الشركة العامة للأسمدة.. تعثر سوري ومنافسة إيرانية فاستحواذ روسي

  • 2019/01/27
  • 12:00 ص

معمل الأمونيا يوريا التابع للشركة العامة للاسمدة في حمص- تموز 2017 (سانا)

عنب بلدي – رهام الأسعد

حين تطبّع القطاع الاقتصادي بملامح سياسية وعسكرية في عالم الصراع السوري، دخلت الزراعة السورية في دوامة جعلتها أبرز المتضررين من ذلك الصراع، مع خروج “الشركة العامة للأسمدة” في حمص عن الخدمة ثم تشغيلها بشكل متقطع أفقد المزارعين توازنهم، فأخذوا يبحثون عن بدائل أخرى لشركة كانت تخدّم القطاع الزراعي في عموم سوريا، وأصبحت اليوم بأيادٍ روسية ليست خفية.

أعادت “الشركة العامة للأسمدة” في حمص تشغيل نفسها تدريجيًا منذ منتصف عام 2017 عبر تفعيل المعامل الثلاثة التابعة لها (معمل الأمونيا يوريا- معمل الكالنترو- معمل السماد الفوسفاتي)، وذلك بعد توقف دام أكثر من عامين لشركة تعد أكبر مجمع صناعي كيميائي في سوريا، يؤمّن حاجة القطاع الزراعي من الأسمدة على اختلاف أنواعها.

الشركة العامة للأسمدة

تأسست الشركة العامة للأسمدة في سبعينيات القرن الماضي، حين دشن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد أول معاملها بمناسبة عيد العمال، في 1 من أيار 1972.

تقع الشركة على ضفاف بحيرة قطينة بمسافة 10 كم غرب مدينة حمص، وكان يعمل فيها سابقًا نحو ثلاثة آلاف عامل وفني وخبير، تقلص عددهم إلى النصف بعد عام 2011.

بدائل إيرانية تناوبت مع المحلية

تنتج الشركة العامة للأسمدة أنواعًا مختلفة من الأسمدة اللازمة لإنتاج المحاصيل الزراعية في سوريا، وأبرزها سماد اليوريا والكالنترو والسماد الفوسفاتي، وتسلمها إلى المصرف الزراعي التعاوني الذي بدوره يبيع الأسمدة للفلاحين بسعر مدعوم، وحسب الخطة المتاحة في كل موسم.

لكن مع توقف الشركة العامة عن العمل، عام 2015، بسبب عدم توفر مستلزمات الإنتاج من غاز وفوسفات وكهرباء وقطع تبديل، فقد السوق المحلي الزراعي أنواعًا عدة من الأسمدة، وعلى رأسها سماد اليوريا، ما انعكس سلبًا على كميات الإنتاج ونوعيته، وأدى إلى لجوء الفلاحين إلى السوق السوداء.

المهندس الزراعي، يوسف البريك، قال لعنب بلدي إن خروج معامل شركة الأسمدة عن الخدمة أدى إلى انخفاض كمية الأسمدة التي يوفرها المصرف الزراعي للفلاحين، وبالتالي تضررت المحاصيل الزراعية وارتفعت تكاليف الإنتاج على الفلاحين، نظرًا لاستيراد الأسمدة اللازمة من الخارج بأسعار مرتفعة تقارب سعر تلك المتوفرة في السوق السوداء.

وأضاف البريك، الذي يعمل في منظمة “مسرات”، أن كل تلك الآثار، بالإضافة إلى ارتفاع سعر المحروقات، ألحق خسائر كبيرة بين شريحة المزارعين، الذين اضطروا إلى رفع سعر المحاصيل الزراعية لتواكب أسعار الأسمدة، وبالتالي تحقيق ما يحتاجونه من أرباح.

