عنب بلدي – مراد عبد الجليل
مع استمرار سعي إيران لتوسيع نفوذها في سوريا على الصعيد الاقتصادي، وزيادة تموضعها في قطاعات سيادية، بدأت بالدخول إلى قطاع جديد في الاقتصاد السوري وهو المصارف والبنوك، عبر توقيع اتفاقية مع حكومة النظام السوري تنص على التعاون المصرفي بين المصرفين المركزيين في البلدين، إضافة إلى الاتفاق على تأسيس مصرف مشترك في العاصمة دمشق، وذلك خلال زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الاثنين 28 من كانون الثاني، والذي وصف الاتفاقية بـ “المهمة جدًا”.
وأعلن رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، الثلاثاء 29 من كانون الثاني، توقيع اتفاق مع حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، حول إنشاء وتطوير وإقامة علاقات الوساطة المصرفية بين البلدين، وإصدار رخصة إنشاء بنك مشترك بين إيران وسوريا في دمشق. وأكد همتي عبر حسابه في “إنستغرام” أن “البنوك المركزية في البلدين، ستبدأ عبر افتتاح الحساب بالتبادل المصرفي على أساس العملة الوطنية للبلدين، وتوفير إمكانية استخدام البطاقات المصرفية بين طهران ودمشق”.
من جهته أرجع مصرف سوريا المركزي، في بيان له عبر موقعه الرسمي، الأربعاء 30 من كانون الثاني، هدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الطرفين لخدمة استقرار القطاع المصرفي وتطويره والإسهام بتسهيل التبادل التجاري وتشجيع الاستثمار وتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة.
الفكرة ليست جديدة
فكرة إنشاء المصرف ليست جديدة، وإنما تعود إلى 2009 عندما أقر مجلس الوزراء السوري الترخيص بتأسيس مصرف مشترك سوري- إيراني على شكل شركة مساهمة باسم “مصرف الأمان” برأسمال قدره مليار و500 مليون ليرة سورية، بنسبة 49% لإيران موزعة على “بنك صادرات إيران” بنسبة 25% من رأس المال، وشركة “غدير” للاستثمارات” بنسبة 16%، وشركة “سايبا” بنسبة 8%، أما نسبة 51% فكانت لرجال أعمال سوريين أبرزهم وكيل شركة “إيران خودرو” لصناعة السيارات وتسويقها، خليل سلطان العبد، الذي قتل في أيار 2010 على يد عصابة مؤلفة من ستة أشخاص من بينهم ابنه، بحسب موقع “الاقتصادي” المحلي.
وعقب مقتل العبد أعلن رجال الأعمال السوريين انسحابهم من عملية تأسيس المصرف، وبقيت إيران مستحوذة على نسبتها على أن يتم طرح النسبة المتبقية من رأس المال للاكتتاب العام، وكان من المقرر أن تطرح الأسهم في أيلول 2011 لكن ذلك لم يتم، وتوقف المشروع نهائيًا في 2012 بسبب العقوبات الأوروبية على مصرف سوريا المركزي والمصرف التجاري السوري، وعادت فكرة تأسيس المصرف إلى الطرح عدة مرات خلال السنوات الماضية كانت آخرها في حزيران 2018، خلال زيارة وفد اقتصادي من حكومة النظام إلى طهران برئاسة وزير الاقتصاد، سامر خليل.
قاعدة لنقل إيران أموالها إلى أي مكان
تساؤلات كثيرة طرحت خلال الأيام الماضية حول أهداف إيران من الدخول في قطاع المصارف في سوريا، الأمر الذي عزاه الباحث الاقتصادي، مناف قومان، إلى محاولة التوغل والسيطرة الاقتصادية الإيرانية على سوريا، كون ذلك لا يتم دون خيوط وأدوات في الصناعة المصرفية في البلد.
وحدد قومان، في حديث إلى عنب بلدي، أهداف إيران من الدخول في المصارف، لاستخدامها كقاعدة لنقل أموال لها إلى لبنان وبلدان أخرى، خاصة وأن البنوك تتيح مرونة وحرية حركة الأموال من وإلى أي مكان، إضافة إلى أن البنوك لها دور كبير في عمليات تمويل المشاريع وبالتالي تملّكها، وسوريا في وقت من الأوقات مقبلة على إعادة الإعمار، والمصارف جزء لا يتجزأ من هذه المرحلة.
