جريدة عنب بلدي – العدد 27 – الأحد – 5-8-2012
كشفت الثورة السورية – فيما كشفت- الوجه الحقيقي للمؤسسة العسكرية المسماة «الجيش العربي السوري»، والتي حوّلها الأسدان – الأب والابن- من مؤسسة وطنية ذات تاريخ عريق ومشرّف مهمتها صون شرف وكرامة الوطن والمواطن، إلى عصا غليظة تُرفع في وجه الشعب السوري، وأداة لسرقة خيراته ونهب ثرواته. واحتكر الأسد لنفسه مهمة قيادتها وبشكل مباشر وحصري. ولأجل ذلك كان لا بد من تشويه عقائد المنتسبين إلى هذه المؤسسة بما يجعلهم يستحلون الحرام بأشكاله ويستسهلون فعله، فتزداد قابليتهم لتنفيذ أية مهمة قد توكل إليهم مهما تعارضت مع القيم الإنسانية الفطرية فباتت هذه المؤسسة ثورَ حراثةٍ أعمى في مزرعة الأسد!
كلنا يعلم – ومن خدم في الجيش يعلم أكثر- أن الفساد المالي والأخلاقي بات سمة مميزة لهذه المؤسسة بضباطها وصف ضباطها وجنودها العاملين، بل إن انتساب غالبيتهم إلى هذه المؤسسة يكون محشوًا بطموح شخصي في تحقيق مكاسب مادية ومالية غير مشروعة، لاسيما وأن هذه المؤسسة تحظى بنصيب الأسد من ميزانية الدولة دون رقيب أو حسيب، مما يفتح للفساد أبوابًا لا حدود لها.
والشواهد على ذلك الفساد كثيرةٌ ومعروفة لجميع السوريين، فهو يبدأ من لحظة الالتحاق بالخدمة أو قبل ذلك عند تقديم طلبات التأجيل الدراسي أو الإداري، ولا ينتهي بالتسريح من الخدمة واستلام الهوية المدنية، حيث تستمر شُعب التجنيد والجهات العسكرية المختصة بابتزاز المواطن كلما احتاج مراجعتها للحصول على الموافقات والأوراق اللازمة، بعد أن تكون قد أنهكته أثناء الخدمة العسكرية بدفع الرشاوى أو تقديم الهدايا للقادة العسكريين، مقابل نيل بعض الحقوق أو للتخلص من بعض المآزق المفتعلة التي يُوضَع بها العسكري من أجل ابتزازه. ناهيك عن عمليات السرقة والنهب الكبرى والتي تجري في المؤسسة العسكرية نفسها في المهمات (الكساء والعتاد) والتعيينات (الطعام) والوقود والآليات وعلى مستوى أكبر وباسم «أمن الوطن» كصفقات التسليح والتعاون العسكري وما وراء كل ذلك!
لكن المصيبة في هذا الجيش «العقائدي» تكمن في تحوّل فعل السرقة لديه من مجرد سلوك فاسد أو صفة شخصية أو حتى عقيدة عسكرية لدى كثير من العسكريين، إلى دافع أساسي لارتكاب الجريمة بأبشع أشكالها على صعيد الوطن والإنسان. ويذكر التاريخ جيدًا كمّ الجرائم التي ارتكبها أفراد الجيش السوري بدافع النهب والسرقة في كل مكان انتشر به أو حلّ فيه عبر تاريخه الحديث الممتد منذ تولي حافظ الأسد قيادته وحتى وقتنا الحالي بقيادة بشار الأسد. ولعل أبرز هذه الجرائم ماجرى في الثمانينات في حماة عندما أُطلقت يد الجيش فيها لفعل الممكن والمستحيل مع ضمان عدم المحاسبة أو المساءلة لأي من أفراده، وكانت الجملة التي رددها كبار ضباط الجيش لعناصرهم «كل ما في حماة لكم حلال زلال… فافعلوا ما شئتم»! فوصلت الأمور حينها إلى حد قطع أيادي النساء ورقابهن لسرقة حليهن، أو حرق البيوت والمحال التجارية لتغطية سرقات موجوداتها، أو قتل مواطنين أبرياء لحسم الجدل أثناء سرقة ما بحوزتهم من نقود! ولم يكن سلوك الجيش «العقائدي» أثناء تواجده في لبنان، أثناء الحرب الأهلية وما تلاها بأفضل، حيث وصلت جرائم الجيش حدًا غير معقول، ودناءة نفوس القيادات العسكرية بلغت ذروتها في البلد المنفتح على الغرب، فكانت الجرائم ترتكب لسببٍ ودونما سبب. فمن أجل سرقة سيارة فخمة قد يُقتل مواطن لبناني، ومن أجل الحصول على «قنينة مشروب أجنبي» مجانًا يتم تدمير محالٍ تجارية ويقتل أصحابها، وهو ما سمعناه من كثير من الجنود الذي أدّوا خدمتهم في لبنان. بل وصل الأمر ببعض الضباط أن أمر عناصره بقلع السيراميك والرخام من الفلل التي كانوا يسطون عليها لينقلوها بناقلات الجند «الزيل» إلى ضيعهم في سوريا، وقد روى أحد المجندين أن جدران شقة معلمه في الضيعة لا تشبه بعضها لأنها مرصوفة بسيراميك تمت سرقته من عدة مناطق في لبنان!!
وبالوصول إلى الثورة السورية انفضح ما حاول النظام إخفاءه عن حقيقة عقيدة جيشه. فالأرض السورية كلها باتت هدفًا مشروعًا للجيش ومؤسساته الأمنية، فاستبيحت المدن والقرى بشكلٍ منهجي وبهمجية غير مسبوقة، فتكررت السيناريوهات القديمة في كل المناطق على حد سواء أثناء اقتحامات المدن وحملات الدهم والبحث عن مطلوبين وعلى مستويات عدة. فالمجندون يحطّمون واجهات محلات الأغذية والموبايلات ويسرقون ما خف حمله وما طاب أكله، والضباط والمجندون يقتحمون البيوت الفارغة فيسرقون المفروشات والأدوات والموجودات المنزلية حتى الأحذية وألعاب الأطفال وينقلونها بسيارات «الزيل» إلى مساكنهم إما لاستخدامها أو لإعادة بيعها. ولعل كلًا منا قد شهد أو سمع قصة أو أكثر حول السرقات التي ارتكبها الجيش العقائدي!! فأثناء إحدى المداهمات أمر الضابط أحد عناصره بإحضار أسطوانة الغاز الموجودة في المنزل وعندما أحضرها له ووجدها فارغة أمره بإعادتها إلى الداخل وسار برفقة العنصر إلى باب المنزل ليوبخه أمام أصحاب البيت «نحنا مو حرامية ولا»!!
ولعل الأكثر لفتًا للانتباه قيام عدد من أفراد «الجيش العقائدي» الذي باتت عقيدته السرقة والفساد ولو على حساب الوطن والنظام، بسرقة قسم من الذخائر المخصصة لعمليات قمع المتظاهرين والثائرين ليس لبيعها في أسواق الذخيرة كما كان الوضع سابقًا بل للثائرين أنفسهم وعناصر الجيش السوري الحر الذي من المفروض وحسب «عقيدتهم» أنهم إرهابيون وأعداء يجب قتالهم!! ناهيك عن سرقة قسائم البنزين والمازوت الخاصة بالسيارات والآليات المكلفة بقمع الثورة!!
شكل آخر من أشكال السرقة «العقائدية» هو سرقة مخصصات المعتقلين من الطعام !! وقد نُقِلت شهادات عدة من سجون الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية الممتلئة بمعتقلي الثورة أن السجانين يسرقون وبشكل يومي طعام المعتقلين لاسيما وجبة العشاء، ما أدى إلى تراجع كبير في صحتهم وإلى شعورهم الدائم بالجوع الذي صار يدفعهم إلى أكل قشور البرتقال والبطيخ والخبز اليابس!! رغم الكميات الجيدة من الطعام المخصصة للسجانين، ما يؤكد بأن السرقة في الجيش هي سلوك نابع عن عقيدة لا عن حاجة!
إن الفساد بأشكاله المختلفة قد نخر جسم المؤسسة العسكرية بكل مستوياتها فباتت المؤسسة أداة في مزرعة الأسد، كما باتت كل قطعة عسكرية مزرعة للضابط المسؤول يمارس فيها فساده وسرقته فيبتزّ المجندين مقابل منحهم إجازات أو لتفييشهم كما يسرق رواتبهم – أو جزءًا منها- كما يفرز عددًا من المجندين للخدمة في منزله أو مزرعته ولتلبية طلبات «المدام»!!
أخيرًا نقول:
لعل أهم أسباب فشل النظام في تحقيق تقدمٍ في عمليات قمع الثورة السورية استخدامه لجيش يحمل «عقيدة» كهذه، أول أولوياته الحصول على الغنائم المادية ولو على حساب تحقيق الأهداف العسكرية والأمنية الموكلة إليه. فأثناء عمليات المداهمة والاقتحام يفشل عناصر الجيش في الوصول إلى المطلوبين والناشطين نتيجة انشغالهم بالسرقة والنهب!! وللتغطية على سرقاتهم يستخدمون مالديهم من ذخائر لتدمير المحال والبيوت ولترويع المواطنين ومنعهم من مشاهدتهم وهم يؤدون واجبهم في السرقة بدل أداء واجبهم المفترض بمحاربة «العصابات الإرهابية».
وإذا ما دخلت إلى مساكن بعض الضباط وصف الضباط والجنود المكلفين بعمليات قمع الثورة السورية تجد فرش البيت من المسروقات، أدوات المطبخ من المسروقات، الحلي في أيدي ورقاب نسائهم من المسروقات، وألعاب وحليب أطفالهم من المسروقات، حتى علبة المتة التي يقرقعونها غالبًا ما تكون من المسروقات…
باختصار: إن هذا الجيش «العقائدي» مأكله حرام، مشربه حرام، وغذي بالحرام!!! فكيف لايزال البعض منا حتى اليوم يرسل أبناءه للالتحاق بهذا الجيش؟؟!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :