة، وتبينت تبعات تلك الحرب عقب الفشل السوري الآسيوي الأخير، فبعد اشتداد موجة احتجاجات الجماهير ومطالبتها باستقالة الاتحادين العام والكرة، خرج صلاح رمضان ليرمي باللائمة على جمعة والإدارة الرياضية التي خلفته والمتمثلة برئيس اتحاد الكرة الحالي، فادي الدباس.
اتهم موفق جمعة رمضان بأن “لديه فكرة أن السياسة يجب أن تفصل عن الرياضة”، مضيفًا في لقاء مع إذاعة “شام إف إم” المحلية، “أنا لم أستطع أن أراها من هذا الجانب، وكذلك القيادة”، بحسب تعبيره.
لكن رمضان رد على القضية بأن “الرياضة في خدمة سياسة البلد وليس العكس، أنا رفضت توقيع الاتفاقية مع قطر حتى يرفع العلم السوري وليس علم الانتداب”، مضيفًا أن “القصة ليست باتفاقية قطر وغيرها، وإنما أمر مبيت لمصلحة فادي الدباس، حيث فضل اللواء جمعة المصلحة الشخصية على مصلحة البلد”.
وقال رمضان إن “جمعة طلب مني الاستقالة ووافقت فورًا”، مضيفًا أنه كان يجمع الاستقالات من أعضاء اتحاد الكرة، “أنا متأكد أن هناك تحالفًا معينًا كان سببًا باستقالتي من الاتحاد”.
وعقب استقالته توجه رمضان إلى لبنان لمقابلة لجنة التحقيق الآسيوية، مشيرًا إلى أنه تحدث أمام اللجنة بأنه استقال بإرادته، وتابع رمضان، “لو أنني قدمت استقالتي لأسباب سياسة كانت توقفت الرياضة نهائيًا في البلد”.
ومنع الاتحاد الرياضي السوري العام رمضان من السفر ولكنه تمكن بالاتفاق مع جمعة من مغادرة سوريا إلى لبنان وعندما عاد (إلى سوريا) عاد المنع، وفق تعبيره، موضحًا أن “كل شيء يتم تلبيسه للقيادة السياسية، ولكن هذا ليس صحيحًا. موفق جمعة يتخذ جميع القرارات”.
ووفق رمضان فإن جمعة رفض اللعب في قطر والإدارة السياسية ليس لها علاقة، لافتًا إلى أن المدرب السابق للمنتخب السوري طلب اللعب بقطر أو الإمارات أو الأردن، ولكن الإجابة جاءت بإصرار اللعب بالإمارات “لأن هناك أشخاصًا لهم مصالح معها، فرفضت الإمارات”.
بينما يتمحور النصر الرياضي، من وجهة نظر موفق جمعة، بعدد المرات التي رفع فيها “العلم السوري” خارج الحدود السورية، وعدد المرات التي عزف فيها “النشيد الوطني”.
جمعة رد على ما يتردد بأن الرياضة السورية تحقق ميداليات ذهبية “خلبية” بين عامي 2011 و2018، بالقول، إن “المستهدف في هذه الحرب هو علم السيادة الوطنية المتمثلة بالرمز السيادي الأول بشار الأسد والجيش العربي السوري”، مشيرًا إلى أنه “خلال هذه الحرب رفع العلم 1985 مرة خارج سوريا، فيما عزف النشيد 683 مرة، وهذه هي الرسالة”.
احتراف في سوريا.. أم انحراف؟
يعتبر الواقع الاحترافي في الرياضة السورية واحدة من أعقد المشاكل التي تواجه اللاعبين، والمدربين، وحتى الإداريين، بسبب كثرة الحواجز التي تجعل متابعة المشوار الاحترافي للاعب أمرًا مستحيلًا يحتاج إلى عشرات الحسابات.
وتقف الرياضة السورية على صعيد الأندية والمنتخب الوطني على حافة التوجه إلى الاحتراف الرياضي في أجواء استثمار غير منظمة، فالواقع الاحترافي الذي صيغ في عام 2010 ضمن مرسوم تشريعي لم ينفذ منه سوى ما يناسب واقع القيادة الرياضية والذي انعكس سلبًا على الأندية السورية فزاد الغني منها غنى وزاد الفقير منها فقرًا.