أما السبب الآخر فيتعلق بأهداف مستقبلية متعلقة بحالة تقويض الوجود الإيراني في سوريا، إذ يضمن إنشاء مصرف مشترك أو الدخول بعمليات استحواذ في مصارف سوريا جذورًا مصرفية تتيح لها البقاء والحركة.
وحول التعامل بعملة البلدين المحلية بينهما، أوضح قومان أن أي بلد عليه عقوبات أو مشكلة مع الولايات المتحدة (وعملتها الدولار) يقرر التعامل بالعملة المحلية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يؤدي إلى نتائج إيجابية على اقتصاد البلدين لأن عملتيهما ليس عليها طلب ولا تتمتعان باستقرار، إذ يبلغ سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار 530 ليرة، في حين يبلغ سعر صرف الريال الإيراني 110 آلاف ريال للدولار الواحد.
وتوقع قومان عدم وجود فائدة اقتصادية كبيرة لهذا الإجراء، بسبب أجواء الحرب والعقوبات وعدم الاستقرار الاقتصادي في كلا البلدين.
سامر فوز يدخل المصارف بقوة
التحرك الإيراني الجديد في المصارف تزامن مع دخول رجل الأعمال السوري، سامر فوز، الذي يعتبر من أبرز رجال الأعمال على الساحة السورية حاليًا ويتهم بشكل كبير بتبعيته لإيران، خاصة وأنه ظهر بشكل مفاجئ وعقد صفقات ضخمة وأسس شركات واشترى منشآت سياحية في سوريا، أبرزها حصة رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال في فندق فورسيزونز.
وبدأ فوز بعقد صفقات ضخمة في المصارف عبر شركته “أمان القابضة” المغفلة المساهمة، التي تأسست في أيار 2017 برأسمال 600 مليون ليرة سورية، وعقدت الشركة ثلاث صفقات خلال الشهرين الماضيين مع “بنك سوريا الدولي الإسلامي”، إذ اشترت في الصفقة الأولى سبعة ملايين و949 ألفًا و842 سهمًا في البنك بأكثر من 7.35 مليار ليرة سورية، في حين اشترت في الصفقة الثانية مليون سهم، بقيمة 947.2 مليون ليرة، أما الصفقة الثالثة فكانت في 17 من كانون الثاني، عندما اشترت الشركة مليونًا ونصف المليون سهم من أسهم البنك، لتصبح حصتها في البنك 7.63% من عدد الأسهم الكلي.
وإلى جانب ذلك أبرم فوز عبر شركته صفقة مع بنك البركة- سوريا، في 31 من كانون الأول، إذ اشترى 592.250 سهمًا من أسهم البنك بقيمة 841 مليون ليرة سورية، لتصبح ملكية الشركة بعد العملية 1.18% من عدد الأسهم الكلي للبنك، بحسب بيان صادر عن “سوق دمشق للأوراق المالية”.
من جهته اعتبر قومان أنه بـ “تقرب سامر فوز الكبير من إيران، فلا شك أن تلك الصفقات ستعود بالفائدة عليها بشكل أو بآخر، فربما تكون الأموال من إيران وبالتالي يحيل هذا الكلام إلى استحواذ إيران على حصص في المصارف السورية”، مشيرًا إلى أن لكل دولة رجالها، وتحركاتهم وصفقاتهم هي إشارة واضحة لناحية مصالح الدولة التي يعود لها.
اتفاقات إيران رد على التوغل الروسي؟
ووقعت إيران والنظام السوري، خلال زيارة المسؤول الإيراني،11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجًا تنفيذيًا لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان، لتضاف إلى الاتفاقات السابقة الموقعة بين الطرفين، خلال السنوات الماضية، في عدة مجالات (الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط والاتصالات والطاقة)، ما يعتبر تنازلات اقتصادية واضحة من قبل النظام لإيران ثمنًا لدعمها السياسي والعسكري والمالي خلال السنوات الماضية.
وتحاول إيران تعزيز دورها في الاقتصاد السوري وتوقيع اتفاقيات وعقود مع النظام السوري في مجالات مختلفة كلما زاد التوغل الروسي في سوريا، بحسب المحلل الاقتصادي مناف قومان، الذي اعتبر أن إيران تستشعر أكثر بزيادة التنافس مع روسيا في سوريا، وأنها تسعى بشكل غير مباشر لتقويض مصالحها عبر الهجمات الإسرائيلية تارة، والالتفات للرؤية الأمريكية تارة أخرى، لذلك تسعى طهران إلى تثبيت أقدامها في سوريا بشكل أكبر.