دمشق – ماري العمر
للمرة الأولى منذ عام 2014 تمكنت إيمان، وهي طالبة من مدينة القامشلي تدرس في دمشق، من استئجار منزل دون الحاجة إلى انتظار فترة طويلة لاستخراج الموافقة الأمنية التي كانت مفروضة على المستأجرين في دمسق سابقًا.
تقول إيمان (رفضت نشر كلامها كاملًا لمخاوف أمنية)، “هذا القرار هو الأهم بالنسبة إلينا نحن الطلاب، فقد أصبح بإمكاننا الحصول على منزل للإيجار بفترة قليلة ودون حجج من السمسار”.
وتضيف إيمان لعنب بلدي أنها في بداية العام الحالي اضطرت للبحث عن منزل لتسكن فيه مع صديقاتها، وعند حصولها على منزل بالشروط المطلوبة لم تضطر للانتظار كي تحصل على الورقة الأمنية، وإنما سارت الأمور بسلاسة وسهولة.
وكانت وزارة الداخلية أصدرت نهاية العام الفائت القرار رقم “2744”، وقامت بموجبه بإلغاء شرط الحصول على الموافقة الأمنية لإتمام عقود الإيجارات، والذي فرضته عام 2014 لتمنع المشتبه بهم والقاطنين في مناطق المعارضة من السكن قريبًا من المراكز الأمنية.
معاناة انتهت
تعثرت الكثير من عقود الإيجار خلال الأعوام الخمسة الفائتة بسبب ورقة الموافقة الأمنية، فلم يتمكن القاطنون في دمشق من فتح مشروع صغير، أو حتى إقامة حفل زفاف دون انتظار عشرة أيام لاستخراج ورقة الموافقة.
فاطمة، وهي سيدة ثلاثينية، تعيش في دمشق، بينما يقطن زوجها في الغوطة الشرقية، اضطرت، أن تقطن مع أقاربها، لخوفها من السؤال عن زوجها في حال ذهبت لإحضار الموافقة الأمنية، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وأضافت فاطمة (رفضت نشر اسمها كاملًا لأسباب أمنية)، وهي أم لطفلين، أنها خلال إقامتها عند أقاربها في حي كفرسوسة لم تسلم من الخوف أيضًا، ففي حملة مداهمات طلب منها عناصر الأمن ورقة استضافة، ما دفعها لإخبارهم أنها في زيارة عائلية فقط، كون استخراج تلك الورقة يحتاج إلى موافقة أمنية أيضًا.
حال أحمد (25 عامًا)، وهو من مدينة إدلب، لم تكن أفضل، إذ أراد أن يفتح مشروعًا صغيرًا تحت جسر الثورة، وهي منطقة تكثر فيها البسطات التي تبيع السلع الإلكترونية والكتب وغيرها.
ويقول أحمد (طلب عدم كشف اسمه كاملًا لمخاوف أمنية) لعنب بلدي، إنه احتاج إلى موافقة أمنية، لكن طلبه قوبل بالرفض مرارًا، وكان عليه أن يدفع مبلغًا للمال كرشوة لاستخراجها.
في مصلحة السماسرة
تعطلت أعمال الكثير من سماسرة العقارات خلال الأعوام الفائتة، أو تأخر تنفيذها، بسبب اضطرار المستأجرين للحصول على الموافقة الأمنية، وفي حال تم رفض الموافقة، يخسر السمسار فرصته في الحصول على نسبة من الأموال لقاء أتعابه.
أحد السماسرة الذين يملكون مكتبًا عقاريًا في “شارع الأمين” تحدث لعنب بلدي عن معاناة المستأجرين في ظل فرض الموافقة الأمنية، والتغييرات التي طرأت بعد إلغاء القرار.
وقال السمسار، الذي طلب عدم نشر اسمه لمخاوف أمنية، إن “الأوراق المطلوبة سابقًا كانت السبب الرئيسي في عرقلة الإيجارات، فأغلب الناس الموجودين في العاصمة هاربون من المناطق الساخنة أو الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وكما هو معروف في سوريا لا يُحاسب الشخص على أعماله فقط، وإنما على أعمال عائلته بالمجمل”.
وأضاف، “من خلال ورقة الموافقة الأمنية يقوم الفرع بالبحث عن عائلة المستأجر، فإن كان أحد أفراد العائلة مطلوبًا تقوم السلطات غالبًا بطلب المستأجر للتحقيق معه”، لافتًا إلى أن كثيرًا من المستأجرين اضطروا إلى دفع رشاوى لأفراد في الأمن لتسيير أمورهم.
أما فيما يخصّ القرار الأخير بإلغاء شرط الحصول على الموافقة الأمنية، فهو بحسب السمسار عملية اختصار للوقت لا أكثر ولا أقل، وهذا ما يجعل فائدته تعود بشكل أساسي على السماسرة وأصحاب المكاتب العقارية، ومن الناحية الأمنية فالحال لم تتغير كثيرًا بالنسبة للمستأجرين، وفق تعبيره.
رقابة أمنية بطريقة مختلفة
رغم أن القرار رقم “2744” المتضمن تعليمات تنظيم عقود الإيجار وإلغاء شرط الحصول على الموافقة الأمنية، صدر في تشرين الثاني من العام الفائت عن وزارة الداخلية، لكن تطبيقه بدأ مطلع العام الحالي.
وبموجب القرار الذي نشر موقع “هاشتاغ سوريا” بنوده، يتوجب على كل من أجّر عقارًا مخصصًا للسكن أو لمزاولة أي مهنة تجارية أو صناعية عند إبرام العقد، القيام مع المستأجر بتسجيل عقد الإيجار في الوحدة الإدارية المختصة أو في مركز خدمة المواطن.
عقب ذلك تقوم الوحدة الإدارية بدورها في تنظيم استمارة إعلام ترسل الى الوحدة الشرطية في المنطقة التي يقع فيها العقار في نفس يوم إبرام العقد، وذلك بهدف تدقيق الوضع القانوني والأمني للمستأجر.
الوحدة الشرطية بدورها ترسل استمارة الإعلام إلى فرع الأمن السياسي في المحافظة لإجراء التدقيق الأمني للمستأجر دون أن يتوقف سريان عقد الإيجار على ورود نتيجة التدقيق الأمني.
وفي حال بيّنت نتيجة التدقيق الأمني الصادر عن فرع الأمن السياسي أن المستأجر مطلوب أمنيًا، تتخذ الإجراءات القانونية بحقه (توقيف أو وضع تحت المراقبة).
وعلى الرغم من أن القرار الجديد يعتبر تسهيلًا لأمور المواطنين، لكنه يتيح في الوقت ذاته الفرصة أمام الجهات الأمنية لتحديد مكان الشخص المطلوب، أو وضعه تحت المراقبة ما يجعل عملية اعتقاله أسهل.