أحد المزارعين من مدينة حمص (فضل عدم ذكر اسمه) قال لعنب بلدي إن سماد اليوريا، المستخدم في تحسين جودة وناتج المحاصيل الزراعية، فُقد في السوق المحلي منذ عام 2015، مشيرًا إلى أن المزارعين لجؤوا إلى السوق الحرة (السوداء) التي انتشرت فيها أسمدة اليوريا المستوردة من إيران، ولكن بأسعار مرتفعة.

وأضاف المزارع، الذي يملك أرضًا في مدينة القصير، أنه خلال السنوات التي توقفت فيها الشركة عن العمل استمرت بتوفير أنواع معينة من الأسمدة، خاصة سماد الكالنترو الذي لم ينقطع من السوق نتيجة توفر مخزون كاف منه، في حين كان سماد اليوريا يتوفر أحيانًا وينقطع أخرى، ويستبدله المصرف الزراعي بالسماد الإيراني المستورد.

أما عن الأسعار، فيقدر سعر الكيس الواحد من سماد اليوريا السوري، والذي يحوي 50 كيلوغرامًا، بنحو 2500 ليرة سورية قبل عام 2011 وارتفع سعره إلى 5500 ليرة عام 2015، أي قبل توقف الشركة عن العمل، بينما يكلف الكيس الواحد من سماد الكالنترو 2000 ليرة سورية قبل عام 2011 واليوم يباع بنحو 8500 ليرة سورية.

في حين يكلف كيس سماد اليوريا الإيراني الذي يباع في الجمعيات الزراعية الحكومية 12 ألف ليرة سورية، ويصل سعره في السوق السوداء إلى 18 ألف ليرة، بحسب ما قال المزارع، مشيرًا إلى أن السماد الإيراني أقل جودة من السوري.

وأضاف أن المصرف الزراعي وعد المزارعين بتوفير سماد اليوريا السوري هذا الشهر بعد إعادة افتتاح معمل “الأمونيا يوريا”، ولكن بمبلغ 9500 ليرة للكيس الواحد.

ويرى المهندس الزراعي جمال كلش، وزير الزراعة في “الحكومة المؤقتة”، أن اعتماد المزارعين على السوق الحرة (السوداء) في تأمين الأسمدة الزراعية انعكس سلبًا على الإنتاج كمًا ونوعًا، وحوّل المزارعين من منتجين يدعمون حاجة السوق المحلي إلى مستهلكين بالمجمل.

وأشار كلش، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن ذلك يحمل أبعادًا أخرى قد تؤثر على الشعب السوري مستقبلًا، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، مع فقدان العديد من المواد الغذائية، واضطرار النظام السوري لاستيراد منتجات زراعية كانت تغني حاجة السوق المحلي ويتم تصديرها للخارج.

 

 

أياد روسية تحتكر أسمدة المزارعين

من جملة المشاريع والاستثمارات ذات الهوية الروسية في سوريا، شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية التي تمتلك حصة في الشركة العامة للأسمدة، حين وقعت عقدًا مع حكومة النظام السوري، في تشرين الثاني 2018، يقضي باستثمار شركة الأسمدة ومعاملها الثلاثة مدة 40 عامًا قابلة للتجديد.

وبموجب العقد، يقوم الجانب الروسي بإعادة صيانة المعامل الثلاثة، ويلتزم بالحفاظ على إنتاجيتها وإيصالها للطاقة التصميمية خلال عامين، بحيث تبلغ حصة الشركة السورية من الأرباح 35% مقابل 65% للشركة الروسية، بحسب بنود العقد التي نشرتها صحيفة “تشرين” الحكومية.

وقال مدير المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية لصحيفة “تشرين”، أسامة أبو فخر، إن الهدف من استثمار الشركة مع الجانب الروسي هو الوصول إلى الطاقات الإنتاجية التصميمية والتي تقدر بنحو 1600 طن يوميًا من الأسمدة، يحق للشركة الروسية بعدها تصدير الأسمدة للخارج.

وعلى اعتبار أن العقد وقَع حديثًا، لم تتضح بعد تبعات سيطرة الشركة الروسية على قطاع إنتاج الأسمدة في سوريا، خاصة أن بعض بنود العقد لا تزال غامضة.

لكن المخاوف تسود من أن تسهم الأيادي الروسية في رفع الدعم عن الأسمدة الزراعية وبالتالي غلاء أسعارها نتيجة تصدير الشركة الروسية للأسمدة، خاصة أن العقد يجيز لها التصدير ولكن “في حال اكتفاء حاجة السوق المحلي”.

كما أن المزارعين يعتبرون أن الشركة العامة للأسمدة ثروة وطنية يفترض عدم السماح بالتشاركية فيها.

ويرى المهندس جمال كلش، وزير الزراعة في “الحكومة المؤقتة”، أن الشركات المستثمرة تسعى بالنتيجة إلى تحقيق أرباح بما يخدم مصلحتها أولًا، وأضاف لعنب بلدي أن المزارع في هذه الحالة هو الحلقة الأضعف رغم أنه الوسيلة الأولى لتصريف الأسمدة.

واعتبر كلش أن المزارع السوري لن يستفيد من استثمار الشركة الروسية لشركة الأسمدة السورية إلا في حال تم توفير كميات كافية من الأسمدة في كل موسم زراعي وبأسعار مدعومة تغنيه عن السوق السوداء.

ثلاثة معامل تغطي حاجة المزارعين السوريين.. ماذا حل بها؟

تضم الشركة العامة للأسمدة، التي تعد أكبر مجمع صناعي كيميائي يؤمّن حاجة القطاع الزراعي في سوريا، ثلاثة معامل لتصنيع الأسمدة الزراعية، هي: معمل الأمونيا يوريا، معمل سماد الكالنترو، معمل السماد الفوسفاتي، والتي تأثرت خلال سنوات الحرب في سوريا.

معمل الأمونيا يوريا

توقف معمل الأمونيا يوريا، الذي يعد أساس عمل وتشغيل المعملين الآخرين، عن الإنتاج عام 2015، بسبب انقطاع الغاز عنه نتيجة النزاعات الدائرة في سوريا، وعدم توفر مستلزمات الإنتاج من فوسفات وكهرباء وقطع تبديل، ما أدى إلى تضرر المحاصيل الزراعية في عموم الأراضي السورية.

ودخل معمل الأمونيا يوريا في الخدمة، في تموز عام 2017، بمعدل إنتاج 900 طن يوميًا، بعدما زودته وزارة النفط بـ 1.2 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لتصنيع الأسمدة، بحسب ما أعلنت الشركة.

وأشارت إلى أن تفعيل المعمل سيسهم بدايةً في إنتاج 25 ألف طن شهريًا من سماد اليوريا، إضافة إلى باقي المنتجات المخصصة لتشغيل المنشآت الصناعية للقطاعين العام والخاص، ولا سيما صناعة التبريد التي تحتاج لمادة الأمونيا.

معمل سماد الكالنترو

عقب دخول معمل الأمونيا يوريا في الخدمة، تم تفعيل معمل الكالنترو، الذي يعتبر نواة الشركة العامة للأسمدة وأقدم معاملها، وتم تدشينه في عام 1972.

ويصل الإنتاج اليومي من سماد الكالنترو إلى 400 طن، بحسب بيانات نقلتها وكالة “سانا”عن مدير الشركة العامة للأسمدة.

لكن هذا المعمل لا يعمل بشكل دوري ومنتظم، بل يتم تشغيله حسب الطلب على الإنتاج، خاصة أنه يعاني من تراكم المخزون بسبب عدم استجرار السماد بالشكل المطلوب، حسبما قال مدير معمل الكالنترو، المهندس نصر الله سليمان، لصحيفة “تشرين” الحكومية في آب الماضي.

ويقوم المعمل ببيع بعض المنتجات الثانوية مثل ماءات الأمونيا وحمض الآزوت للقطاعين العام والخاص، لكنه يعاني “نقصًا شديدًا” في الأيدي العاملة والخبرات، نتيجة انخفاض عدد العاملين فيه من 400 عام 2010 إلى 230 عام 2018، بحسب سليمان.

معمل السماد الفوسفاتي

تم تفعيل معمل السماد الفوسفاتي بشكل رسمي، في 3 من كانون الثاني الحالي، بعد الانتهاء من أعمال الصيانة لخطوط الإنتاج.

وكان المعمل قد دخل إطار التجريب في 19 من كانون الأول الماضي، وبدأ الإنتاج في 30 من الشهر ذاته، لرصد واقع الإنتاج الذي وصل إلى 400 طن يوميًا من السماد الفوسفاتي الضروري للزراعة في سوريا، بحسب ما أعلن مجلس محافظة حمص.

ويضم معمل السماد الفوسفاتي ثلاثة أقسام، هي: حمض الكبريت وحمض الفوسفور وقسم إنتاج السماد، وأعيد تفعيل هذه الأقسام بعد استلام الشركة العامة للأسمدة كميات من الفوسفات الخام من مناجم ‏فوسفات الشرقية بريف تدمر.

“ترانس غاز” الروسية.. تاريخ مستمر من الاستثمارات في سوريا

طُرح اسم شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية ضمن جملة من المشاريع الروسية التي هيمنت على القطاع الاقتصادي في سوريا، وذلك خلال السنوات الأخيرة التي تلقى فيها النظام السوري دعمًا روسيًا على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي.

وتعتبر شركة “ترانس غاز” الروسية من الشركات العالمية العاملة في مجال النفط والغاز خاصة في مجال مد الأنابيب وإنشاء معامل معالجة الغاز.

لكن اسم الشركة لم يكن حديث عهد على الاستثمارات الأجنبية في البلد، بل دخلت “ستروي ترانس غاز” إلى سوريا بمشاريع اقتصادية واستثمارات بدأت عام 2005، حين نفذت أضخم مشروع غازي، وهو خط الغاز العربي الذي حقق عائدًا اقتصاديًا للبلاد حينها كونه جعلها حلقة وصل لشبكات الغاز العربية والإقليمية.

ورغم الأحداث الأمنية والاقتصادية التي شهدتها سوريا بعد الثورة السورية عام 2011، استمرت “ترانس غاز” بأعمالها التي بدأتها قبل الثورة، كما أبرمت عقودًا واستثمارات جديدة مع النظام السوري خاصة في مجال الطاقة، الذي تسعى روسيا لوضع يدها عليه.

إذ وقعت وزارة النفط في حكومة النظام السوري، في آذار 2018، عقدًا مع الشركة الروسية لاستخراج الفوسفات الخام في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، خاصة من منجمي “الشرقية” و”خنيفيس”.

وينص العقد على إمكانية إنتاج واستثمار الشركة الروسية للفوسفات السوري مقابل إعطاء حصة للمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية السورية من الإنتاج بنسبة 30%.

كما وقعت عقدًا مع النظام السوري، في تشرين الأول الماضي، لاستثمار الشركة العامة للأسمدة ومعاملها الثلاثة، لمدة تصل إلى 40 عامًا قابلة للتجديد.

يملك شركة “ستروي ترانس غاز” الملياردير الروسي غينادي تيموشينكو بنسبة 31%، وغينادي معروف إعلاميًا على أنه صديق طفولة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رغم أنهما لم يظهرا علنًا أمام وسائل الإعلام.

ويحمل غينادي الجنسيات الروسية والفنلندية والأرمنية، ويملك مجموعة “فولغا” وشركة “جوفنور” العملاقتين، وله باع طويل بالاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية، كما يملك عددًا من الأندية الرياضية.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية