بينما يدفع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتخبط، نحو سحب قواته من سوريا، يدفع مجلس الشيوخ، ذو الأغلبية المؤيدة لترامب، بالاتجاه المعاكس، محاولًا تقويض قرار الانسحاب لاعتبارات تتلخص بوجود مخاوف دولية من صحوة جديدة لخلافة تنظيم “الدولة الإسلامية”، المشارفة على الانتهاء في سوريا.
يبدو أن الرئيس الأمريكي فشل في إقناع شركائه داخل الولايات المتحدة وخارجها بصواب وجدارة قرار الانسحاب من سوريا، والذي اتخذه مدفوعًا بأمور عدة، وعلى رأسها قناعته وحده بأن تنظيم “الدولة” قد هزم فعلًا، الأمر الذي لم يرضِ مؤيديه قبل معارضيه.
تقويض “رمزي” لقرار الانسحاب
منذ أن أعلن دونالد ترامب قرار الانسحاب “المفاجئ” من سوريا، في 19 من كانون الأول الماضي، شهدت تصريحاته تخبطًا على صعيد الفترة الزمنية المحددة للانسحاب، لكن جميع تلك التصريحات تمحورت حول جدية تنفيذ هذا القرار، ولو كان بوتيرة بطيئة.
ورغم الاعتراضات الدولية، خاصة من شركاء ترامب الأوروبيين في “التحالف الدولي”، لم يتوقع ترامب أن يتلقى صفعة داخلية من مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون من أنصار ترامب، والذين صوتوا على تشريع يعارض خططه الخارجية للانسحاب من سوريا.
التشريع، الذي تقدم به زعيم الأغلبية في المجلس ميتش ماكونيل، يرفض انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، رغم اعترافه بالتقدم الذي أحرزته تلك القوات على صعيد مواجهة تنظيم “الدولة” في سوريا و”القاعدة” في أفغانستان.
لكنه يرى أن الانسحاب “مستعجل” لسببين، الأول عدم إلحاق هزيمة “دائمة” بالتنظيمين وبالتالي لا يزال الخطر يلاحق الولايات المتحدة، والثاني تقويض استقرار المنطقة وترك فراغ قد تشغله إيران أو روسيا، خاصة في سوريا.
وتم إقرار التشريع بأغلبية أصوات مجلس الشيوخ، الخميس 31 من كانون الثاني الماضي، إذ حاز على تأييد 68 عضوًا في المجلس مقابل 23 صوتًا معارضًا له.
ومع ذلك يبقى رفض مجلس الشيوخ الأمريكي غير ملزم للرئيس الأمريكي، ما لم يتحول التشريع إلى مشروع قانون يخضع لتصويت مجلس النواب، الذي في حال أقره يصبح لزامًا على ترامب تنفيذه.
ومن المقرر أن يخضع التشريع للتصويت النهائي في مجلس الشيوخ، الأسبوع المقبل، دون وجود ملامح بتحويله إلى مشروع قانون.
ترامب يصر
اعتبرت الصحافة الأمريكية أن رفض مجلس الشيوخ لقرار الانسحاب من سوريا قد يشكل ضغطًا ولو بسيطًا على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ما يدفعه للتراجع عن قرار الانسحاب.
لكنه وبعد الموافقة على التشريع سارع ترامب إلى نشر تغريدة عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، في 1 من شباط الحالي، أكد فيها إصراره على سحب القوات الأمريكية الموجودة في شمال شرقي الفرات، والبالغ عددها 2600 جندي أمريكي، بحسب شبكة “CNN” الأمريكية.
إذ قال ترامب في تغريدته، “لقد ورثت فوضى عارمة في سوريا وأفغانستان، حروب لا تنتهي وإنفاق غير محدود، وموت”، وأضاف “خلال حملتي الانتخابية قلت بقوة إن هذه الحروب يجب أن تنتهي أخيرًا، سوريا كانت مليئة بعناصر تنظيم الدولة الإسلامية حتى وصلت، وسرعان ما دمرنا 100% من الخلافة”.
واعتبر ترامب أن الأموال التي كانت تُصرف في سوريا وأفغانستان يجب أن تُصرف “بحكمة” بعد عودة القوات الأمريكية إلى الوطن.
ورغم إعلانه بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” قد هزم نهائيًا، أكد أن بلاده ستراقب التنظيم “عن كثب”، في محاولات قد تقنع معارضي الانسحاب، وربما لن تقنعهم.
وتدور تساؤلات عدة حول قدرة ترامب على تنفيذ قراره بالانسحاب من سوريا، والذي يبدو أنه مصر عليه، رغم أنه لم يحدد مدة زمنية للانسحاب، ملمحًا إلى أنه سيتم “ببطء”، فضلًا عن تساؤلات أخرى حول الطرف الذي سيملأ مكان القوات الأمريكية في سوريا، والذي لا يزال مجهولًا.