ريف حماة – إياد أبو الجود
تعد مضافة الشيخ عوض صالح الشيحان، المنحدر من قبيلة بني خالد، بمثابة محكمة عشائرية صلحية تعود إلى أكثر من 200 عام في جبل شحشبو بريف حماة الغربي، ولا تزال تحكم وتبت في قضايا المتخاصمين حتى اليوم، رغم انتشار المحاكم المدنية في حماة.
عمل أجداد الشيخ عوض الشيحان في مجال الحكم العشائري، مستقطبين إلى مضافتهم الكائنة في جبل شحشبو شريحة كبيرة من المتخاصمين الراغبين في فض الخصوم في ريفي حماة وإدلب، ليس فقط من أبناء العشائر بل من جميع أبناء المنطقة.
الشيخ موران عوض الشيحان يقول لعنب بلدي إنه منذ أكثر من 150 عامًا كان جده محمد الشيحان موضع ثقة بالنسبة للمتنازعين، الذين يقبلون بحكمه باعتباره “عارفًا” في القضايا الصلحية و”منصفًا” في أحكامه، إذ كانت تُحل الخلافات في منزله، مورثًا علمه في أحوال الصلح لأبنائه وأحفاده.
آلية “سلمية” لحل الخلافات
يعتمد آل الشيحان في حل الخلافات على آلية ثابتة تقضي بقدوم المتخاصمين إلى مضافتهم، حيث يبصم الفريقان المتخاصمان على صك تحكيم صلحي رضائي، وعند البت في الحكم يصبح ساري المفعول أمام القضاء والعشائر وملزمًا لكلا الطرفين، بحسب ما قال الشيخ موران عوض الشيحان.
وتتألف المحكمة العشائرية في جبل شحشبو من مجلس صلح قبيلة بني خالد المخزومية القرشية، والذي يرأسه الشيخ عوض الصالح، ويضم المجلس شرعيين من القبيلة بالإضافة إلى وجهاء من أهل الحل والعقد وأصحاب الرأي في حل الخلافات.
وبحسب الشيحان، فإن النظام السوري كان يحوّل القضايا العشائرية المستعصية على محاكمه، قبل عام 2011، إلى المحكمة العشائرية بغية حلها سلميًا، وبعد البت في الحكم يتم توجيه صك التحكيم الموقع من قبل الطرفين المتخاصمين إلى محاكم الدولة، التي تعترف بالحكم مهما كان.
أما اليوم، فتحل الخلافات عن طريق تشكيل لجنة شرعية عرفية، إذ يتم إرضاء الطرفين ومصالحتهما وكتابة شرط جزائي في حال نقض الحل من قبل أي طرف، إذ يغرم الطرف المخالف ماليًا بمبالغ كبيرة تُقدّر حسب كل قضية.
لماذا يلجأ الأهالي إلى المحكمة العشائرية؟
علي الخليف، من أبناء قرية كورة بجبل شحشبو، قال إن أحد أقربائه من عائلة العلي قتل بعيار ناري من قبل أحد أبناء عائلة صقار، ثم أخذت عائلة المقتول بالثأر وقتلت شابًا من عائلة صقار، ما استدعى اللجوء إلى الشيخ عوض الشيحان كي لا تتفاقم المشاكل بين العائلتين.
وأضاف علي في حديث لعنب بلدي أن الشيخ عوض الصالح جمع الطرفين بمنزله ضمن جلسة تحكيمية شرعية عرفية صلحية وبحضور أعضاء المجلس العشائري، وتم البت بها بما يرضي الطرفين.
إذ قضت المحكمة العشائرية بغرامة مالية يدفعها ذوو القتيل الأول وقدرها 16 مليون ليرة سورية بسبب القتل العمد، وذوو القتيل الثاني دفعوا غرامة قدرها 11 مليون ليرة كون القتل لم يكن عمدًا، كما قضت المحكمة بشراء آل العلي لمنازل آل صقار برضاء الطرفين.
وأشار علي الخليف إلى أن سبب لجوء العائلات في جبل شحشبو إلى مجلس الشيخ عوض الشيحان هو العادات المتوارثة منذ عقود، بالإضافة إلى أن المحاكم العشائرية تبت بالحكم على الفور ودون مماطلة، على حد تعبيره.
أبو عصري، من عشيرة “الطوقان”، يقول لعنب بلدي إن مضافة الشيخ عوض الشيحان تعتبر مقصدًا للأهالي منذ زمن، مشيرًا إلى أنه منذ أكثر من 20 عامًا تم حل خلاف بين عشيرته وعشيرة “فخذ الشقرى” في قبيلة بني خالد.
كما قُتل رجل من عشيرة “بني عز” قبل سنتين، على يد أحد رجال عشيرة “الطوقان”، وتم تكليف مجلس الشيخ عوض الشيحان بحلها بغية عدم إراقة المزيد من الدماء.
“دائمًا نلجأ للمحاكم العشائرية بحكم العادات والتقاليد”، يقول أبو عصري.
من وجهة نظر الشيخ موران عوض الشيحان، فإن الأطراف المتخاصمة تلجأ للمحاكم العشائرية عوضًا عن محاكم الدولة القانونية، بسبب رفضهم رفع شكاوى بحق بعضهم، كون الأعراف والتقاليد تشير إلى أن اللجوء للمحكمة العشائرية يكون هدفه “سلميًا” ويجري بمودة بين الطرفين، عكس المحاكم التابعة للدولة.
وأضاف، “توجد الكثير من القضايا لا يرغب أصحابها بنشرها على العامة وتحتاج إلى سرية، مثل قضايا العرض وغيرها”، مردفًا “في محاكم الدولة تتوسع القضية وتصبح على الملأ”.
كما أن البت في القضية بمحاكم الدولة قد يطول لشهور وسنين عدة، أما الحل العشائري فيأخذ ساعات فقط، بحسب الشيخ الشيحان.