سيرين عبد النور – دير الزور
’’طال القصف كل شيء هنا، وعرفنا مختلف أنواع القذائف من الصواريخ والطيران إلى قذائف الهاون”، بهذه الكلمات يصف عمر، أحد أطفال حي الهجانة في ديرالزور، حال حيه المدمر الذي طاله قصف النظام، مضيفًا “غادر معظم السكان وتوقف كل شيء”.
بعد دخول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى المدينة، جعل من مسجد الحسين أحد مراكزه التي ينظم فيها دورات شرعية لأطفال الحي والمناطق التي تجاوره، لذا أضحى المسجد ومحيطه هدفًا لقصف النظام المركز.
ويقع المسجد على بعد أمتار من مدرسة صبحي حبيب التي باتت خالية إلا من النفايات والأتربة بعد أن هجرها الطلبة والمعلمون وتوقفت العملية التعليمية فيها منذ أواخر شهر حزيران 2012.
مدارس للعنف
تقام في المسجد دورات شرعية لأطفال الحي تحت إشراف عناصر التنظيم، ويقول قاسم، وهو أستاذ في التربية الإسلامية متخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق، “كان المسجد منارة لتلقي الأخلاق والآداب ومدرسة للتربية وتعليم المنهج الوسطي المعتدل، لكنه تحول اليوم إلى معسكر لإنتاج الفكر المتطرف وتلقي الفتاوى المغمسة بالدم والعنف”.
وكان قاسم مع عدد من أصدقائه يشرفون على دورات لتحفيظ القرآن وعلوم الحديث والفقه إضافة إلى دروس في علوم اللغة العربية، قبل أن يستبعدوا بتهمة “التصوف والإرجاء”.
تهمٌ يرد عليها قاسم بالحسرة على من بقي من أطفال المدينة “يغسل دماغ الأطفال ويحولون إلى قنابل بشرية وآلات للقتل في يد أمراء التنظيم وقادته”، مضيفًا “لا أعلم كيف يوافق الأهل على إرسال أولادهم ليتعلموا القتل والذبح”، في حين أكد زميله محمد أنهم ما زالوا يحاولون الدفاع عن منهجهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
مسجد حرويل في حي العرضي، تحول أيضًا من مركز “استتابة” حين دخل التنظيم المدينة، إلى مركز لتدريس الأطفال فقهيًا وعقائديًا وتلقينهم أصول الجهاد ومبادئ العمل العسكري والأمني، ضمن سلسلة شملت أغلب مساجد المدينة وعددًا من الأقبية التي تقام فيها دورات بإشراف عدد من فقهاء التنظيم ومقاتليه
نجوم في الإعلام
سلات غذائية وجوائز مالية تقدم للأطفال الذين يحضرون دورات التنظيم، يتخللها عروض سينمائية للمعارك وتدريبات على مبادئ القتال وقطع الرؤوس، ويصور خلالها الأطفال ليكونوا نجومًا صغارًا ضمن حملات التنظيم الدعائية.
ودفع ظهور عدد من الأطفال على الشاشات المحلية والعالمية كثيرًا من أصدقائهم ليقبلوا على مدارس التنظيم حالمين بظهورٍ أخّاذ لهم على شاشات التلفزة، كحال حمزة وهو أحد أطفال المدينة، حيث ظهر في مشاهد عنيفة يحاول ذبح أحد جنود النظام، خلال معارك المدينة مستخدمًا ساطورًا لا تكاد يداه تقوى على حملها بينما التف حوله عددٌ من المقاتلين الذين يشجعونه ويكبرون بأصوات عالية.
الخط التعليمي يتدهور
وتوقفت 60 بالمئة من مدارس ديرالزور، وبخاصة تلك التي تقع داخل المدينة ومركزها كأحياء العرضي، الشيخ ياسين والحميدية، وذلك إثر انتشار الجيش الحر في شوارع المدينة وقصف قوات الأسد للمدينة.
وحاول المجلس المحلي التابع للائتلاف السوري المعارض إحياء التعليم في مدارس المناطق المحررة من المدينة مصلحًا 80 بالمئة من مدارس المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الأسد في المدينة.
بينما لا تزال 90 بالمئة من من مدارس محافظة ديرالزور تتبع إداريًا لنظام الأسد، سواء الموجود منها في أحياء المدينة كالجورة والقصور وهرابش، أو في الريف.
لكن دخول تنظيم الدولة إلى المناطق المحررة منتصف آب 2013 كان كفيلًا بإيقاف معظم وجوه العمل المدني في الأحياء المحررة، ومنها النشاط التعليمي الذي كان يشرف عليه المكتب التربوي في المجلس المحلي.
ثم أعلن التنظيم إيقاف التعليم وإغلاق ما بقي من مدارس مشترطًا خضوعها لرقابته وخضوع المدرسين لدورات شرعية بعد استتابتهم، حيث يعملون تحت إشرافه ملتزمين بضوابطه ويتقاضون منه أجورهم أو كفالاتهم كما يطلق عليها التنظيم.
الإ أن 90 بالمئة من مدارس المدينة أقفلت بعد تناقص عدد الطلاب والمعلمين وسط نزوح أعداد كبيرة من الأهالي، هربًا من قصف الأسد وسطوة التنظيم الذي حاول التعويض عن المدارس بالدورات الشرعية في المساجد.
يتخوف الكثير من الأهالي والمعالجين النفسيين اليوم من آثار السلوك التعليمي والمشاهد العنيفة التي ينشأ عليها الأطفال، إذ تسبب لديهم اضطرابات ما بعد الصدمة التي تنتج بدورها سلوكًا عدوانيًا يهدد مستقبل المنطقة بالعنف لعشرات السنين.