عنب بلدي – ضياء عودة
تختصر استقالة الشرعي في “هيئة تحرير الشام”، “أبو اليقظان المصري”، والقرار الذي منع الفتوى والتوجيه الدعوي خارج المجلس الشرعي العام لـ “الهيئة”، تحركات القائد “أبو محمد الجولاني” لنبذ التشكيلات والتيارات المتشددة في الفصيل، في خطوة لإثبات الاعتدال ونزع تهمة “الإرهاب”، تحضيرًا للمرحلة الجديدة التي ستقبل عليها محافظة إدلب عسكريًا وإداريًا.
لم تكن خطوات “الجولاني” مفاجئة بقدر ما كانت قيد الانتظار، خاصةً منذ مطلع العام الماضي، فقد شهدت “تحرير الشام” عدة تحولات خالفت ما تأسست عليه، ومن أبرزها التغير الذي أصاب خطابها والعلاقة مع تركيا، والتي بدأت مؤشراتها بالظهور إلى العلن بدءًا من نشر نقاط المراقبة دون أي عراقيل، ووصولًا إلى التصريحات المتقاربة مع أنقرة، وكان آخرها فيما يخص معركة شرق الفرات.
استبق “أبو محمد الجولاني” المرحلة الحالية التي وصل إليها فصيله بعدة تحركات من بينها توسيع النفوذ على الأرض على حساب فصائل “الجيش الحر” المتمثلة بفصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”، وتوسيع عمل “حكومة الإنقاذ” أيضًا، والتي تمثل الوجه الإداري والمدني لـ”الهيئة”.
وتزامن ذلك مع سريان اتفاق “سوتشي”، الموقع بين تركيا وروسيا، في أيلول الماضي، والذي قضى بإنشاء منطقة عازلة بين النظام السوري وفصائل المعارضة وفتح الأوتوسترادات الدولية دمشق- حلب، وحلب- اللاذقية أمام الحركة التجارية والمدنية.
خلافات تظهر إلى الواجهة
يبدو أن خطة “الجولاني” الحالية بنبذ التيارات المتشددة لن تكون سهلة، خاصةً مع وجود تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة”، والذي من الواضح أنه سيكون الملجأ الأول لجميع القياديين المتشددين سواء “أبو اليقظان” أو غيره.
وتشكل تنظيم “حراس الدين”، في شباط 2018، وضم سبع مجموعات عسكرية هي: “جيش الملاحم”، “جيش الساحل”، “جيش البادية”، “سرايا الساحل”، “سرية كابل”، “جند الشريعة”، وفلول “جند الأقصى”، ويقودهم القيادي في “هيئة تحرير الشام” سابقًا “أبو همام الشامي”.
في الأيام التي سبقت استقالة “أبو اليقظان” شهدت العلاقة بين “تحرير الشام” و”حراس الدين” توترًا، بعد الاجتماع الذي جمعهما يوم الخميس 31 من كانون الثاني الماضي، والذي رفض فيه الأخير طروحات قدمتها الأولى لمستقبل المرحلة المقبلة في الشمال.
وتمثلت الطروحات بتشكيل مجلس عسكري بقيادة ضابط من الضباط المنشقين عن النظام السوري والملتحقين بـ “الجيش الحر” أو “فيلق الشام”، والأرجح “الفيلق”، ويملك المجلس العسكري قرار السلم والحرب في الشمال السوري، وإلى جانب ذلك تفتح “تحرير الشام” الأوتوسترادات الدولية مع النظام السوري.
النقاط التي طرحتها “الهيئة” دفعت القياديين في “حراس الدين”، أبو همام الشامي وسامي العريدي، لمطالبة “تحرير الشام” بتسليم السلاح المتنازع عليه بين الفصيلين سابقًا، وقالا في بيان مشترك، “نرى أنه لا يسعنا السكوت عن حقوقنا وسلاحنا فنحن اليوم نطالبهم بسلاحنا وحقوقنا، ولم يُقض فيها ولم يُحسم أمرها إلى الآن”.
وأضاف القياديان أن “الوقت الحالي هو وقت النفير العام وكسر شوكة النظام، وإضعافه اقتصاديًا وقطع طرق الإمداد عنه”.
خطة مرسومة
ترتبط طروحات “تحرير الشام” بتقرير نشرته عنب بلدي في 17 من كانون الثاني، عرضت فيه السيناريو المتوقع لإدلب بعد تغير الخارطة العسكرية على الأرض.
وقال مصدر من “الجيش الحر”، له تواصل مع الجانب التركي، حينها، إن “الجبهة الوطنية للتحرير” سيتم حلها إلى جانب “تحرير الشام”، على أن يكون الحل ليس كالمعنى المتعارف عليه بل بصيغة اندماج في جسم موحد لجميع التشكيلات.
وأضاف المصدر أن إدلب ستشهد تقسيمًا سياسيًا وعسكريًا، على أن يكون التمثيل السياسي لفصيل “فيلق الشام” المدعوم من تركيا، والعسكري لـ “الهيئة”.
وأشار المصدر إلى أن “حكومة الإنقاذ” ستتم إعادة تفعيلها، كي تدخل في العمل السياسي، لكن بواجهة جديدة.
وكان “الجولاني” سار بعدة خطوات، في السنوات الماضية، لإبعاد تهمة “الإرهاب” عن فصيله في خطوة لأن يكون مقبولًا دوليًا، وتمثلت بعزل قسم من التيار المتشدد، والذي شكل بدوره “تنظيم حراس الدين”، وفيما بعد بدأ الأخير باستقطاب بعض المجموعات “المتطرفة” من “الهيئة” وإدراجها في صفوفه.
وفي حديث سابق مع مصدر مطلع على سير الحركات الجهادية في سوريا قال إنه من المتوقع أن يبدأ “الجولاني” في المرحلة المقبلة بمهاجمة “حراس الدين” وعزل التيار المتشدد، كخطوة لإثبات “الاعتدال”، لكنه أضاف أن “الجولاني” لا يملك القرار الكامل لحل “تحرير الشام” حتى اليوم مع وجود قادة مهاجرين يرفضون بشكل قاطع هذه العملية.
لماذا “أبو اليقظان” أولًا؟
رغم وضوح الخطة التي يسير عليها “الجولاني” في إدلب بإبعاد التيار المتشدد عن فصيله، يطرح الاختيار الأول الذي وقع على “أبو اليقظان” عدة أسئلة، خاصةً أن القيادي المصري له ثقل كبير في “الهيئة”، كونه شرعي الجناح العسكري وقاد معظم العمليات العسكرية سواء ضد فصائل “الجيش الحر” أو قوات الأسد.
الشرعي المنشق عن “الهيئة”، “أبو سراقة الشرعي”، قال عبر “تلغرام” بعد ساعات من الاستقالة إن “أبو اليقظان تعرّض في خطبته الأخيرة لتركيا وسياستها والتحريض ضدها، مما أزعجهم وكان الرد من خلال صحيفة يني شفيق التركية أن القيادي المصري خلفه المخابرات الإماراتية والسعودية، فكان التطبيق بعدها مباشرة من الجولاني في إبعاده عن المشهد وستلحقه بعد ذلك البقية”.
وأضاف القيادي أن “الهيئة تسير حاليًا على سياسة الفصائل من قبلها والتي كانت تنكرها وتكفر من سار عليها، والسبب في ذلك أنها علمت أنه لن يكون لها السلطان في المحرر إلا من خلالها”.
ويعتبر “أبو اليقظان” أحد القياديين البارزين السابقين في حزب “النور السلفي” في مصر، قدم إلى سوريا مطلع 2013، وعمل شرعيًا ضمن صفوف حركة “أحرار الشام الإسلامية” لثلاث سنوات.
انشق القيادي عن حركة “أحرار الشام”، في أيلول 2016، بعد أن كان شرعيًا في لواء “مجاهدو أشداء”، إلى جانب إلى كل من “طلحة المسير” (أبو شعيب المصري)، وقائد اللواء “أبو حمزة الكردي”، وعناصر اللواء كاملًا.
وأفتى خلال “الاقتتال” الأخير بجواز قتل جنود حركة “أحرار الشام”، رميًا بالرصاص، ووجّه رسالة لمقاتلي “الهيئة” بأنه “إذا كان الحاجز لا أستطيع أن أقوده إلا بالقتل، اضرب في الرأس وأنا مسؤول يوم القيامة”.
وكانت آخر الفتاوى له تحريم القتال مع الجيش التركي شرق الفرات، ليتبعها بمعركة ضد “الزنكي” غربي حلب.
صحيفة “يني شفق” التركية، المقربة من دوائر القرار في أنقرة كانت قد نشرت تقريرًا، في كانون الثاني الماضي، قالت فيه إن الإمارات العربية المتحدة والسعودية أعطت الضوء الأخضر لـ “أبو اليقظان المصري” بإصدار فتاوى بمحاربة “الجيش الحرّ” والحركات الأخرى الموجودة في المنطقة.
وبعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا، ومباحثات دونالد ترامب في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” من قبل تركيا، أشارت الصحيفة نقلًا عن مصادر استخباراتية إلى أنه قد تمّ تكليف “تحرير الشام” من قبل ما وصفتها بـ “قوى الشرّ” لزعزعة استقرار المنطقة.
وقالت إن الخطة التي تم وضعها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الخليج في إدلب تهدف لعرقلة عملية السلام عن طريق تعطيل اتفاق “سوتشي” وتشتيت انتباه تركيا عن عملية شرق الفرات، وزجها في الغرب بنزاعات إدلب.