تمام محمد – عنب بلدي
“صار النوم رفاهية، لا نحصل عليه إلا في الأيام القليلة التي تهدأ فيها الجبهات” هكذا يصف محمد، أحد مقاتلي مدينة داريا، الليالي التي تمر عليه، مشيرًا إلى تأثير جو المعارك المستمرة على ساعات نوم المقاتلين المعدودة.
محمد الذي يرابط على ثغور المدينة الغربية أفاد عنب بلدي أن المجموعة المرابطة في النقطة تنقسم إلى نوباتٍ من عدة مقاتلين، يتبادلون الحراسة خلال الليل «ينام المقاتل فترة محدودة (ربما لا تتجاوز 4 ساعات) ثم يخرج إلى نوبته”.
أما عند الاقتحام ومحاولات تسلل جنود الأسد لأي نقطة على الجبهة “يستيقظ جميع المقاتلين ويلتحقون بالجبهة”، مؤكدًا في الوقت ذاته على استعدادهم لأي طارئ “غالبًا ما ننام بالحذاء العسكري، وأحيانًا بجعبتنا”.
ولبرد الشتاء دورٌ أيضًا في ابتعاد النوم عن عيون مقاتلي المدينة، إذ يقول أبو عبد الله إنه يمضي القسم الأول من الليل مع رفاقه في مجموعة من الجيش الحر، في جمع الحطب وتكسيره للتدفئة، مردفًا «الليلة التي لا نجد فيها ما نشعله ينخر البرد عظامنا، ولا ترد الأغطية الصقيع أثناء العواصف؛ ما يمنع النوم عنا».
بينما كانت الفترة الثانية من الليل، المخصصة لتشغيل المولدات في المدينة إثر انقطاعٍ كاملٍ لخطوط الكهرباء الرئيسية، دافعًا عند معظم المقاتلين للسهر وهي من أهم الساعات في الروتين اليومي الذي يعيشونه «نشحن بطاريات هواتفنا النقالة، وبطاريات الكاميرات التي نستخدمها في المراقبة، كما أننا نقضي معظم أعمالنا المنزلية مستغلين الإنارة التي تنقطع بقية الليل”، كما يقول أبو عبد الله.
روتين الحصار والقصف والبعد عن الأهل يخلق أرقًا للمقاتلين والمدنيين على حدٍ سواء، ويقول ياسر الذي يمضي النهار على الجبهة أن الأفكار تدور جيئةً وذهابًا في ذهنه قبل النوم رغم الإرهاق الذي يشعر به «أمضي ساعاتٍ قبل أن تغمض عيني أفكر في النقطة التي سأرابط فيها، أو بالمعركة التي نخطط لها، وأحيانًا بالساعة التي يحين فيها أجلي”.
وتشكل رهبة الصواريخ الموجهة والبراميل المتفجرة وأصوات الحفر قصة أخرى عند «أبو أحمد» وهو شاب يقاتل منذ سنتين على خطوط المواجهة، «كل الحصار والمعارك في كف، وتفجير الأنفاق وصواريخ أبو شخرة في كف آخر… بيطيروا النوم من عيونك”.
في المقابل، لا تخلو ليالي المحاصرين من النشاطات التي تخفف معاناتهم، حيث يرتاد بعضهم نادٍ لكمال الأجسام أو يشاهدون مباريات لكرة القدم، بينما يجتمع آخرون في سهرات ليلية تؤنس وحدتهم وتشغلهم بنقاش التطورات السياسية والميدانية وأحوال الثورة السورية.
ويمضي أغلب المحاصرين جزءًا من ليلتهم بالحديث مع أهاليهم خارج المدينة والاطمئنان عليهم إن توفرت شبكة الاتصالات أو الإنترنت، و”يبقى فنجان القهوة مع بعض الضحكات والطُرَف، المؤنس الأكبر في مصيبتنا”.
لم يفقد هؤلاء طيبات الطعام فحسب، ولم يشتاقوا إلى الأمن والعيش بسلام، بل يتوقون فوق ذلك إلى ساعات نومٍ هادئة لا يعكّرها قصفٌ أو برد.
يذكر أن المدينة تعاني من انقطاعٍ كامل لموارد الكهرباء والتدفئة والخدمات في ظل الحصار الذي تفرضه قوات الأسد على 6000 مدني من أبناء المدينة منذ قرابة الأربعة أعوام، مما دفع أبناءها لحمل السلاح للدفاع عن المدينة في وجه المجازر المتكررة بحقهم وسط صمتٍ عربيٍ ودولي.