ويرى لاعب نادي الاتحاد والمنتخب السوري السابق عبد القادر عبد الحي، في حديث إلى عنب بلدي، أن عقليات اللاعبين السوريين ما زالت بعيدة عن العقلية الاحترافية الحقيقية بما أنهم لم يعيشوا التجربة بشكل فعلي، على صعيد الأندية وعلى صعيد المنتخب، أي إن الاحتراف في سوريا هو “بالاسم فقط”.
مساعد مدرب المنتخب السوري السابق، طارق الجبان، قال حول الاحتراف في سوريا، إن الكرة السورية بعيدة كليًا عن مفهوم الاحتراف الحقيقي، والاحتراف الحالي منصب بشكل كبير على اللاعبين من خلال عقد مبلغ مالي معين، والمفهوم المحلي عن الاحتراف أنه عقد يوقع بين النادي واللاعب، وفق ما نقلت صحيفة “تشرين” الحكومية.
ويرى الجبان أن الكرة السورية نسيت بقية الأمور التي تحتاج إلى احترافية حقيقية وأهمها العمل الإداري، من ناحية اختيار كوادر إدارية محترفة بكل مفاصل العمل الإداري ورفع الحالة الفنية مع حالة احترافية مثالية بالنسبة للتحكيم.
وقال عبد الحي إن “العقلية الاحترافية السورية لا تزال منغلقة على نفسها بسبب وجود الإدارات المتسلطة في الأندية والمنتخبات ووجود قيادات عسكرية وحزبية وليست رياضية، ويدرك اللاعبون ذلك عندما ينتقلون للعب في الخارج، هنا يرون الفرق والانفتاح من خلال التعامل الاحترافي، ولذلك أصبحوا نجومًا خارج سوريا”.
وأضاف “اللاعب السوري الدولي السابق أن بعض اللاعبين في الخارج أصبحوا إلى حد مقبول يدركون معنى الاحتراف كونهم انضموا إلى أندية عربية وأوربية طبقت الاحتراف بشكل رسمي، وهناك عقوبات في حال مخالفة أي بند من بنود الاتفاق”.
وفي تصريحه لعنب بلدي قال رئيس “الاتحاد الرياضي الحر لكرة القدم”، نادر الأطرش، إنه حين صدر قانون الاحتراف، كان القانون عصريًا على غرار ما هو موجود في أوروبا، ولكنه لم يرق للقيادة الرياضية في القيادة القطرية، فعرقلت القانون، بسبب أن الجماهير قد تصطف خلف أندية لها إدارات مستقلة بمعزل عن القيادة القطرية، وبذلك ستخسر الكثير في هذا الجانب، ولن يبقى الحزب مسيطرًا على الجانب الرياضي في هذه الحالة، بحسب تعبيره.
قانون الاحتراف السوري طبق شكليًا، وفق الأطرش، فصار مرهقًا للأندية بعكس المرجو منه، فالأندية الكبيرة تمكنت من التعاقد مع المزيد من اللاعبين واستجلاب لاعبين أجانب، على عكس تلك الفقيرة التي التزمت بعقود مع لاعبيها فأرهقتها، وصار لاعب الكرة يركض خلف العقد ومصلحته.
ومن وجهة نظر اللاعب السوري السابق عبد القادر عبد الحي فإنه لا يوجد احتراف أصلًا في سوريا بل هو “انحراف عن التعامل الرياضي الاحترافي الحقيقي الذي يجب أن يتم على أساس بنود وتفاصيل حقيقية يسير عليها اللاعب والإدارة”.
ويرى الأطرش أنه لو طبق القانون بطريقة صحيحة لكان سينعش الواقع الرياضي بشكل عام على صعيد الأندية والمنتخب، ابتداء من واقع الأندية والنقل التلفزيوني وحرية دخول عقود الرعاية.
وبسبب غياب العقلية الاحترافية فمن الطبيعي أن تنعكس الثقافة العسكرية والمحسوبيات على عقلية اللاعب في الأندية والمنتخب أيضًا، وفق عبد الحي، مشيرًا إلى أن الأمثلة كثيرة آخرها ما حصل في كأس آسيا بالخلف على شارة الكابتن.
استطلاع: الفساد والمحسوبيات تعرقل تطور المنتخبات
وأظهر استطلاع أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني أن الجمهور السوري يعتبر الفساد والمحسوبيات أهم سبب لفشل منتخبات كرة القدم السورية.
وأجاب نحو 200 مشارك في الاستطلاع عن سبب فشل المنتخبات السورية، وكان رأي 78% منهم أن الفساد والمحسوبيات تعد السبب الرئيسي، بينما يرى 13% منهم أن غياب العقلية الاحترافية هو السبب، وصوت 9% من المستخدمين لعدم وجود مواهب كروية في سوريا.
وقال رامي السويدي، أحد المعلقين على السؤال عبر صفحة عنب بلدي في “فيس بوك”، إن الخيارات الثلاثة صحيحة، بينما اعتبر جمال مصطفى أنه “لا توجد رياضة في سوريا” طالما القيادة ذاتها في مكانها، واتفق معظم المعلقين على أن المسؤولين الرياضيين هم المشكلة الرئيسية.
غسان كريمش، قال إن الكرة السورية كانت متصدرة عربيًا وكانت الرياضة بشكل عام نشيطة ومتقدمة “إلى أن أتى نظام الأسد وعمل على تدميرها، وأصبح الوصول واللعب مع المنتخبات الوطنية محصورًا بالأشد ولاءً للنظام والمحسوبين عليه بغض النظر عن المواهب”.
تجارب ناجحة.. من القاع إلى القمة
تجربتان ناجحتان ليستا بعيدتين عن سوريا، الأولى تجربة منتخب بلجيكا في كأس العالم الذي أقيم في روسيا، والثانية تجربة المنتخب القطري في أمم آسيا التي انتهت في الإمارات.
اختتمت بطولة كـأس آسيا برفع المنتخب القطري كأس البطولة للمرة الأولى في تاريخه، بعد أن وصل لمقارعة اليابان من دون أن يتلقى في شباكه أي هدف، وهذا الإنجاز لم يسبقه أحد إليه من المنتخبات الآسيوية المتوجة بالبطولة الأغلى.
وراء هذا التفوق تجربة قطرية بدأت من تأسيس أرضية قوية لبناء جيل كروي جديد قادر على مقارعة منتخبات خبيرة في كرة القدم الدولية، ككوريا التي لم يمضِ على فوزها التاريخي على ألمانيا عدة أشهر في كأس العالم، واليابان الفريق الآسيوي الوحيد الذي تمكن من بلوغ دور الستة عشر، وكاد أن يبلغ ربع النهائي لولا الإصرار البلجيكي في مباراة ريمونتادا بلجيكا.
“أسباير”.. نواة قطرية للعمل الهادئ
قطر بدأت عملها على كرة القدم فيها منذ إنشاء أكاديمية “أسباير” وهي أحد فروع “أسباير زون” والتي أنشأتها في 2004، لتلعب دورًا محوريًا في بناء تاريخ رياضي لقطر. وتعمل الأكاديمية على اكتشاف المواهب الكروية داخليًا وخارجيًا في 14 دولة، وتختبر ما يقارب 600 ألف طفل في 950 منطقة في الدول النامية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأقصى.
فازت قطر بكأس آسيا للشباب تحت 19، عام 2014، لأول مرة في تاريخها، بلاعبين اكتشفتهم وأنشأتهم وطورتهم الأكاديمية بعد إرسالهم للعب في أندية أوروبية مثل أتلتيكو مدريد وفياريال وريال سوسيداد وريال مدريد في أسبانيا، وسيلتك الأسكتلندي، ويوبن البلجيكي، وريد بول سليزبورج النمساوي، وأوكسير الفرنسي.
اللافت أن تقدم المنتخب القطري كان بطيئًا، عبر السنين، إذ تمثل بعدة إخفاقات قبل الظهور الناجح الأخير، فخرج من تصفيات كأس العالم خالي الوفاض وخسر مواجهات دولية لعبها، ولكنه كسب فريقًا شابًا متماسكًا، ظهر بصورة قوية في أمم آسيا.
كان جيل كأس آسيا 2014 هو الأنجع لقطر، إذ يلعب الآن ثمانية منهم في تشكيلة المنتخب الأول، وعلى رأسهم لاعبون تم بناؤهم وصقل مواهبهم منذ الصغر، ومن ضمنهم المهاجم المعز علي، وأكرم عفيفي، وسالم الهاجري، وعاصم ماديبو، وطارق سلمان، وغيرهم.
ما يجعل هذه النسخة مميزة من المنتخب القطري هو صغر سن لاعبيه المشاركين في العرس الآسيوي، إذ إن قوامه من اللاعبين الشباب، ويضم 14 لاعبًا تحت 25 عامًا منهم 11 لاعبًا ضمن المنتخب الأولمبي تحت 23 عامًا.
بعد الانهيار.. التجربة البلجيكية إلى القمة
وفي التجربة البلجيكية، التي تعتبر الأبرز في الوقت الحالي، نرى توفيقًا بين مواهب بلجيكية ناشئة وتطويرها وتطويعها لحمل الكرة البلجيكية إلى أبعد مدى.
وصل المنتخب البلجيكي إلى الدور نصف النهائي وحمل الميدالية البرونزية في نهائيات كأس العالم، ولكن ما حدث لم يكن مصادفة أو ضربة حظ أبدًا بل كان مخططًا له، إذ كان قد وصل إلى أدنى مركز له في عام 2007 عندما كان تصنيفه 71 بالترتيب العالمي، ولكن ذلك تغير تمامًا ليعتلي اليوم قمة هرم الترتيب على مدار شهرين متتالين.
منذ خروج المنتخب البلجيكي والمعروف باسم “الشياطين الحمر” من كأس العالم 2002 لم يشارك المنتخب الأول في أي محفل دولي سواء في كأس العالم أو بطولات كأس أمم أوروبا، وبقي طيلة 12 عامًا دون تأهل إلى أي بطولة، حتى بلغ نهائيات كأس العالم التي أقيمت في البرازيل 2014 عندما أقصي على يد المنتخب الأرجنتيني وبصعوبة.
عانى المنتخب البلجيكي عقب 2002 من جفاف المواهب واعتزال نجومه وعلى رأسهم مارك فيلموتس، ولم يظهر جيل استطاع قيادة الفريق، فكان من الضروة إعادة البناء منذ الصغر. فعملت أندية أندرلخت وكلوب بروغ وستاندرلييج وجينيك على استخراج المواهب وتقديمها إلى أوروبا، وكانت تلك الأندية الخطوة الأولى لظهور كيفين دي بروين وتيبو كورتوا في نادي جينيك، وكريستيان بنتيكي وكيفين ميرالاس ومروان فلايني في ستاندرلييج، وكومباني ولوكاكو في نادي أندرلخت.
بدأت الأندية البلجيكية بضخ هذه المواهب إلى أوروبا للاحتراف في أنديتها الكبرى، ولم يسبق أن شهد المنتخب البلجيكي هذا الكم من المحترفين في الأندية الكبرى، إذ يلعب اليوم قرابة 15 لاعبًا بلجيكيًا لصالح أندية في الدوري الإنكليزي الممتاز منهم عشرة لاعبين استدعوا لتمثيل المنتخب.
نجوم المنتخب البلجيكي اليوم كانوا واعدين عام 2002، فكانت صور إيدين هازراد وكيفين دي بروين ولوكاكو وفينسينت كوباني ودريس مرتينيز على صفحات الصحف منذ الصغر، وهم اللاعبون ذاتهم الذين كتبوا لبلجيكا صفحتها الذهبية في المونديال.
حصاد الرؤية البعيدة للكرة البلجيكية بدأ يظهر في أولمبياد بكين 2008، والذي حقق فيه المنتخب المركز الرابع، ليتطور ويصل إلى أرقى مستوياته في تاريخ الكرة البلجيكية اليوم.
يتشارك منتخبا قطر وبلجيكا في أمرين: أولهما الاعتناء بالمواهب منذ صغرها وتربيتها تربية رياضية كروية قائمة على ثلاثة مبادئ، احتراف الكرة، واحترام التحكيم، واحترام الخصم، هذه المبادئ تضمن التزام اللاعبين واستمرارهم في مستوى واحد دون تذبذب.
الكرة السورية.. إنجازات تعد على الأصابع
النتائج المخيبة للمنتخب السوري تغطي على إنجازاته التي تعد على أصابع اليد الواحدة، فرغم وجود أسماء ومواهب كروية قد تعتبر كبيرة في تاريخ كرة القدم السورية، في وقت سابق مثل مالك شكوحي وجورج خوري ونزار محروس ووليد أبو السل وعبد القادر كردغلي، أو حاليًا مثل فراس الخطيب وجهاد الحسين وعمر السومة وعمر خريبين، لم يحقق المنتخب السوري إنجازات كروية تذكر إن كان على الصعيد العربي أو القاري أو العالمي.
سجل المنتخب الأول لكرة القدم غير حافل في المسابقات الكروية، باستثناء لقبين فقط: الأول كان حصوله على ذهبية ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي جرت في اللاذقية في 1986، لكن المفارقة أن المنتخب لم يشارك بعدها في المسابقة التي تجري كل أربع سنوات.
وكانت مقاطعة البطولة أمرًا من القيادة القطرية للحفاظ على الميدالية الذهبية وضمان عدم خسارتها، وفق ما قال الصحفي الرياضي، عروة قنواتي، لعنب بلدي.
أما اللقب الثاني فكان بطولة غرب آسيا في 2012، عندما حقق انتصارًا على منتخب العراق بهدف وحيد.
وعلى الصعيد العالمي، شارك المنتخب السوري 14 مرة في تصفيات كأس العالم، ولم يكتب النجاح في أي منها للتأهل إلى العرس الكروي، بالرغم من اقترابه مرتين، الأولى كانت في نسخة 1986 عندما وصل إلى الدور النهائي من التصفيات الآسيوية، لكنه خسر أمام العراق بنتيجة المباراتين، أما المرة الثانية فكانت في التصفيات الماضية 2018، عندما وصل إلى الملحق الآسيوي لأول مرة، لكنه خرج بتعادل وخسارة أمام منتخب أستراليا.
ولعب المنتخب في التصفيات منذ مشاركته الأولى عام 1958 حتى التصفيات الماضية، 101 مباراة، فاز فيها بـ 45 مباراة وتعادل 23 مرة وخسر 33 مباراة.
أما على صعيد البطولات الآسيوية فشارك المنتخب السوري ست مرات في نهائيات كأس آسيا، كان آخرها في النسخة الماضية التي جرت في الإمارات، لكن ما يميز المشاركات الست هو عدم تخطي دور المجموعات.
ولعب المنتخب في النهائيات الآسيوية 21 مباراة منذ مشاركته الأولى في 1980، فاز فيها سبع مباريات وتعادل ثلاثًا وخسر 11 مباراة.
مواهب سورية ناشئة حول العالم
الكرة السورية لا تنقصها الموهبة بل تنقصها العناية بتلك المواهب، فمنذ عام 2011، لجأ مئات الآلاف من السوريين إلى أوروبا هربًا من الحرب، ليبرز العشرات من الشباب والناشئين في رياضات عدة ومنها كرة القدم، وبرزت عدة أسماء جذبت عدسات الكاميرات بسبب مهارتها وموهبتها.
ويمكن لهؤلاء اللاعبين تمثيل المنتخب السوري في المستقبل، ما لم يرغبوا بغيره، ومن هؤلاء الأسماء:
الموهبة أحمد الظاهر
جذب الطفل السوري أحمد الظاهر الأنظار حينما كان بعمر سبع سنوات، عام 2015، بعد أن قدم قدرات ساحرة في كرة القدم، وبدأت العديد من القنوات العالمية والمحلية بعرض تقارير مصورة عنه بعد مشاهدته يتدرب في الحدائق والممرات، وفي عام 2016 حصل على لقب أفضل لاعب في بطولة “كروس كلينكيا” المحلية في ألمانيا.
يلعب الظاهر مع نادي العاصمة هيرتا برلين وحقق معه لقب هداف برلين عام 2017، وأفضل لاعب خلال عامي 2017 و2018.
اللاعب بهجت النايف
خطف اللاعب السوري الشاب بهجت النايف، البالغ من العمر 18 عامًا، الأضواء مع فريق عصمانلي سبور التركي، بعد أن انضم إليه في فترة تجريبية، شارك خلالها في معسكر تدريبي، لفت خلاله أنظار عدد من الأندية التركية، وفق ما ذكرت صحيفة “صباح” التركية.
وتوقعت الصحيفة أن يسهم تألق النايف بانتقاله إلى أحد الأندية الكبرى التي تعتمد على جلب المواهب وتطويرها، ومن ثم بيعها مقابل مبالغ مالية كبيرة للأندية الأوروبية.
زين سيد بيازيد
من المواهب التي أثبتت نفسها في ألمانيا، لتسارع أكاديمية نادي هوفنهايم الذي يلعب في الدوري الألماني الممتاز للتعاقد معه.
وجاء التعاقد مع زين ابن اللاعب الدولي السابق، سيد بيازيد، بعد أن أظهر إمكانيات عالية في بطولة محلية أقيمت، في أيلول الماضي، لينال لقب هدافها.
ويعد زين بيازيد (11 عامًا) الموهبة السورية الثانية التي تتعاقد معها أندية الدرجة الممتازة الألمانية بعد أحمد الظاهر.
خليل الياس
لعب الشاب السوري خليل إلياس في نادي “نيولز أولد بويز” الأرجنتيني، في مركز وسط مدافع، قبل أن ينتقل لنادي غودي كروز.
توج الياس بلقب “لا خويا” (الجوهرة) كأفضل لاعب في ناديه، وتدرج إلياس في نادي أولد بويز في جميع الفئات العمرية وصولًا للأول بعمر 18 عامًا فقط، وانتقل الموسم الماضي إلى نادي غودي كروز على سبيل الإعارة.
كيف تستفيد الكرة السورية من مواهبها؟
معظم الأسماء السورية الناشئة لا تزال صغيرة في السن، لتدور استفسارات عديدة هل سيمثل هؤلاء المنتخب السوري في المستقبل، وما الدوافع التي ستجعلهم يلعبون للمنتخب، هل ستؤمنهم القيادة الكروية أم مصيرهم كمصير اللاعب جورج مراد؟
وفي كل بطولة آسيوية يبرز عدد من اللاعبين السوريين الشبان لكنهم سرعان ما يختفون لأسباب تتعلق بلياقتهم أو احترافهم وغيرها، وهذا ما يفقد المنتخب السوري خامة من المواهب الشابة التي تدفعه خطوة نحو الأمام.
يرى الصحفي السوري المختص بالشأن الرياضي، باسل حمدو، أن العمل على موضوع الاستمرارية في الكرة السورية هو الأهم، ويعني الاهتمام بالرياضة في المدارس منذ الصغر، وفي أقل الأحوال الاهتمام بمنتخبات الناشئين والشباب التي تنافس بكأس العالم، والعمل على استمرار مستواها مع الزمن حتى الوصول والتقدم في مرحلة الرجال، من خلال العمل على استقرار عطاء اللاعب وسرعته ولياقته.
ولكن الكثير من اللاعبين السوريين الذين لعبوا كرة القدم في الخارج بالمدارس الأوروبية وغيرها، عزفوا عن القدوم إلى المنتخب أو الاستجابة لدعوته بسبب سوء المعاملة وسوء الإدارة، فالشيء الأول الذي ينظر إليه اللاعب السوري الذي يلعب في الخارج تجربة زملائه مع الإدارة السورية، كما في حالة جورج مراد، وفق ما يقول الصحفي باسل حمدو، مشيرًا إلى أن استقطاب اللاعب مراد توقف على معاملة صغيرة ليس أكثر رغم أنه كان يؤدي جهدًا جيدًا في أوروبا، فالتعامل مع اللاعبين بشكل جيد واجب لتكون هناك سمعة ترغبهم بقبول دعوة المنتخب وعدم النظر للخارج للعب مع منتخبات أخرى.
وأشار حمدو إلى تجربة اللاعب محمود داود لاعب نادي بروسيا دروتموند وأخيه سعيد، إذ توجه سعيد للعب مع المنتخب الأولمبي السوري عكس محمود الذي ينتظر فرصة للعب لصالح المنتخب الألماني، فالمنتخب السوري بالنسبة له هو الخيار الثاني لأنه لاعب على مستوى عالٍ لا يريد إضاعة موهبته.
وحول استفادة التجربة البلجيكية والقطرية من المواهب، قال رئيس “الاتحاد الرياضي الحر”، نادر الأطرش، إن سوريا لديها فئات عمرية مميزة جدًا ولكن القيادة الرياضية لا تريد الاعتراف بأنه بسبب الثورة تعرضت الحركة الرياضة للشلل، فالتغى دوري الفئات العمرية ودوري المدارس وصار الأمر مقتصرًا على استجلاب اللاعبين من الأندية وتشكيل المنتخب منها، هذه التربية تحتاج لأكاديميات مدعومة من الدولة والاتحاد لاستقطاب هذه المواهب وتدريبها.
ووفق حمدو فإنه لن يكون هناك دور لكرة القدم السورية إذا لم تكن هناك إدارة مميزة، وابتعاد كل الموجودين بسلطة سياسية في سدة القيادة الرياضية، فلا يمكن لسياسي أن يكون قلبه على الرياضة، مستشهدًا بما قاله اللواء موفق جمعة الذي قال إن “السياسة أهم من الرياضة”.
ولتكامل الكرة السورية يجب الاعتماد على هؤلاء اللاعبين اللاجئين الذين يلعبون ببيئة صحيحة والاستفادة من هذا الجيل بعد عشر سنوات أو 15 سنة كما في تجارب المغرب وتونس والجزائر، فهؤلاء اللاعبون جاهزون ولا يحتاجون سوى مدرب قوي يفهم البيئة التي لعبوا فيها ويجد التوليفة بين اللاعبين والمدارس التي لعبوا فيها، وفق حمدو.
احتمالات “سورنة” التجربة القطرية
اتفق من قابلتهم عنب بلدي حول عدم إمكانية تطبيق التجربة القطرية في سوريا بسبب العقلية الرياضية الموجودة في سوريا، إذ اعتبر الأطرش ذلك “ضربًا من الخيال”، فالموضوع في التأهل إلى كأس العالم في قطر ليس مرتبطًا بمنتخب الرجال فقط، بل هو مرتبط بشكل عام “بهيكلة وشكل العمل، وواقع العمل الرياضي من خلال بناء مؤسسة رياضية حقيقية وخاصة كرة القدم، فاتحاد كرة القدم ليس مستقلًا على الإطلاق، وقراره من مصادر من الاتحاد الرياضي العام والقيادة القطرية من خلفه”.
أما اللاعب السوري السابق عبد القادر عبد الحي، فأكد أنه “لا يمكن تطبيق التجربة القطرية ما لم تتغير القيادات غير الرياضية، ووضع نظام احترافي حقيقي مشتق من النموذج الأوروبي وتطبيقه دون تدخل من أحد سوى أصحاب الاختصاص، ويمكن ذلك من خلال تشكيل لجنة رياضية أو تشكيل وزارة للرياضة ووضع استراتيجية واضحة وبعيدة المدى للنهوض بالرياضة السورية”.
ويجب أن يكون بناء الكرة السورية مترافقًا مع إعادة بناء للدولة بشكل كامل، وفق ما يرى رئيس “الهيئة العامة للرياضة والشباب” ظلال المعلم، الذي أضاف أنه “إذا كنا نريد الاعتماد على الشخصيات التي نشأت في ظل نظام ديكتاتوري فلن نستفيد شيئًا”.
وأضاف المعلم أن سوريا اليوم تحتاج لتغيير في نهج العمل والقيادة والتخطيط لتبدأ من جديد، “لنقول إننا قادرون على خوض إعمار البلد وبناء الرياضة من جديد”.
ووفق المعلم، فإن قطر عملت باستراتيجية بعيدة وبإمكانيات عالية للدخول في صف العالم من خلال الرياضة، بالاعتماد على خبرات محلية وخارجية في كل النواحي حتى من ناحية تجنيس اللاعبين، فالفكرة القطرية قامت على أمرين: الأول وجود الدعم المادي، والثاني وجود الرغبة بتقديم قطر لدول العالم على الرغم من صغرها وقلة عدد سكانها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :