خليفة الخضر
عند نشر خبر عاجل مضمونه: انفجار سيارة مفخخة، الخبر مبدئيًا يجلب التعاطف، والتضامن مع ضحايا هذا الانفجار، بغض النظر عن مكان الانفجار وهوية الضحايا وخلفيتهم السياسية والدينية والمناطقية.
قبل اندلاع الثورة السورية في آذار عام 2011، كان السوريون بالمجمل يتضامنون مع ضحايا أي سيارة تنفجر في سوريا أيًا كان المكان، وبأي مدينة أو دولة كغزة أو العراق.
ومع اندلاع الثورة السورية، كان التضامن مع الضحايا في سوريا دون التركيز على هوية الضحية.
ومع جريان حمام الدم في سوريا والذي بدأه الأسد من خلال قتل المتظاهرين عن طريق قوى الأمن والشبيحة، بدأ المجتمع السوري ينقسم على نفسه في مفهوم التضامن مع الآخر والتعاطف معه، ووسعت حجة قتل المتظاهرين الممولين قطريًا أو أولئك أصحاب التوجه السلفي الذين يسعون لإقامة إمارة سلفية في سوريا أو قتل كل من هم من الطائفة العلوية والديانة المسيحية، الفجوة في مفهوم التضامن، إذ كان بعض المؤيدين للأسد في البداية لهم رأي واضح ضد القتل ولكن بعد فترة بات تبرير القتل يترافق مع الكثير من الحجج كالقضاء على أعداء الوطن، ومع مرور الأيام وتسلح بعض المتظاهرين لحماية المظاهرات وتبادل إطلاق الرصاص مع قوة الأمن وميليشيا الشبيحة (وهم مجموعة من أصحاب السوابق الجنائية الذين أطلق الأسد سراحهم من السجون مقابل قمع المظاهرات بالأسلحة البيضاء ومن ثم بالسلاح الحي مع كثافة وازدياد نقاط التظاهر في سوريا، وكل مجموعة منهم ممولة من قبل أحد التجار المقربين من الأسد) ارتفع صوت الرصاص بين ما يسمى “الجيش العربي السوري” وقوات الأمن وميليشيات حزب الله والباقر والنجباء وفصائل الجيش الحر والفصائل ذات الطابع الإسلامي بهدف انتزاع المناطق وفرض السيطرة من الجهات الأخرى التي تسيطر عليها.
ومع مرور الوقت وتشكيل أجسام عسكرية وأفول أخرى وتبدل السيطرة على مناطق عدة وتهجير مناطق وفرض السيطرة على مناطق داخل الأراضي السورية، أخذ التضامن والتعاطف مع ضحايا أي تفجير بين السوريين أشكالًا ذات طابع سلبي ينزع الصفة الإنسانية من الإنسان السوري وتبلدت مشاعر السوريين وازدادت وحشيتهم ضد الضحية “السورية”.
والأفظع من كل ما نتج عن تبلد المشاعر وتبرير التفجيرات، هو حالة استغلال الوجع لصالح غايات سياسية وعسكرية، وعدم الانتباه إلى ضحايا التفجير بناء على الاصطفاف والانقسامات العسكرية والطائفية والمناطقية.
فعلى سبيل المثال في كل تفجير يستهدف المنطقة التي يسيطر عليها من جسم عسكري ما، تنشر وسائل إعلامه أن الضحايا جلهم من المدنيين، نساء وأطفال، في حين لو تم التفجير في الجهة المعادية لهذا الجسم العسكري السابق، لكان ضحايا التفجير على منصة الجهة الإعلامية السابقة، مقاتلين معادين فقط، وعلى الأغلب استهدف التفجير غرفة عمليات العدو أو مركزًا لتخزين السلاح، والعكس بالعكس بين كل الجهات العسكرية التي تتقاسم السيطرة على المناطق في سوريا.
ومن جهة أخرى، يتم نشر الكثير من صور ضحايا تفجير ما، في حال كان التفجير في الجهة التي تخص هذا الجسم، ولا نرى أمثال هذه الصور في حال كان المنفذ الجهة التي يعمل لصالحها هذا الناشر أو المتعاطف مع الضحية السابقة.
ولم يقتصر استغلال الضحايا على السوريين لأجل غايات سياسية، بل استخدمته الدول أيضًا، فعلى سبيل المثال تعاطفت الإدارة الأمريكية مع ضحايا القصف الكيماوي في دوما وتعاطف الروس مع ضحايا قصف القنابل الفوسفورية في الرقة، ولكل منهما غايته، والضحايا هم ضحايا في كل من الرقة ودوما.
مع كل هذه الفظاعة والتخبط وعدم التوازن الإنساني الذي نعيشه، أصبح القارئ اليوم يسأل بعد نشر خبر انفجار سيارة مفخخة في سوريا في أي مكان تم التفجير ومن الجهة التي فجرت ومن هم الضحايا، وفي الختام، إما أن يتعاطف وينشر على صفحته في “فيس بوك” عبارات وصورًا عن الضحايا ويطالب بمحاكمة الفاعلين، أو يكتفي بعبارة: “يستاهلوا الله لا يخلي فيون واحد عايش”، وبهذا يكون السوري قد تحول خلال السنوات الثماني التي مرت من عمر اندلاع الثورة السورية من متضامن مع أي ضحية من المدنيين إلا متضامن فقط مع من يشبهه من الناحية الدينية والفكرية والمناطقية.
وكل ما يخطر في بالي، أنه يتوجب علينا -لأجل الضحايا المدنيين- ألا نذكر مكان التفجير، لأنه من حق الضحية أن تلاقي تعاطفًا من أبناء بلدها يكرمها، أو أن ننشر الخبر بالصيغة الآتية: تفجير سيارة مفخخة أمام منزلك أيها القارئ.